الأحد ١٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٠

الذات ...المتعة

أحمد بوستة

من المتعة انطلق، فاشرح اللحظة التي تنسج فيها هلامية تواجد الأنا الفردانية المتفردة في داخلها، المتوهمة بسمو تمظهرها، المنعزلة عن الأنا الأم، الأنا الجماعية.

أشتغل على اللحظة فأجد أن التمتع يشترط لذى القبيلة وجود ذات تقدم وجودها كطرف يقع عليه فعل المتعة.

من هنا لا يمكن حسب عقل القبيلة أن يقع التمتع في غياب فرجة على المتعة ذاتها. لا يمكن في عرف القناعات الجمعية الراهنة ان نعقد قران بين المتعة وذات المتعة، الا اذا اصبحت هذه الذات المتمتعة موضوع فرجة.

وقد تقترن المتعة عند الذات في غالبية الوضعيات بموجات ألم المتلقي-الجمهور، مع أن الألم ليس دائما الحد الفريد والأفرد للمعادلة:<<ذات المتعة الموضوع و ذات المتعة الجمهور، وانما قد تنفلت تعبيرات اخرى تضع الذات موضوع الفرجة موضع سؤال عن الماهية والكينونة، بله القيمة الوجودية لها.

قد يعتقد القارئ اني احوم حول موضوع تشتتت حبات عقده، أو موضوع تضببت طرق مقاربته، لكنه اذا ما حاول الامساك في غير مقاومة بتلوينات التيمات الاساس، وثبتها مع إمكانية التحول في موضعها العلائقي مع باقي التيمات، داخل الاطار الذي تسبح فيه، فان درجة التواصل بكل أبعاده ستعرف مدى توالديا بعيدا.

إن الذات في بعدها الفردي واحدا أوحدا، ويعتبر هذا الواحد في بعده الانساني، بوصفه واحدا أصغرا، ناقصا يحتاج للكمال. لذلك تجده يبحث عن تكميلاته عند باقي الآحاد المحيطة، الأمر الذي تعترضه مقاومة من قبل فردانية الذات وفردانية الأغيار.

لا يتحكم الفرد في توجيه المقاومة ضد التكامل، لذا فان الواحد-الذات يقتنع بكونه دائرة مغلقة ذاتية التكامل. وهو ما يؤدي الى توتر علاقات الآحاد، ويضخم من أنا الذات، ويعمق المسافة مع الأغيار.

لو ان الواحد الأصغر نسج علاقة تكامل وحيدة الاتجاه باعتباره الجزء المتضَمَّن مع الواحد الأكبر باعتباره الكل المتضمِّن، لتحولت دائرته من شكلها الدائري المغلق المألوف لتصبح دائرة منفتحة، تستقي تمددها من الواحد الأكبر، الذي لا تحده الأبعاد، ولا تميزه الفضاءات.
لكن، عندما تتحول الذات لاتا، والأنا الفردية عزى، وتصبح الاها مصنعا، ينخفض مؤشر العمق المنطقي التحليلي إلى أقل من أدنى مستوياته.

لقد سمح الفضاء الأزرق لذوات أن تشبع حاجاتها نحو التقدير بشكل مقلوب وسطحي، بالتالي ان تسمح لنفسها بأن تتحول الى موضوع فرجة، مما أدى بها الى التعبير بوساطة الأقنعة المباشرة عن نرجسية تكرس للذات تفوقها الإجتماعي الإقتصادي، فسقط الفرد في دوامة التمظهر والتشكل بغية رسم هالة الامتياز الزئبقية حول ذاته، فتنصهر الحدود بين الشخصي والعام ويعتقد أن ذاته كل والذوات الأخرى أجزاء. وتستغرب الدارجة المغربية تقول معبرة عن نشاز الموقف:«عالاااااااااااااااااااام»

يعتقد المنطوق والعمق المستور في تناغم الكل المنغوم، ان انصهار الذات المتعة في الذات الفرجة، مؤشر على عدم نضج الكائن في سيرورة إحساسه بالتمتع، مع وجود إمكانية أن تنصهر الذات موضوع الفرجة في ذات المتلقي، فيرتفع في داخلها مؤشر الزهو كونها ذات للفرجة، وهذا ما يؤكد لي أن مؤشر النضج عند هذه الذات ينحو نحو الانحدار.

للنضج علامات، أقواها نزعة العزلة.

اعتبارا لصدق القول، يحق لي أن اطرح الاسئلة التالية:

هل يستبطن الإنسان مفهوم العزلة عن محيطه انطلاقا من مرجعياته؟ هل يمكنه السمو في عزلته والسفر بتأملاته من المحيط إلى العالم، إلى الكون؟ أم انه يبقى حبيسا في بوتقة الحاجات الفزيولوجية ليس إلا... هل تتغير الرؤية لدى المعتزل؟ كيف ينظر إلى العالم؟ هل الإعتزال نتاج لتراكم خبرات وتجارب الشخص؟

توحدت صفات المعتزلين والمتفردين والآحاد في كونهم كائنات بلغت من النضج ما لم يبلغه من يطوف في دوامة حركة مجتمعية، تؤسس لها يوما عن يوم ملامح تنطلق من اسطح الأشياء لا من أعماقها، لذلك نجد النزعة تنحو نحو ثقافة الفلكرة والاستعراض والتشكل المدمر للعمق والكينونة والاستمرارية.

ولعلي أجد العذر لكثير من المثقفين والفاعلين لانعزالهم داخل بوتقة الواحد عوض الجماعة. ذلك أن الجماعة أجمعت على أن لا تجتمع إلا على نبذ العمق واستئصال الكنه وتدمير الذات. فهل يمكن ان نطمئن لهذه الجماعة على أنها جماعة «ما اجتمعت أمتي على ضلال»؟
لقد اختلطت آثار الذئب وآثار الحصان كما يقال، فاحتل مكان الشيء نقيضه، وانقلبت الأمور على رؤوسها والجواهر إلى القشور، والحقيقة إلى النقيض.

ما العمل إذن في بيئة تعلي من شأن جهّالها وتطمس رؤوس مثقفيها وعلمائها في التراب، بدافع عرقي أو ديني أو حزبي، قبائلي أو عشائري، أو بدافع الاختلاف في الرأي...؟

تلك عزلة تنفي صاحبها طوعا بين فكي الكاس والسيجارة، في مقهى «أدبي؟!!!»، ليشتعل الفكر نقدا دوّارا حول الوضع والفرجة، وتتمتع الذات المنعزلة العارفة بطي الكلمات المتقاطعة وصهرها في سحابة السيجارة الملتهبة.

اختلافا عن ذلك، أرى بأن العزلة لا تعني دائما عدم القدرة على الفعل، بل هي التأمل والسباحة في هلاميات الفكر الإيجابي بدون قيد أو حدود.

أن تتأمل معناه أن يفسح لك المجال لأن تنظر من زوايا غير تقليدية، فتتحول الأنا الفردانية لتشغل الحيز الأكبر من فكر وبصيرة الأنا الجماعية ...لتبقى هذا الأخيرة تتدافع مكوناتها من أجل إنتاج المصلحة العليا للجماعة.

أحمد بوستة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى