الخميس ٣٠ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم أحمد طالب

الأصول العربية لفن القصة القصيرة

تعد القصة القصيرة من الأجناس الأدبية التي تخضع للتغيير والتطوير والاستمرار. وعلى الرغم من كونها حديثة العهد، فقد يرى بعض الباحثين (1)، بأن جذورها، تمتدّ إلى تراثنا القصصي القديم، وبالخصوص، إلى عصر المقامة، لتشابههما من حيث الشكل، ولتقاربهما، في بعض الخصائص والملامح والتقنيات الفنية والجمالية.
ورث العرب تراثا أسطوريا خرافيا، فرضته حياة الصحراء الزاخرة، بأشكال التعبير، التي تُلائم الطبيعة القاسية المحدودة، في بداية الأمر. ولما اتسعت مجالات الحياة، انفتح العرب، على ألوان شتى من المعارف والتجارب الإنسانية، مما أفسح المجال لعالم الواقع، الممزوج بالخيال أحيانا، ذلك بالنسبة لعالم القص، إذ " أن حدود الواقع، لا يكفي لتفسير ما يجاوز أحداثه المنطقية، وعندئذ يأتي القص، ليصور هذا الشيء الغريب، الذي قد يبلغ في غرابته، حد الإبهار، بطريقة من التعليل المقنع."[ii]

ولعلنا، إذا رجعنا إلى القرن السادس الميلادي، نُدرك بأن الشعر، لم يكن يمثل " ثقافة العالم العربي كلها، فقد نما إلى جانبه أدب شفهي، كان يُساعده نمط الحياة، وإذا استندنا إلى الوقائع العصرية، وجدنا، بأن حفلات السمر، أسهمت، منذ ذلك العهد بالحكايات، التي كانت تُحكى، في إبقاء حماسة موروثة، القصص والأساطير."[iii] بالإضافة، إلى قصص القرآن الكريم، التي انبهر بها الإنسان العربي، وكان الغرض منها، الاعتبار والتقوى.[iv]
مما دفع الكثيرين، إلى القول، بنظرية انحدار القصص القصيرة، من أصلاب التراث العربي القديم، ولعل من بينه المقامات العربية، وقصص النوادر، وحكايات البخلاء.

وقد اعتبر "شكري محمد عياد"، الخبر عند "الجاحظ"، وما يطبعه من حوار الغني بالتفاصيل، صورة، وربما بشيء من التسامح، قصة قصيرة، و بعد "الجاحظ"، بنحو قرن من الزمان، " تكون الكتابة الفنية، قد استقلت عن التأليف الأدبي، ويظهر لون، من هذه الكتابة، يمكننا بغير حرج، أن نسميه قصة قصيرة، هذا اللون هو المقامة، التي أصلها " بديع الزمان الهمداني"، ثم جاء الحريري بعده، بنحو قرن آخر، فنسج على منواله، وإن لم يُبدع إبداعه." [v]

ونجد في الاتجاه نفسه، "عباس خضر"، الذي وقف عند هذا اللون القصصي، وهو المقامة، فشبهه بالقصة القصيرة، لأنه - فيما يرى- كان له "شأن مهم، في محاولة تطوير القصة العربية والعبور بها، إلى القصة الحديثة." [vi] ويضيف "يوسف الشاروني"، في المضمون نفسه، مكتشفا، بأن معظم قصص مجموعة "بوكاشيو"، من مصادر عربية، استلهمها الأديب، وألف على منوالها، بعد أن أخضع تجربته الجديدة للأسلوب الأوروبي، والإيطالي."[vii]

وعلى الرغم مما تحمله هذه الأفكار، من اعتزاز، وتنويه بتراثنا القصصي العربي الأصيل. فإنها تنطلق، من مجموعة من المسلمات، التي تحتاج إلى كثير من التأمل، والتمحيص والدقة، في تحديد المصطلح العلمي، للجنس الأدبي، الذي يتميز بخاصية ينفرد بها، عن بقية الأجناس الأدبية الأخرى.

إذ لا ننكر إطلاقا، اختلاف خصائصهما الأسلوبية، على الرغم، من كونهما نتاج مجالس وأندية ترفيهية. كما أنه لا يمكننا، أن نتجاهل أيضا، مدى الـتأثير والتأثر، بين مختلف الآداب العالمية، على الرغم من اختلاف الألسنة، وأساليب الواقع والحياة عامة. فلشدة اعتناء الأدباء والنقاد بها، إبداعا ونقدا، اكتسب هذا النمط الأدبي شهرة واسعة النطاق،لقدرته على طرح أعقد الرؤى، وأخصب القضايا، بفضل التركيز والتكثيف، في استخدام الدلالات اللغوية، المناسبة لطبيعة القص، وحركية السرد، ومستويات الحوار، ومظاهر الحقيقة والخيال، بالإضافة إلى التقنيات الفنية المتميزة، والمعطيات الجمالية المحكمة.

الهوامش :

[i] على سبيل المثال لا الحصر :

 شكري محمد عياد "القصة القصيرة في مصر " دار المعارف، القاهرة ،ط2، 1979 ص28.
 سهير القلماوي "القصة القصيرة " الهلال، القاهرة ، العدد 8،أغسطس1969،ص26.
 الطاهر أحمد مكي "القصة القصيرة " دار المعارف ،القاهرة،1977،ص34.
 صبري حافظ "الخصائص البنائية للأقصوصة " مجلة فصول ،القاهرة، م2 ع4 سبتمبر 1982، ص20.
 فؤاد دوارة "في القصة القصيرة "دار كتب الشرق الأوسط، القاهرة،1966،ص10-11.

 نبيلة إبراهيم "فن القص في النظرية و التطبيق" مكتبة غريب، القاهرة ، د.ت.ص 75.[ii]
[iii] رجيس بلاشير " تاريخ الأدب العربي" ترجمة :إبراهيم الكيلاني ، الدار التونسية ، تونس ،ج 2 ،1986 ، ص853.

[iv] المصدر نفسه، ص855.

[v] شكري محمد عياد " القصة القصيرة في مصر - دراسة في تأصيل فن أدبي " ص28.

[vi] عباس خضر " القصة القصيرة في مصر منذ نشأتها حتى 1930 " الدار القومية، القاهرة ، 1966، ص16.

[vii] يوسف الشاروني "القصة القصيرة في التراث العربي"مجلة الهلال، القاهرة، مايو، 1973، ص100.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى