الخميس ٢٣ أيار (مايو) ٢٠١٩
في الجامعة الأميركيّة في بيروت

التصوف والأخلاق في الإسلام

بلال اورفلي

عقد في 2 و3 من شهر أيّار-مايو مؤتمرًا في الجامعة الأميركية في بيروت تحت عنوان التصوف والأخلاق في الإسلام إحياءً لمئويّة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وتزامنًا مع إعلان دولة الإمارات هذا العام عامًا للتسامح. نظّم المؤتمر د. بلال الأرفه لي ود. رضوان السيّد ود. محمد رستم، ورعته كرسيّ الشيخ زايد في الجامعة الأميركيّة في بيروت.

أمّا فكرة المؤتمر فتنبع من أنّ هناك عددٌ لا بأس به من الدراسات التي تناولت أثر علم الأخلاق في الحضارتين الهلنيّة والهلنستية على الحضارة العربيّة-الإسلاميّة في العصر الوسيط، ولكنّ الدراسات التي تربط بين التصوّف وعلم الأخلاق في الإسلام ما زالت نادرةً رغم بداهة الموضوع والعلاقة المكينة بين المجالين. فقد قال إمام المذهب الجنيد: التصوفّ هو الخلق، من زاد عليك من الخلق زاد عليك من التصوّف. لكنّ هذا التحفّظ في الربط بين المجالين يؤدّي إلى أمرين اثنين كلاهما غايةٌ في الخطورة.

الأمر الأوّل، أنّ إهمال الرابط بين التصوّف والأخلاق يفضي إلى ترسيخ اعتقادٍ شائعٍ في الحقل مؤدّاه أنّ علم الأخلاق عند المسلمين قد نشأ وترعرع ورسخت أركانه في حضن الحضارة الإغريقيّة، وأنّ إنجازات الحضارة الإسلاميّة في مجال الأخلاق ظلّت تابعةً لإنجازات الحضارات الأخرى أو هي امتدادٌ لها.

أمّا الأمر الثاني فهو أنّ تغريب إسهامات المتصوّفة في علم الأخلاق قد يؤدّي مع مرور الوقت إلى ضياع المصطلح واللغة والاهتمامات الأخلاقيّة التي أغنت كتب التصوّف وممارسته على مرّ التاريخ، وينتج عن هذا تضييع الفرصة للاستفادة من التصوّف في إعادة بناء الدراسات الإسلاميّة بشكلٍ يحاكي هموم المجتمع الإسلاميّ الحديث وتطلّعاته.

وهذا المؤتمر على حدّ قول د. بلال الأرفه لي، أستاذ الأدب العربي في الجامعة الأميركية وأحد منظمي المؤتمر، "هو دعوةٌ إلى التفكير في علمي التصوّف والأخلاق وارتباطهما الوثيق على مرّ التاريخ، لا تمجيدًا للماضي، بل للكشف عن إنجازات الحضارة العربيّة الإسلاميّة بأعينٍ ناقدة ومقارنة، وهو دعوةٌ صريحة إلى التفكير في الماضي واستخلاص العبر منه لرسم حاضرٍ أكثر انفتاحًا وتسامحًا. الأخلاق والإسلام صنوان لا يفترقان. لقد قال الرسول الكريم: إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق. وقد اكتسب النبيّ أخلاقه ومكارمها من الدعوة القرآنيّة إليها، وإلى التخلّق بها؛ حتّى كان خلقه القرآن، وحتّى مدحه ربّه سبحانه بقوله: وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ."

وقد أوضح الدكتور رضوان السيّد أنّ هناك جيل جديد من الباحثين الشباب الذين يعملون بجدٍ على تحويل التصوّف إلى علم خاصّ ضمن منظومة الدراسات الإسلاميّة وقد أثمرت جهودهم إلى حدّ كبير في العقدين الفائتين.

وقد استجاب لدعوة تسليط الضوء على الأخلاق في الإسلام أكثر من ثلاثين باحثًا وباحثةً من خيرة العلماء في مجالي التصوّف والأخلاق من شتّى بقاع الأرض. وقد خصّص المؤتمر جلسات تعنى بترسيم حدود العلاقة بين التصوف والأخلاق، وثيمات من النواح إلى الحبّ، ومقاربات أدبيّة، والتصوف في الفترة التي سبقت الحداثة، والتصوّف في القرنين التاسع عشر والعشرين.

وقد صرّحت د. ناديا الشيخ، عميدة كليّة الآداب والعلوم في الجامعة الأميركيّة في بيروت، أنّ كرسيّ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للدراسات الإسلاميّة والعربيّة، الجهة الراعية للمؤتمر، قد بدأت بهبة قدّمها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في العام ١٩٧٢ إلى الجامعة الأميركيّة في بيروت لتأسيس كرسيّ للدراسات الإسلاميّة. وكان الغرض الأساس من الهبة هو زيادة الوعي وتعزيز فهم الشرق الأوسط الحديث والحضارة الإسلاميّة، وتشجيع الدراسة المستنيرة في المنطقة، وتسهيل المشاركة الفكريّة في المنطقة ولها. وقد كَبُرَت الهبة وكَبُر معها أثرها في الجامعة وأبعد منها.

بلال اورفلي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى