الاثنين ٢٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢١
بقلم سناء أبو شرار

أيُّ الأمم أعقل؟

يقول ابن المقفّع:

(أعقل الأمم العرب، إن العرب حكمت على غير مثالٍ لها، ولا آثار أُثِرَت، أصحابُ إبل وغنم، وسكان شعر وأدم، يجود أحدهم بقُوته، ويتفضل بمجهوده، ويشارك في ميسوره ومعسوره، ويصف الشيء بعقله فيكون قدوه، ويفعله فيصير حجّة، ويحسّن ما شاء فَيحسُن، ويقبّح ما شاء فيقبح، أدَّبتهم أنفسهم ورفعت هممهم، وأعلتهم قلوبهم وألسنتهم، فلم يزل حِباء الله فيهم، وحِباؤُهم في أنفسهم حتى رفعَ لهم الفخر، وبلغ بهم أشرف الذكر، وختَّم لهم بمُلكهم الدنيا على الدهر، وافتتح دينه وخلافته بهم إلى الحشر ولهم قال سبحانه وتعالى: "إن الأرض لله يُورِثُها من يشاء من عابدهِ والعاقبةُ للمتقين".

فمن وضع حقهم خسر، ومن أنكر فضلهم خُصم، ودفع الحق باللسان أكبت للجنان) *

بداية دمار الفرد والأمة انعدام تقدير الذات بل وتحقيرها، وحين نستمع لما نقوله نحن العرب عن أنفسنا يبدو وكأننا نسينا تاريخنا ونسينا أخلاقنا ومآثرنا، وهذا لا يعني بأنه ليس هناك من تخلى عن الأخلاق والمبادئ وأصبح بلا هوية ولا معتقد ولا انتماء، لقيط يتجول بين الثقافات والأفكار والأهواء، فلا هو عربي ولا هو غربي، هو خليط من أسوء ما لدى هؤلاء وأولئك.

ولعل أسوء ما أصاب هذه الأمة العربية ذات الحضارة الأجمل والأطول والأكثر عراقة على وجه الأرض هو هذا السم القاتل الذي بثته قوىً استعمارية وقوىً تدعي أنها تنتمي للأمة العربية والإسلامية قالباً ولكن قلبها يكن كل الكره والضغينة لكل ما هو عربي، أسوء ما أصاب هذه الأمة هو احتقار الذات ونسيان التاريخ، هو إلقاء معتقداتها وأخلاقها ثوباً بعد الآخر، لتلبس ثوب جديد ولكن مرقع باهت وقبيح، لا يقيها البرد ولا يستر عوراتها.

نحن نلوم الغرب لأنه ينتقدنا، ولكننا لا نلوم أنفسنا لأننا لم نعد نعرف حتى كيفية الدفاع عن أنفسنا، فكيف لأمة أن تدافع عن نفسها وقد نسيت تاريخها، لا تقرأه، لا تتمعن به، لا تعلمه لأبنائها، بل تشعر بالخجل إن تحدثت عن ذلك التاريخ.

هذه ليست دعوة للتمسك بالتاريخ ونسيان ما يستدعيه الواقع من شحذ الهمم والنهوض بهذه الأمة، ولكن من ينسى جذوره، من لا يعرف قيمة ذاته وأرثه وحضارته، من يخجل من تاريخه، من يتخلى عن القيم التي كانت تشكل أساس المجتمع العربي، ماذا يتبقى له؟

هل يتبقى له اللهاث وراء حضارات أصبحت تعاني الفشل الذريع، حضارات مجدت المادة وسحقت كل ما هو انساني، حضارات مستعدة لإبادة الشعوب عبر الحروب والأوبئة لتبقى هي المسيطرة ولتبقي أسهمها في البورصات هي الأعلى.

يكفي فخراً لكل عربي بأنه خلال القرون التي حكم بها العرب لم ينهشوا البشرية، لم يبيدوا الشعوب، لم يستعبدوا البشر. الجميع يعتقد بأن تطور الشعوب يُقاس بتطور الاختراعات ولكن بعد أفول شمس العرب أصبحت الأرض مركز صراعات وعدم استقرار ونهب واحتلال للشعوب وقهر وظلم، لأن العربي الأصيل صاحب الخلق والدين لن يقبل على نفسه الظلم والنهب وقهر الشعوب ولا قهر أي انسان أو حتى حيوان.

*عبد الله بن المقفع من أبناء الفرس الذين نشئوا بين العرب. (من كتاب قصص العرب. ص 40 – محمد تحمد جاد المولى بك- الهيئة العامة للقصور – القاهرة)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى