العنف الموجة للأسرة
أن أكثر أشكال العنف شيوعًا في المجتمع المصري هي العنف الموجه من الآباء والأمهات داخل الأسرة إلى أبنائهم، وذلك من منطلق مفاهيم خاطئة عن التربية وطرق تقويم السلوك السلبي لدى الأطفال، والشكل الثاني للعنف الأكثر شيوعًا في مصر هو العنف داخل المؤسسات التعليمية.
تمثل الأسرة للإنسان المأوى الدافئ، والملجأ الآمن. والعلاقة الطبيعية المفترضة بين أركان هذه الأسرة (الزوج والزوجة والأولاد) هي الحب والمودة. وتقع مسؤولية ذلك بالدرجة الأولى على المرأة بحكم التركيبة العاطفية التي خلقها الله تعالى عليها.
ولكي تتمكن الزوجة من القيام بهذا فهي تتوقع من الزوج التعاون والتقدير بالإضافة للعطاء والاحترام المتبادل. ولكن في بعض الأحيان قد تتحول الأسرة إلى حلبة صراع حيث يلجأ أحد أفراد الأسرة إلى استخدام القوة المادية والمعنوية استخداماً غير مشروع لإلحاق الأذى ضد أفراد آخرين من هذه الأسرة.
وتُبين جميع الدراسات التي تجريها الدول العربية على ظاهرة العنف الأسري في مجتمعاتها أن الزوجة هي الضحية الأولى وأن الزوج هو المعتدي الأول مما يجعله قضية حساسة كونه أمر عائلي بين الزوج والزوجة.
ويأتي بعد الزوجة في الترتيب الأبناء والبنات كضحايا للعنف الأسري. ووفقاً للإحصائيات فإن ما لا يقل عن 30٪ من النساء في مصر يعانون من ممارسة العنف الأسري ضدهن ويشمل ذلك الضرب، الإهانة، الإيذاء النفسي. وغالباً النسبة الحقيقية أعلى من ذلك بكثير ولكن غالبية النساء لا يعترفن بتعرضهن للعنف الأسري بسبب الخجل أو الخوف أو حرصهن على الأبناء والكيان الأسري مما يجعلهن غير قادرات على طلب المساعدة أو الطلاق بسبب ما يتعرضن له.
أسباب العنف الأسري:
ظروف المعيشة الصعبة كالفقر والبطالة والضغط النفسي والإحباط المتولد من طبيعة الحياة العصرية اليومية. سوء التربية والنشأة في بيئة عنيفة في تعاملها فالأفراد الذين يكونون ضحية للعنف في صغرهم، يُمارسونه على أفراد أسرهم في المستقبل فالعنف سلوكٌ مكتسبٌ يتعلمه الفرد خلال نشأته.
تعاطي الزوج للكحول والمخدرات.
اضطراب العلاقة بين الزوجين نتيجة ضعف الوازع الديني والأخلاقي وعدم الانسجام بين الزوجين في مختلف جوانب الحياة التربوية والتعليمية والاجتماعية والفكرية والبيئية مما يؤدي لغياب ثقافة الحوار والتشاور داخل الأسرة.
الفهم الخاطئ للدين والعادات والتقاليد التي تركز على قيادة الرجل لأسرته بالعنف والقوة. آثار العنف الأسري:
المرأة التي تتعرض للعنف تفقد الإحساس بالأمن والكرامة وتقدير الذات، وهذا ليس قاصراً على العنف الجسدي فالعنف النفسي أسوأ كثيرا من العنف الجسدي كما ذكرت النساء اللاتي تعرضن للعنف.
ولا تقتصر آثار العنف على الزوجة التي تتعرض له ولكنه يمتد ليشمل الأبناء. فالعنف الأسري ينتج جيلاً يعاني من الأمراض النفسية كالاكتئاب والقلق والانطواء وعدم الثقة في النفس وغيرها من المشاكل التي تؤدي في أغلب الأحيان إلى محاولات الانتحار، بالإضافة إلى تدني القدرات الذهنية واضطراب المستوى التعليمي للطفل وعدم قدرته على التواصل مع الآخرين. كما أن الشخص ضحية العنف (الزوجة والأبناء)
قد يعاني من العقد النفسية التي قد تتطور وتتفاقم إلى سلوكيات عدائية أو إجرامية كما قد يمارس أيضاً العنف الذي مورس في حقه مما يؤدي لاستمرار الظاهرة. وقد ينتج عن العنف الأسري تفكك الروابط الأسرية وانعدام الثقة بين أفراد الأسرة وتلاشي الإحساس بالأمان.
ولأن الأسرة هي أساس المجتمع ومصدر قوته فالعنف الأسري يهدد كيان المجتمع بأسره وهو أكثر تأثيراً على المجتمعات من الحروب والأوبئة الصحية لأنه ينخر في أساس المجتمع فيهده أو يضعفه.
علاج العنف الأسري:
الوقاية من العنف الأسري عن طريق نشر الوعي بين أفراد المجتمع حول مدى انتشاره ودوافعه وسبل التعامل مع مرتكبيه وكيفية تحكم الفرد في تصرفاته العنيفة وكيفية تجنب المواقف الصعبة بطريقة سليمة بالإضافة إلى تعريف النساء بحقوقهن وكيفية اللجوء إلى الحماية إذا تعرضن لأي عنف أسري.
كما يجب العمل على تصحيح العادات والتقاليد والفهم الخاطئ للدين من خلال التركيز على دعوة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الأزواج إلى حسن عشرة زوجاتهم، وأنه لا ينبغي للزوج أن يكره زوجته لأمرٍ صدر منها، بل عليه أن ينظر في صفاتها الجميلة التي ربما تكون أكثر بكثير مما يكره منها كما أوصى بعدم الغضب ونهى عن السباب واللعن وبذاءة اللسان وكان مثالًا للرفق واللين بعيدًا كل البعد عن العنف والشدة مع زوجاته.
أما بالنسبة للنساء ضحايا العنف فينبغي الوقوف بجانبهن ودعمهن لمنحهن الثقة بالنفس والشعور بالقوة والقدرة على التفكير بطريقة صحيحة وإيجابية في مشاكلهن. كما يجب العمل على إنشاء مؤسسة متخصصة لرعاية الزوجات ضحايا العنف يتوفر بها الإخصائيون الاجتماعيون والنفسيون وتقوم بدور الوسيط بين الزوجة والزوج لإيجاد الحل الملائم لكل حالة على حدة. (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) الأنعام/151، (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) الإسراء/31؟
الإملاق هو الفقر ، وقد كان من عادة أهل الجاهلية أنهم يئدون بناتهم إما لوجود الفقر ، أو خشية وقوعه في المستقبل ، فنهاهم الله تعالى عن الأمرين، فالآية الأولى ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) الأنعام /151، واردة على السبب الأول، أي : لا تقتلوا أولادكم لفقركم الحاصل فإن الله متكفل برزقكم ورزقهم ، والآية الثانية: ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ) الإسراء/31 ، واردة على السبب الثاني، أي: لا تقتلوا أولادكم خشية أن تفتقروا أو يفتقروا بعدكم ، فإن الله يرزقهم ويرزقكم.
قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله تعالى: (من إملاق) قال ابن عباس: هو الفقر، أي: لا تقتلوهم من فقركم الحاصل. وقال في سورة الإسراء: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) أي: لا تقتلوهم خوفاً من الفقر في الأجل (يعني في المستقبل)، ولهذا قال هناك: (نحن نرزقهم وإياكم) فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله، وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلاً قال: (نحن نرزقكم وإياهم)
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) ويعني بقوله (خَشْيَةَ إمْلاقٍ) خوف إقتار وفقر، وقد بيَّنا ذلك بشواهده فيما مضى، وذكرنا الرواية فيه، وإنما قال جلّ ثناؤه ذلك للعرب، لأنهم كانوا يقتلون الإناث من أولادهم خوف العيلة على أنفسهم بالإنفاق عليهن. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ): أي خشية الفاقة، وقد كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفاقة، فوعظهم الله في ذلك، وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم على الله، فقال (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا).
ولذلك دما مجلسي الامومة والطفولة والمرأة بمشروع قانون يتضمن على ان يعاقب “يعاقب أي شخص في الأسرة يرتكب أفعالا وسلوكيات يترتب عليها أذى جسدي أو نفسي أو معاناة بالحبس مدة لا تقل عن عام". ليس هذا وحسب، بل إن القانون سيعاقب بالسجن أيضا من يزوّج الفتاة دون إذنها أو يرغمها بالإكراه على الزواج من شاب لا تريده، وستكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة مالية تبدأ من 10 آلاف جنيه.
حدد مشروع القانون تعريف العنف ضد المرأة على أنه “أي فعل أو سلوك يترتب عليه أذى، أو معاناة مادية أو معنوية للمرأة، أو الحط من كرامتها، بما في ذلك التهديد أو القسر أو مواقعة الأنثى دون رضاها، والاعتداء الجنسي،
وهتك العرض والتحرش والحرمان من الميراث". ويتضمن القانون كذلك، عقاب كل من ارتكب عنفا ضد المرأة، بهدف الحرمان التعسفي من ممارستها للحقوق العامة أو الخاصة، بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، وكل من زوّج أنثى قبل بلوغها السن القانونية (18عاما) أو اشترك في ذلك، سيعاقب بالسجن.
أن العنف الأسري ضد النساء لن ينتهي بالقانون فقط، لكن بمدى تجاوب المرأة مع تطبيق نصوصه، لأن المرأة في المحافظات الريفية والمناطق الشعبية تتعرض لإيذاء بدني شديد، ومع ذلك فإنها تختار الصمت حفاظا على الاستقرار الأسري، فضلا عن أنها لا تعرف أصلا حقوقها ضد من يتعرض لها بالعنف من باقي الأسرة.