الخميس ١٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٨
بقلم حسن عبادي

العلم في الصغر كالنقش في الحجر

للمطالعة لدى الأطفال أهمية كبيرة في عصرنا هذا حيث أنها تزيد نسبة ذكائهم، تحسّن ثروتهم اللغوية، تطوّر مهاراتهم، تبعدهم عن وسائل التكنولوجيا الحديثة كالفيس بوك، الهاتف النقال، الآيباد والتلفزيون وتقوّي العلاقة العائلية والتواصل بين الأبناء والأهل، وهي عادةٌ تُكتَسبُ منذ الصغرِ وتشكّلُ جزءاً من ثقافةِ الشعوبِ. يجب الاهتمامِ بالطفلِ والطفولةِ، فالطفل يحتاجُ إلى الكتابِ منذ صغره، قبلَ تعلمِهِ القراءةَ والكتابة.

قرأتُ سلسة "قَوْسُ قُزَح" للكاتبة نبيهة راشد جبارين، من مواليد قرية زلفة المثلّثيّة، الصّادرة عن "مكتبة كل شيء" الحيفاويّة وهي عبارة عن 5 قصص للأطفال (سنّ 3-8): قَوْسُ قُزَح، عيدُ ميلادِ الغَيمات، الحلَزون بلّوط، الشِّتاءُ والفِطْرُ الأحْمَق ورافقتها رسومات رسّام الأطفال العراقي رعد عبد الواحد وهو رسام موسوعي متخصّص في رسم القصص وأغلفة الكتب.

نبيهة كاتبة متميّزة تكتب الشعر ومن دواوينها: أنشودة الصّباح، أغاني أولادنا انتماء لبلادنا، عيون القدس وغيرها وكذلك الخاطرة والقصّة القصيرة والمقالة وقصص الأطفال ومنها: مخالب القطّة، حلزون بلزون، المهندسة الصغيرة يارا، البحر الأحمر وغيرها.

وجدت قصصِ الكاتبة نبيهة جبارين تحملُ رسالةً واضحةً غايتُها تربيةُ الطفلِ، تحسيسُ الطفل بعالمِه وبشخصيّتِه مراعيةً عمره الزمني وقدراتِهِ العقليّةِ.

نجحَت نبيهة في قصصها بتوظيفِ رسوماتِ رسّام الأطفال رعد عبد الواحد لنقلِ الرسالةِ للطفلِ، فساعدت على فهم النص. يهتمُ الطفلُ في مراحلِه الأولى بالصورةِ وتجذبه، حيث تنقلُ له الرسالةَ منذ الوهلةِ الأولى ويذوّتها.

استعملَت نبيهة لغةً بسيطةً، عربيّةً فُصحى، والتزمت بها ليفهمها الطفل، بعكس بعض كتاب القصة الذين يكتبوها باللغة العاميّة المحكيّة مما يشكّل جريمة نكراء بحق أطفالنا ولغتنا، مستعينة بصوت الرسومات لتخدم اللغة.

في قصة "قوس قزح" تحاول نبيهة تنمية التفكير، الابداع والتخييل عند الأطفال، فعندما شاهدوا قوس قزح قال أحمد:"يا أصحاب، ما هذا الرسم الخلّاب؟ قال أوس: هذا عرسٌ عند الشمس والغيمات... قالت هند: هذا وردٌ يسقط من بين النجمات" وكانت الفرصة مواتية لتعلّمهم المعلّمة سبعة الألوان التي تركّب قوس قزح ليتساءل الطفل خليل ببراءة الأطفال: "يا معلمتي أسماء! نحن نرسمه بألوان الماءِ فبِما رسموه في السماء..!؟"

في قصة "عيدُ ميلادِ الغَيمات" تحاول نبيهة جبارين أنسنة المطر، مستعينة بشغف الأطفال بحيواناتهم لتخيّل الغيمات، كلّ وحيوانه – الفيل، الأرنب، العصفور، البطريق، السمك، الخراف، الحمام والجمل ، وتصوّر هطول المطر كحفلة عيد ميلاد : "فجأةً...! رعَد رعدٌ... قال سعدٌ: انظروا إلى رقصة الغيمات واسمعوا الضحك والأغنيات. برَقَ برقٌ... قالت شوقٌ: وها هي الغيمات قد أشعلت شمعات... وقالت حوريّة: بل هذه ألعاب ناريّة... تحلّق الأولاد والبنات ورقصوا لعيد ميلاد الغيمات... ونزلت أمطار فابتلّ الصغار... فرحوا... ركضوا... أسرعوا... واختبأوا في داخل الدار".

في قصة "الحلَزون بلّوط" نجدها تأخذ الأطفال جولة لتعرّفهم على الطبيعة والحلزون، أما في قصّة "الشتاء" فتحاول نبيهة تقريب الأطفال للمطر:" هبت رياح/ رقصت أشجار... ظهرت غيوم، نزلت أمطار... ركض الأولاد، غنّت البنات... شتّي شتّي، وزخّي يا غيمات... شتّي وبللينا ونتراشق بإيدينا... نلعب ونمرح ونشعر بالفرح".

في قصة "الفِطْرُ الأحْمَق" تنبّه نبيهة الأطفال لأهمية اللباس والعناية :"البرد شديد والغيم يطوف، لبست الكفوف وجارزة الصوف، والقبّعة الجديدة والسروال الطويل، ولفحتي السميكة ومعطفي الجميل، مشيت بطيئًا بجانب الطريق وكنت أقلّد مشية البطريق".

تتناول نبيهة في قصصها الطبيعة والحياة، حبّ الحيوان والرفق به، العلاقة النديّة البريئة بين الجنسين وتقريبهما من بعضهم البعض متساويين، السماء والأرض وما بينهما، المحبة والتآخي... وحبّ الطفولة، بعيدة عن الترهيب والتخويف.

أسلوبها سلس ومشوّق وانسيابي بلغة بسيطة بعيدة عن المبالغة والتعقيدات الموضوعية واللغوية، بعيدة عن الرمزيّة مما لا يضطر الطفل فكّ رموزها، مما يحبّب الطفل بلغته العربيّة ويقرّبه منها وإليها.

يعتبر كامل الكيلاني رائد أدب الأطفال ضمن الأدب العربي الحديث، وفي السنين الأخيرة نما وتطور هذا النوع من الأدب في العالم العربي ومحليّا وتنوّعت مواضيعه لتتماشى مع تطورات العصر وتواكبه، فبدأ يتناول الخيال العلمي والشبكة العنكبوتية وغيرها بعيدًا عن المواضيع النمطيّة التقليدية مما يوسع خيال وآفاق الطفل ويساعد في صقل شخصيته.

مما يلفت الانتباه اهتمام نبيهة جبارين بالرسومات الجميلة المرافقة لكتبها ونصوصها، وكذلك صور الأغلفة، حيث أن هذه الرسومات تمكن الطفل من فهم الأحداث وتسلسلها وتذويتها حتى لو أنه لا يعرف القراءة، وهذه الرسومات تبعث الروح في النصوص وتثريها وليست رسومات عشوائية مُغَوغَلَة كما نرى، وللأسف، عند أغلب كتابنا المحليين.

أثبتت الأبحاث أن القراءة اليومية للطفل تخلق علاقة متينة بالأهل، ففترة القراءة تجمعه بوالديه بهدوء وحميميّة ليصبح الأمر عادة وتقليدًا، تساعده على الانضباط والتركيز، فالقراءة تؤدي إلى تركيز انتباهه مما يشكّل عنده انضباطا ذاتيا، تمكّنه من اللغة وتحضّره لمواجهة المدرسة، تُكسبه القدرات للتفوّق العلمي لاحقًا، تزوّده بأسس المنطق والتفكير، فمن خلال القراءة يكتسب الطفل استيعاب المفاهيم ليصل إلى النتيجة الحتمية بأن التصرفات السيئة غير مقبولة، تُنمّي المهارات الاتصاليّة فيكسب الطفل القدرة على التعبير والتواصل مع الآخر من خلال ملاحظته للتفاعل بين "أبطال" القصة ومناقشة موضوعها مع الأهل ويعرف كيف يسأل وبجرأة وتكسبه أسس تقبّل الغير وتجاربه فتنمّي قابليته لمواجهة تغيّرات حياتية يومية، زيادة على المعرفة المعلوماتية والثقافية، فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر... وتصبح تلك الأمور نمط حياة.

إنَّ أدبَ الأطفالِ رسالةٌ، فالقصصُ تعلّمُ الطفلَ فنَّ الاصغاءِ والتركيزِ والتعرُّفِ بلغةِ الأمِّ وجزءٍ من هُويّتِه وشخصيّتِه وبطاقةٍ لدخولِه عالمِ التفوّقِ والتميُّزِ.

اجعل طفلك/حفيدك يقرأ!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى