الخميس ٢٤ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

القلب الدامي والنور«2»

.. وأنت ترمي ببصرك عبر هذه الفيافي، وهذه الأودية الفكرية ذات التضاريس، تتراءى لك مقولة: (إنهم شعب الله المختار) - وإنهم حقاً لشعب الله المختار-! تتراءى لك وكأنها المفهوم الآحادي والحادي إلى الاستعلاء والاستكبار، وإلى- وهذا هو الأهم- قتل الأطفال الأبرياء ذوي القلوب الطيبة الطاهرة البيضاء، هذه القلوب التي لا مجال إلى النور إلا أن يسكن إليها وفيها، إلا أنها- أي المقولة- ومن زاوية انطلاق المفهوم المتشبع بلون الحقيقة الأوحد- الدلالة على أنه (الاختيار) الإلهي المضاد تماماً للأول- حسب زعمهم- بعد الفشل الذريع، والسقوط الأخلاقي المريع، للقيام بدور الفتك والهتك والحجب لهذا (النور) وإن صدر وشعّ من قلوب وأفواه الأنبياء، أولئك الأنبياء الذين عُذِّبوا وأُرهقوا وشِّرِدوا وقُتِّلوا من قِبَلِهم، الأمر الذي أشار إليه الخالق الحكيم في كتابه الكريم: (.. قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ) (البقرة-91)، وقوله- سبحانه وتعالى-: (..كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ)..

فكما أن هنالك في الطبيعة ليلاً ونهاراً- دائما التعاقب- فكذلك في هذه القلوب ليل ونهار- دائمي التعاقب- وما الأنبياء إلا الجانب المنير الثابت للقلب كله- بشقيه- هذا الذي كان بادياً كالقمر ليلة اكتماله- والذي تمثل- فيما بعد- في أبهى وأروع تمامه في سيدنا (عيسى) – عليه السلام- والذي شُبِّه لهم كي لا يقتلوه- أي يطفئوه-!! ارتفاعاً بحقيقته الملائكية النورية، مع ابقاء البيت الترابي (الطيني) لهم فقط! ظلموا أنفسهم وتمادوا في غرورهم، فكان لابد بعد كل تلك وهذه المآخذ التكريمية، وعدم الإيمان بكل هذه الآيات التي طُرِحَتْ، من عمل هذا (الاختيار) الآني، سيراً حثيثاً نحو أداء المهمة القادمة في هذه (الآن) والتي من أجلها تم هذا التحول المضاد ليكون هو الكيد في النحور والاستدراج المستور والإحاقة بالسوء- أي الحبس في ذلك الجانب (الغربي) المظلم من القلب، وإلى أن يتحول النور الملائكي من أولى القبلتين إلى ثانيها، فكانت (مكة) هي مركز هذا العالم- أي سُرَته- و(القدس) قلبه!! وأن يكون الجانب (الشرقي) من هذا القلب- المظلم الآن نتيجة لما يجري فيه من فساد- لسكون واتقاد هذا القبس بل ولبقعة النور في آخر النفق في هذه القلوب الطاهرة النظيفة البكرة، هذا النور الذي يخافه ويهابه بل ويكرهه الطرف الآخر، هؤلاء (الصهاينة) فهو يعلمون حق العلم بأنه يسكن- فطرياً- في قلوب (الأطفال)، هؤلاء الأطفال الذين سلاحهم (النبلة) و(الحجر) (وما أدراك ما الحجر الذي يرمى به في الجمرات)، الأمر الذي سبق أن خافه وهابه وكرهه (فرعون) المستكبر وهو يحتضن (موسى) ويأويه في داره وهو لا يدري بأن الأيام حبلى بمن سيقتلع من يأتي بعده من "فراعنة" !! وقد كان.. !! وعلى مدار الدول التي تحكم بواسطة الطواغيت!!
و(يأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (آل عمران- 71).. لأن بعض (الكبار) قد غشيت قلوبهم قطع من الليل مظلمة، لا يستطيعون معها ولن يستطيعوا التغلب على قهر هذا الليل الطويل الحالك الجاثم ولا تبديده!! فالفجر الطالع- بإذن الله- لا تمثله سوى الطفولة!! هذه الطفولة التي تقتل اليوم بواسطة الصواريخ وهي تلعب كرة القدم أمام فناء الدار!!

عندما جاء سيدنا عمر- رضيَّ الله عنه- لفتح بيت المقدس جاء راجلاً وغلامه راكباً، جاء (العدل) ماشياً، نوراً مُسْتَمَداً وليس ناراً، ليتم تسليمه مفاتيح المدينة الأزلية، بعد أن تم التنوير التام للقلب بشقيه ليعود كما كان أزلاً، ردفاً لكل هذه التؤدة التأصيلية المباركة سلفاً، الأمر الذي كان يعلمه- والذي ما زال في الذاكرة- أولئك (الأحبار) وبأنه عين الأمر المكتوب في كتبهم تأكيداً ووعداً غير كذوب!!

وكما سنبين في سانحة (قدسية) أخرى- إن شاء الله- نشير- وفي إيجاز- إلى أن هذا العالم بأسره هو عبارة عن كائن كلي حي، له كل ما لهذا الكائن الجزئي المسمى بـ(الإنسان) من أعضاء ظاهرة وباطنة، وما مدينة (القدس) إلا القلب من هذا الجسد الكلي، يمثل جانبها الشرقي- أي اليمين- جانب (النور)- أي الخير- وما يندرج تحته من صفات محمودة، ويمثل جانبها الغربي- أي الشمال- جانب (الظلمة)- أي الشر– وما يندرج تحته من صفات مذمومة، تماماً مثلما هي تقسيمات هذه المضغة اللحمية المسماة بـ(القلب) داخل صدورنا هذي النابضة بالخير والشر الحاوية لاصبعيْ الرحمن!! وطالما أن الخالق أمرنا نحن كأفراد بتزكيتها قائلاً: "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا.." كذلك الأمر- ومن باب أولى- منوط بهذا الكائن الكلي الحي!! أي كل العالم!!

ولئن يطلب الإنسان من الآخرين أن يعيروه أفهامهم- في هذا الزمن الذي لا نحسن فيه الاصغاء إنما الادعاء- فلا شك أن الأمر أكبر من كلمة تقال من على منبر، أو من مقالٍ ينشر في صحيفة، فالمضاهاة العجيبة، والموازنة الدقيقة المدهشة لما بين هذين القلبين وما يجري فيهما من صراع- هو من جانبه المادي المحسوس نراه مجسداً فيما يجري (الآن) داخل هذه المدينة المقدسة، ومن جانبه المعنوي ما نراه يعتمل (اليوم)- واليوم في مفهومنا الإيماني مجرد (آن)- داخل هذا القلب من صراع بين هذا الخير وذاك الشر- لشأن في أمس الحاجة من كل المسلمين ومن كل المؤمنين إلى تهويمة فكرية صافية ودعوة لتأمل ذاتي، علنا ننزع عن كواهلنا هذا الغطاء البالي المتوارث عبر دهور الهجر الطويلة لكتابنا العظيم وضياع مفاهيمه الكامنة خلف سطوره، بالرغم من أن عالم الحس المعتم هذا هو الشارح لهذا الآخر في صورته التي نحاول إخراجها وابرازها للعيان، بمعنى أن كل المعنويات لا يبرزها أو يشرحها إلا هذا الواقع وأحداثه الجارية- كبيرة كانت أم صغيرة، عميقة كانت ام سطحية-!! وما (فلسطين) إلا حدث العالم الأول والأكبر والأخير الجاري اليوم!!

فحقيقة هذا الصراع الذي يدور- اليوم- أينما توجهنا- هو في الواقع صراع ما بين (الاسلام) و(الصهيونية السياسية) وأن المراد من اشعال كل هذه الحرائق والمجاذر والانتهاكات هو المحاولة اليائسة لإطفاء نور الله، هذا النور الذي انبعث من (مكة) وحط عنصره الإلهي- من قبل الايجاد- في قلوب هؤلاء الأطفال المسلمين في مدينة (القدس) وما جاورها وأينما كانوا، بميلاد سيد البشر سيدنا محمد بن عبدالله- صلى الله عليه وسلم- والذي رسم بالتالي إلى (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) حساً من (مكة المكرمة)، وانتهاءاً إلى الجانب الشرقي فقط من مدينة (القدس)- زهرة المدائن- في اشارة لطيفة إلى أن ذلك النور الذي سبق أن أبغضوه وحاولوا اطفاءه عاد مرة أخرى إلى هذه المدينة التي أسرى الله بنبيه (محمد) - خاتم النبيين- إليها وعرج به منها إليه- سبحانه وتعالى- بعد أن صلى فيها اماماً بجميع الأنبياء المطهرين والقمر في أبهى حلله وأجمل صوره!!

نعم، (الشيطان) اليوم طاغ، لا شك في ذلك، وهو بطبعه لا يحب النور، فإن احتجب النور عن قلوب بعض هؤلاء الكبار الذين اسودت قلوبهم وحل بها الخبث والران والجهل والخوف وعمالة الدولار- سواء كان بالبيع أو الشراء أو التهديد- وأصبحوا غير قادرين على مواجهة إسرائيل في كل الجبهات، فالأمل لا يزال معقوداً، والرجاء في الله-القائل باتمام نوره ولو كره الكافرون والمشركون- لا يزال موصولاً، وبأن من (الحجارة) لما يهبط من عدل الله على كل ظالم متكبر جبار، وأنها هي التي ستنطق غداً حينما يكف (الحديد) عن اللعلعة والزمجرة، وبأنها التي ستنادي قريباً: (يا مسلم، يا عبدالله، ها هنا يهودي تعال فاقتله)، وارهاصات العصر والتاريخ كلها تقف اليوم دليلاً وشاهداً على ان القدس ستسلم كما سلمت لسيدنا عمر بالنور وليس بالنار!! إن شاء الله. فمهمة البشر تنتهي بتقديم المال والدم والولد، وذلك هو محمد الدرة وأترابه أينما وجدوا قد أومضوا البرق إيذاناً بهطول وابل الغضب (الآخر) على المغتصب الظالم الغاشم الغَرور نتيجة ما اقترفه في (غزة) وفي غيرها، قديماً وحديثاً والآن!!

فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً الإسراء5

... فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً الإسراء7

فما رأينا- عبر تاريخنا الطويل- من عامل توحيد للمسلمين ينسيهم خلافاتهم وتناقضاتهم سوى أن تتعرض معاني دينهم وقيمهم للخطر، وليس هنالك من خطر اليوم- ذا بعد ديني وروحي- سوى أولى (القبلتين)!! أما هذه الهرطقات والبالونات الفارغة التي يطلقها أعداء الإسلام من فتنٍٍ فمصيرها إلى التلاشي وإلى النسيان. لأن ما يباينها ويوازيها هو هذه الهبات الشعوبية الغاضبة الممتدة عبر كل دول عالمنا الإسلامي إلى حد الفداء بالنفس والتي لا تنادي إلا بكلمة الشهادة الكبرى فليس في أفقها سوى لغة التحرير ورفع راية النصر الكبرى، بإذن الله0

إنها دعوة (مكررة) للاستيقاظ على حقيقة الصهيونية الخبيثة وعلى حقيقة دولة الصهاينة وخلفاء النازية والفاشية، منفذي سياسة الامبريالية ضد الشعوب المسلمة.. ومناشدة إلى الانتصار لشعبنا العربي الفلسطيني الأسير الشريد الطريد المهدد بالفناء وبالغياب عن مسرح التاريخ إن تم تهويد مدينة القدس العربية قلباً وقالباً.

(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ * هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ (الصف- 6/9) -صدق الله العظيم-.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى