الأدباء وكرة القدم
لطالما استحوذت كرة القدم على قلوب الجماهير ، وشكّل هذا المستطيل الأخضر مسرحاً لآمالها العريضة حيال الفريق الذي تؤازره، حتى أضحت مضربا للأمثال كأن نقول : " الكرة في ملعبك "، كما فاق صيت لاعبيها شهرة أعمدة الأدب و نجوم الفن على حد قول الأديب المصري توفيق الحكيم " انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم، ولا تكاد صفحات الفيسبوك الخاصة بالشعراء والأدباء تخلو من إشارات إلى العرس الكروي والفرق التي يساندونها، و لاسيما أن هذه اللعبة و منذ انطلاقتها استأثرت بأقلام الشعراء والأدباء، فالشاعر العراقي معروف الرصافي نظم قصيدته " في ملعب الكرة " ليصف فيها المباراة بكامل تجلياتها بدءاً من تدريبات الإحماء في الملعب مروراً بسحر الكرة بين أقدام اللاعبين إلى صفارة الحكم في نهاية المباراة، معبراً بلغته الشائقة مرونة القلم في التصوير والاندماج والتعبير ونقل فعل المشاهدة إلى فرجة تشاركية، و لا ريب أن يدفع الأداء الساحر للأرجنتيني ماردونا في كأس العالم عام 1986 بالمكسيك الشاعر الفلسطيني محمود درويش ليكتب عنه مقالا نشره في صحيفة اليوم السابع تحت عنوان " مارادونا لن تجدوا دماً في عروقه بل صواريخ "،
هنا التقينا عدداً من الأدباء العرب واستطلعنا آراءهم والتي تباينت على حسب الأشكال التعبيرية وفق الجنس الأدبي الذي يتبعونه عن مهارة كرة القدم والكتابة والقواسم المشتركة بين المهارتين والفرق التي سيؤازروها في المونديال الروسي وأداء أفضل اللاعبين بالنسبة إليهم، و أكد بعضهم على شغفهم بهذه اللعبة والعرس الكروي، معتبرين أن في اللعبة الكثير من مهارات الأدب، في حين يرى آخرون أنها أدت إلى عزوف الجمهور عن النشاط العقلي إلى النشاط الجسدي.
كالقصيدة مطلعها حذر وخاتمتها مفاجئة
وصف مدير بيت الشعر بالشارقة الشاعر الإماراتي محمد البريكي كأس العالم بأنه عرس الأحداق من خلال كتلة جماهيرية هائلة تترقب حركات الجسد والمرونة العالية للاعبين والتي أعني بها تشابهها مع القصيدة عبر التمريرات المحكمة المستندة على مرونة ورشاقة كانسيابية القصيدة من بيت إلى آخر وتفعيلة إلى تفعيلة وقواعدها الواضحة للعيان ، حيث تبدأ المباراة بمطلع حذر وصعب ولتكون العبرة و المفاجأة بخاتمة المباراة التي ربما تحمل الكثير من الإدهاش، كأس العالم يكتشف نجوما لامعة كما تكتشف القصيدة والأمسيات أسماء جديدة تتحول إلى اسم صعب، أنا شخصيا أشجع الفرق العربية المشاركة في الكأس وبالأخص المنتخب السعودي، ومن الفرق الأجنبية التي أشجعها البرازيل ويعجبني كثيراً أداء السعودي نواف العابد .
قصيدة العالم في العرس الكروي
ويتفق معه الدكتور طلال الجنيبي شاعر إماراتي ، إذ يشجع الفرق العربية المشاركة في المونديال، ويعجبه أسلوب أداء كل من اللاعبين نواف العابد وفهد المولد من المملكة العربية السعودية ومحمد صلاح من جمهورية مصر العربية ومبارك بوصوفة من المملكة المغربية ونبيل الشاشي من تونس، وعن القواسم المشتركة بين كرة القدم والقصيدة، على حد قول الجنيبي يتوحد العالم بحبه لهذه اللعبة و يترقب الجمهور أولئك اللاعبين الذين يمسحون عن جباههم العرق المنساب والتعب الغزير من كرة يركضون خلفها نحو الهدف المرتجى، تماما كما يمسح الشاعر عن جبينه المجهد المعنى عرق البلاغة و القوافي وبحور الفراهيدي لينتج نصّاً يخرج من ملكيته ليصبح ملكاً للجمهور، كرة القدم والتشكيلة الأساسية تشبه القصيدة ببنيتها المتينة ودفقتها الأولى وسرعان ما تنكشف الستارة عن بعض الأخطاء التكتيكية في النص الشعري لتجد البدلاء المناسبين وتدفع بهم كأن تستبدل كلمة أو تضيف حرفاً ورويا، إنها كرة القدم قصيدة العالم في العرس الكروي .
مدرجات المستطيل الأخضر تشبه إلى حد ما مدرجات المسارح القديمة
أما السعودي عباس الحايك الحائز على جائزة الشارقة للإبداع في مجال المسرح فيرى في ملاعب كرة القدم أنها تشبه إلى حد ما المدرجات التي تعرض فيها مسرحية مشوّقة، تبدأ بكشف الشخصيات المؤثرة والمحركة للفعل مع دوي التصفيق و الهتاف كما تفعل الكرة في بداية المباراة، مروراً بالخط الدرامي الذي يشبه إلى حد ما منطقة الجزاء وانتهاء بإسدال الستارة التي ربما تكون نهاية سعيدة أو تراجيديا غير متوقعة ، كذلك مدة المباراة تكاد تكون قريبة جدا من مدة المسرحية وتقسيمها الفصلي فربما تمتد المباراة لأكثر من شوطين كما تمتد المسرحية من فصل إلى ثلاثة.
ويؤازر الحايك منتخب بلاده السعودي كما يتضامن مع الفرق العربية المشاركة في الكأس، و معجب بأداء اللاعبين السعودي نواف العابد و المصري محمد صلاح.
خطوط التماس تشبه إلى حد ما المحظورات التي لا يجوز للروائي اتباعها والحكم يمثل الرقيب
ويصف الجزائري إسماعيل يبرير الحائز على جائزة الطيب صالح للرواية العربية أن المستطيل الأخضر في لعبة العالم الشعبية يشبه غلاف الرواية التي لا تتجاوز خطوط التماس في إشارة إلى المحظورات، وتماما كما يلجأ الروائي إلى المرونة والنفس الهادئ في الكتابة يفعل اللاعب المتمرس والموّجه بانسيابية ومنطقية خالية من اللعب الخشن واقحام شخصيات أو عبارات منمقة لا داعٍ لها في سير العملية.
كذلك تجد في المباراة ما يشبه تقنية الاسترجاع "الفلاش باك " عبر إعادة الفرصة أو الهدف الجميل، أي أن تعيد أحداثاً بحد عينها أو تعيد قراءة جملة كان لها الوقع الخاص في نفسك، كما تخلق مواقف قدرية أحيانا دون تدخل من الأديب في سياقها وإنما هي مجرد قدر لا بد منه.
ويشجّع يبرير الفرق العربية المشاركة وبالأخص منتخبي المغرب وتونس ويعجبه أداء نعيم السليتي و كريم الأحمدي.
الملعب يحتاج إلى الكثير من الجلد تماما كما يفعل القصّاص
من جانبها، ترى التونسية وئام غداس الحائزة على جائزة الشارقة للإبداع في مجال القصة أن لعبة كرة القدم تتطلب جانبا كبيرا من الجلد والاحتمال وسرعة الخاطر والتلبية السريعة إلى جانب مستوى عالٍ من الإدراك لكافة احتمالات الكرة تماما كما يفعل القصّاصون، ويشبه انفلاتها أحياناً دون أن يكون على حساب المعني المرواغات الفردية للاعب المتقدم بكرته، كما تنحى في نهايتها إلى لحظة التنوير الكبرى كما تقوم بذلك المباراة بتتويج الفريق الافضل على أرضية الملعب.
والقصة تقوم بفنيتها الكبرى على حدث واحد، وأعني قربها من أجواء المباراة القائمة على حدث بحد ذاته، وفي الوقت ذاته تكرّس سيادة الشخصية مثلما تكرّس كرة القدم نجومية أحد اللاعبين ضمن المباراة .
وتساند غداس إلى جانب منتخب بلادها و الفرق العربية المشاركة في المونديال ، ويعجبها أداء اللاعب فخر الدين بن يوسف.
يقف اللاعب تحت منظار المدربين كما يشذب الناقد مسار الكاتب
وفي نفس الاتجاه، تجد الدكتورة ناهد راحيل والحائزة على جائزة الشارقة للنقد الأدبي، تماما كما يحتاج الأدب إلى أقلام النقاد ، أضحى لكرة القدم نقادها الذين أصبحوا جزءاً مهماً من اللعبة ودائماً تحت المنظار مثل اللاعبين، وتماما كما يلجأ الناقد إلى تفهم طبيعة الأديب والظروف المحيطة به التي تجعله على دراية بأفعاله وفق رؤية جلية، يتهجى مدرب الكرة هذا المسار لتقويم مسار اللاعبين ومعرفة مواقع الخلل كي يتداركها مستقبلا،
وتقف راحيل مع فريق بلادها المشارك للمرة الثالثة في المونديال وكلها أمل بإحراز اللاعبين لإنجازات استنائية وخاصة مع النجم المصري محمد صلاح .
الحالة الفردية لبعض اللاعبين تشبه إلى حد ما جو القصيدة الخاصة بالشاعر و أسلوبه المتفرد
ويقول الشاعر المغربي عبد الهادي الروضي إن كرة القدم عبر الاحتمالات الغير مرتقبة بالإضافة إلى حالة الخلق الفردية التي يمارسها اللاعبون في بعض أويقاتها، تشبه إلى حد ما حالة القصيدة والصدمة التي يتلقفها المتلقي في بعض الأبيات تماما كانتقالها المنساب من حالة الخاص إلى العام، وعلى الرغم من وجود المتفرجين خارج ارضية الملعب لكن يشاركون في اللعبة شأنهم شان اللاعبين، تماما كما تفعل القصيدة الماهرة بمشاركة القارئ ونقل الحالات الشعورية التي يسجلها وينظمها الشاعر عبر قصيدته.
ويضيف " قاموس الشاعر اللغوي من مفرداته وأسلوبه والمناخ العام المتبع في قصائده تتشابك مع أسلوب أداء الفريق وتكتيه في اللعب " ، ويساند الروضي فريق بلاده والمتأهل لخامس مرة إلى نهائيات كأس العالم، ويعجبه أداء كلا من اللاعبين المغربيين حكيم زياش وسفيان أمرابط.
تحوّلت المثل العليا من أعمدة الأدب إلى نجوم الكرة
وعلى النقيض، يرى عمر عناز أحد نجوم برنامج أمير الشعراء والحائز على جائزة دبي الثقافية في مجال الشعر أن كرة القدم أفرغت المجتمع من الوعي الثقافي والاجتماعي وتحوّلت مجالس الأدب إلى مقاهي كرة وأصوات تتعالى حول أقدام تتبادل وتتقاذف الكرة، وبالتالي تحولت المثل العليا والتي كان أعمدة الأدب قوامها إلى نجوم الرياضة والكرة للأجيال المعاصرة لهذه اللعبة، ويرى عناز على الرغم من جماهيرية الكرة وشعبيتها إلى أنه يفضل التفرغ لمشروعه الشعري وقضاء الوقت بين كتبه فشتان الفرق بين نشاط يمارسه العقل من نشاط تقوم به الأقدام.
وفي لقاء صحفي منشور بصحيفة السبق الإلكترونية في عددها الصادر بتاريخ 8 يونيو 2018، طالب الشاعر والإعلامي قبلان السويدي، الشعراء والمنشدين السعوديين، أن يقدموا أعمالاً وطنية تساند منتخب المملكة العربية السعودية في المونديال؛مؤكدا أن للشعر دوراً كبيراً في تهيئة المنتخب وتحفيزه، وعلى حسب قولة من المفترض أن يتم توجيه الشعراء وتحفيزهم لدعم المنتخب بقصائدهم ومشاركتهم في كأس العالم؛ من خلال الشعر والشيلات والأمسيات والمناسبات خلال الأيام المقبلة؛ خصوصاً في ظل إيجاد واستحداث وزارة الثقافة التي تلعب دوراً مهماً في إذابة الجليد الذي جمّد الساحة الشعرية وإيقاظ الشعراء من سباتهم؛ خصوصاً وأن الساحة الشعرية أصيبت بركود وخمول كبير في الآونة الأخيرة، ويجب أن يتم تغيير ذلك وفقاً لرؤية المملكة 2030، وتحقيق أهداف وتطلعات المملكة خلال الفترة المقبلة.