السبت ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٥
بقلم أحمد الخميسي

الثورة مع الاستعمار

قامت ثورات حركة التحرر الوطني في الخمسينات بمشاركة شعبية واسعة ضد الاستعمار من أجل التحرر والتنمية المستقلة والتصنيع والعدالة الاجتماعية، لكن الثورة اليوم أصبحت تقوم بتعاون نخب مثقفة مع الاستعمار ، لتجديد شكل الحكم السياسي بالتركيز على مطلب ديمقراطي معزول عن أي مضمون اجتماعي ، واستبقاء جوهر علاقات الحكم الاقتصادية الاستغلالية ، وتبعيته ، وتقييده بمزيد من الهيمنة الأمريكية . وبلغ الأمر بتلك النخب ( في حالة العراق ) إلي القول بأن هناك احتلالا ثوريا يحشد أساطيله وقنابله لمساعدة الشعوب على الترقي في عالم الحرية ! وقد بدأت الثورات الجديدة الملونة عام ألفين مع ظهور حركة "أوتبور " ( مقاومة ) الصربية التي أطاحت بحكم سلوبودان ميلوسوفيتش ! في ما عرف بالثورة المخملية ! وساعد نجاح تلك الحركة على دراسة ذلك النموذج ، فعكفت مؤسسة " ألبير اينشتاين " ، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على وضع نظرية جديدة للانقلابات السياسية " الناعمة " تقوم فيها منظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان بدور رئيسي بالاعتماد على وسائل غير عنيفة . وفي هذا الإطار تم بدعم من جورج سورس الذي شارك في إزالة الاتحاد السوفيتي إنشاء "مركز المقاومة غيرالعنيفة " في بلجراد لتدريب وتعليم الكوادر الشابة القيام بثورات مخملية ، وفي هذا المركز تلقى تدريبه السيد " ساكاشفيلي " الذي قاد ثورة جيورجيا الوردية عام 2003 بعد أن أسس حركة " كمارا " التي تعني باللغة الجيورجية " كفى " . وفي أكرانيا عام 2004 وقعت الثورة البرتقالية الموالية لأمريكا بعد تأسيس حركة " بورا " المدنية . ثم زحفت الثورات الملونة لتهدد قرغيزيا ، وإيران المهددة بثورة " خضراء "، وأوزبكستان ، ولبنان ، ومولدوفا حيث اتخذ! ت الجبهة الشعبية فيها اللون البرتقالي لونا لحملتها الانتخابية ، كما يجري الإعداد لثورات مشابهة في روسيا البيضاء ، وسوريا ، وغيرها . وقد اتضحت محاور وركائز نظرية " الثورة مع الاستعمار " في كونها : أولا ثورات سلمية ، تقوم على حركة منظمات مدنية تتلقى دعما من الخارج، وتعتمد سياسة الزعزعة الديمقراطية ، باللجوء إلي المظاهرات التي تنظمها النخبة المعزولة عن المشاركة الشعبية ، وصولا إلي العصيان المدني ، والإضرابات الواسعة النطاق ، وتعبئة الإعلام المحلي والدولي ، والاحتماء بالضغوط الدولية ، والتركيز في حركتها على مطلب تغيير شكل الحكم السياسي ، واستبقاء جوهر النظام من حيث طابعه الاقتصادي الاستغلالي ، وتبعيته لأمريكا . وبذلك كله تشكل الثورة المخملية متنفسا يقدم ما يبدو أنه حل للأزمة . وفي هذا الإطار أكدت المخابرات الروسية أن لديها معلومات قاطعة عن منظمة غربية أرسلت خمسة ملايين دولار لتمويل " ثورة مخملية " في روسيا البيضاء ، وأن المخابرات الأجنبية تنشط الآن في استخدام وسائل غير تقليدية ، بالاعتماد على تمويل قطاعات واسعة من النخب داخل البلدان ، وفي هذا الإطار وعد الاتحاد الأوروبي بدوره بتقديم دعم! مالي للمعارضة في روسيا البيضاء . وفي الوقت ذاته يكشف بيان للتحالف الديمقراطي السوري عن خطة أمريكية تعد لقيام " ثورة مخملية " في سوريا . وقد جاء في البيان الصادر عن التحالف في 31 أغسطس هذا العام أن رئيس التحالف فريد الغادري تلقى دعوة من مكتب الأمن القومي لدي البيت الأبيض الأمريكي للتباحث حول الوضع الراهن في سوريا ، وهو اللقاء الأول من نوعه ، وشارك في المباحثات من الجانب الأمريكي السيد مايكل دوران ، ودار النقاش حول حقوق الإنسان ، والقمع الذي يتعرض له السوريون ، وبرنامج حكم انتقالي . ( بالطبع لم يتناول الحديث شيئا من القمع الأمريكي للعراق ، أو فلسطين ، لأنها قضايا لا تندرج في جدول أعمال حقوق الإنسان ) . وطالب رئيس التحالف بضغوط دولية فورية لإطلاق سراح المعتقلين ، وطالب ( بالطبع ) بدعم مالي فوري أيضا ( لكي يتمكن بواسطته من تنوير وتحفيز الشعب الفقير ) . هكذا كانت الثورات تقوم فيما مضى بالاتفاق مع الشعب ضد الاستعمار ، وكان مصطفى كامل ومحمد فريد يتجهان إلي العواصم الأوروبية لفضح الاستعمار ، الآن أصبحت الثورات تقوم بالاتفاق مع الاستعمار ضد الشعب في واشنطن وغيرها من العواصم التي تمول وتد! فع وتحرك النخب المثقفة .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى