الأربعاء ٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم حسين الجفال

استقالة هادئة

نادرا ما تكون الاستقالة من أي منصب ثقافي أو فني خالية من أسباب أو حالة تعبير عن عدم الرضا. وغالبا ما تجرُّ وراءها خيباتٍ وويلاتٍ بائسةٍ على الوسط الثقافي تتعدى التجربة واختبار المنجز إلى لعنة الذواتِ والتطاول على المستوى المعرفي والأخلاقي والإنساني مما يعني أن المثقف كائنٌ قابلٌ للاستفزاز وكأيِّ رجلٍ بسيطٍ قد يترجل من عليائه إلى الأدنى ؛ هكذا يتكشف المخبوء مِنْ بقايا نيةٍ أو المضمر في ذواتٍ مهجوسةٍ بتكريس الأنا والاشتغال على الزيف.

إلا أن استقالة الأستاذ عبدالعزيز السماعيل (مدير جمعية الثقافة والفنون بالدمام) كانتْ خارجَ المعتاد، بل أصبحتْ أنموذجا مثاليا للنخبة التي تتصارع بالكلمة من أجل الكلمة ولكن –حتما- ستخسر الحرية كما نخسرُ كثيرا من أنفسنا ورهافتنا المتعبة إزاء خلافاتنا المشخصنة.

هنا... يبرز عبد العزيز السماعيل ببراعةٍ وبذكاءٍ، حيثُ يُعلِّمُنا أنَّ قيمة المنجز لا تنتهي ولذلكَ كانَ يسعى جاهدا أن تتحول الجمعية في أيامه إلى رمزٍ ثقافي وفني، ولذلكَ تمَّ تكريمه مؤخرا من قبل الجمعيةِ بأعضائها ولجانها المتفرعة إضافةٍ لأصدقائه من الوسط الإبداعي حفاوة ً بموهبته وعطاءاته القيِّمة، وقد كانتْ روح المبادرةِ من الناقد عيد الناصر الذي تولى إدارة الجمعية خلفا للسماعيل حيثُ ألقى دمعة ً بيضاء في كلمته الرائعة.

كان - السماعيل- مثالا حيا وجميلا لما يجب على المثقف أن يتخذه حين يصل مع قرارة نفسه إنه أعطى كل ما لديه كي يتعانق وروح الفنان من جديد، وأن يتفرغ للكتابة والتمثيل.

السماعيل الذي قاد جمعية الثقافة والفنون بعزيمة وحب كبيرين بنى حوله أسرة كبيرة مليئة بالقلوب المحبة من الفنانين وساهم في تطوير فرع الدمام بشكل ملموس، على يديه انطلقت مسابقة العروض المسرحية القصيرة مشكلة ظاهرة صحية وقدمت وجوها مبدعة للساحة المحلية وأسهمت في خلق روح منافسة شريفة بين المسرحيين، كما أنه نشط الجانب الثقافي في الجمعية وسجل الفرع السبق في عرض أول فليم قصير في المملكة للفنان الشاب محمد الباشا معلقا الجرس لتتسارع بعدها الجمعيات والأندية الأدبية لعرض الأفلام.

لقد بذل الأستاذ السماعيل جهدا كبيرا للحصول على المبنى الجديد للجمعية وحرص على متابعته أولا بأول بالتقسيمات التي رآها الجميع، قسم الموسيقى، القسم الثقافي المسرحي، الفنون الشعبية، التشكيل والخط، ونجح في خلق قسم التصوير الضوئي ليواكب عصر الصورة وتطورها..

ثم ما لبث السماعيل وتوج نجاحاته بإقامة مسابقة أفلام السعودية بمشاركة أدبي الشرقية والذي تشرف الوزير بافتتاحها ودعمها شخصيا وفي صالة المسرح التي ساهمت أرامكو السعودية في دعم إنشائها لتكون صالحة للعروض وبشكل أنيق ومحترف.

بشكل سلس وجميل سلم السماعيل الجمعية لخلفه الأستاذ عيد الناصر وهو راض تماما مع توزيع كتابة المسرحي الأول نصوص مسرحية بعنوان ) موت المغني فرج ( الذي طبعه مشكورا أدبي الشرقية في التفاتة مهمة لرجل يستحق.

أراهن أن القادم المنسكب على الورق لن يكون إلا جميلا كما كان السماعيل في إنسانه وفي ثقافته العالية، فشكرا لأبي مازن وامتنان لوعيه وفنه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى