المشبوح والكرسي
السقف مهترئ شأنه التقطير في فصل الشتاء و ينفث الحرارة صيفا، الجدران مقشرة، متآكلة، تبصق رائحة الحموضة، أعشاش العناكب تطرز زوايا السقف، كراسي متهالكة لم يبق منها سوى قضبان حديدية، رؤوس محشورة في حجرات ضيقة لاستخراج عقود الازدياد والتصديق على الوثائق، المحظوظون في الوطن المنهوب من اختاروا التملق وتبجيل الخونة وقطاع الطرق، يحلقون بسرعة نحو أحضان الشمس في الزمن العاهر، التملق طعنة في خاصرة الضمير وجواب عن ترسانة الخوف والانتهازية الرابضة في الأعماق، وويل لشفاه تصوم التملق والانبطاح واعتناق المسكنة، وجوههم وأفكارهم في مفرمة التبخيس و غبار الهزائم والنكسات، التضييق والتحرش، الإقصاء والتهميش، لكنهم يعيشون أحرارا بضمير وأنفة زائدة ومترسخة لأنهم ما بدلوا تبديلا، كم من متملق تغيرت قطع الشطرنج للمجالس المنتخبة ينتهي بائسا، معزولا، كسيرا، المتملق ورق المراحيض للتجارب السياسية، يتكاثرون في الإدارات العمومية بشكل مريب حين ماتت النقابات على أبواب المرابين والإقطاعيين، قاسمهم المشترك انهم بدون كفاءة علمية، التملق ديدنهم لتعويض النقص وتحقيق الأمنيات.
– لي بغا يوصل يقول للكلب سيدي
– هذا منطق الانتهازيين
– هذا منطق لي فاهم الوقت كيف غادية
– الله اسخر... والله يقتلنا في صباغتنا
تجلس على الكرسي الدوار في فرح طفولي، تضع رجلا فوق رجل، تسمع أصوات الزحام و الوشوشات عند الباب الكبير حيث يرابط فرد من القوات المساعدة، تفك ربطة تخنق العنق، تفتح النافذة المطلة على زقاق صغير، السيارة السوداء الفارهة رابضة في الموقف تستظل بظلال شجرة أفلتت من منجل الخريف، بضعة أغراس ميتة في الباحة الصغيرة، الهواء يمشط الوجه المفعم بالتجاعيد، المكتب/ الحجرة أعيد طلاؤه وجددت المحتويات بالكامل، استبدل القديم بالجديد، رائحة الصباغة تضرب من الجدران، مكتب من الزجاج الغليظ وضعت عليه رزمة أقلام،مقابض الأوراق ومسطرة خشبية، قمطرات لتخزين الوثائق، أختام دائرية تحمل اسمك لدمغ الوثائق والتصديق على النسخ الأصلية،كله من أموال الشعب المهدورة على التفاهات، لا ترضى خدمة الشعب في أثاث قديم، عشرات الموظفين تحت إمرتك، اغلبهم بشهادات جامعية، يفوقونك علما و ثقافة ومعرفة، قبح الله السياسة التي تجعل جاهلا يتحكم في المتعلم باسم التسيير الانتفاعي، لا قيمة للشهادة الجامعية أمام مفصول من أقسام الإعدادي بالأحرى يتهجى الكلمات ويحفظ بضعة آيات من القرآن الكريم ولا يفهم كنهها ومغزاها، يمر صاحب عربة يجلد حصانا، ترتفع قعقعة العجلات بفعل الحفر المنتشرة في اغلب الشوارع والأزقة، المدينة عبارة عن حظيرة للبهائم، أينما وليت وجهك ثمة روث، راجلون يكسرون قبور الصمت بالأحذية، في المخيلة يسبح قطيع من الذكريات البعيدة المترسبة في الأعماق، كراسي مهترئة لاستقبال المرتفقين، تم الاحتفاظ بهم عنوة لاستصغار الآخر وتسويق الأبهة الفارغة، لا يجب أن يستوي المسير والمرتفق حتى في استغلال ممتلكات الشعب، المضحك أن المواطن يختار ممثليه في المؤسسات الدستورية وبين عشية وضحاها يتملقهم، موقف يكرس الطبقية وسلطة العبد والمالك، الشباب ذوي البنية الجسمانية القوية، وحدهم يصلحون لدفئ مساحات الفراغ في المسام، تتوق كثيرا لأيام الربيع المزهرة لتصطاد من الحقول الفراشات التائهة، ففي الشرايين ندف من الثلج يرفض الذوبان، العيون الثاقبة مشدودة إلى ما تحت الصرة، تشعل في الأشلاء النيران وتنشوي فوق الجمرات إضمامة الحرمان، الحلم الجاثم فوق الجمجمة مفعم بإكسير النزقية، نظرات منفلتة من عقال النفس اللجوجة تصب زيت الشوق في المصارين، لا وقت لقياس المسافة بين الرفض والقبول، ولا وقت لتحرير الجسد من لوثة الاغتصاب، في الفم تسافر تعويذات القهر، فقد ولدت عاريا من كل شيئ على ضفاف النشوة، وبطولاتك تمضغ في عرض الشارع تتناقل جيلا بعد جيل،تستدعى على صخور التأمل، لربما سيصنعون لك تمثالا من المرمر بدون ورقة التوت،يوضع في ساحة عمومية، فانت الوحيد الذي استطاع بالمؤخرة تسلق جبال المجد والشهرة في وطن يدين بالاسلام ومتشدد مع الشواذ.
– قوم لوط عاطياهم في هاد لمدينة
– ماشي غير فهاد لمدينة لبلاد مطلية بهم
تحمل في الكلام رسائل مكسورة العبارات، عذوبة الإيلاج تهاجمك في اليقظة والمنام وتشعر بالوخزات، والمرض يغزو الأوصال والطبيب يوصي بتتبع حمية صحية،سئمت من الابتهال وتكبيرات تفوح منها رائحة الموت، تقرأ نعي الوداع لاحد المعارف القدامى فتغيرت ملامح الوجه وهرب عنه الدم،ساهم تلتهم النعي وترفرف فوق الدماغ سحابات التذكر والذكريات البعيدة، تضخ فيك جرعات الحزن والأنين، تتجرع حبة من الوسواس القهري، الموت يخطف المقربين وتساءلت في هلع شديد على من سيأتي الدور،ارتشفت رشفات من كاس القهوة السوداء، انفتح الباب وولجت فتاة في العقد الثاني أو اقل،غردت في الصدر العصافير وأشرت لها بالجلوس، الحارس الخاص يقف منتصبا أمام الباب مثل وثن قديم لمنع المتطفلين العبث بعذوبة التوقيت، أذناه لا تسمع سوى نداءات الجرس، انت الآن في قمة السعادة والانشراح، تأتي مصحوبا بسائق اختره بعناية، يحمل عنك ملفا غليظا ثقيلا فارغا، يمشي أمامك بتوأدة، يفتح باب المكتب، يسحب من الجيب خرقة، ينفض الغبار عن المكتب والكرسي الدوار،منذور للسخرة و أعمال أخرى إن تعذر في الليلة الظلماء إيجاد قطع الغيار لتشحيم البطارية السرجية...، مختال تنقل الخطو بعجرفة في ممرات الملحقة الإدارية، الشعر مدهون، مملس، لماع، الحذاء اكثر لمعانا، المؤخرة أشبه بالميزان في مهب الريح، ترتدي اكثر من تبان لغرض في نفس الشاذ/ الشيخ الذي يقترب من ساعة الخسف، على صفحات الوجه ذبلت القسمات وجفت الشرايين وامتلأ بالتجاعيد، تشتهي القفز فوق الجماجم منذ كانت الأقلام البشرية تكتب، تدغدغ،تلعب في المحبرة مقابل بضعة دراهم استجابة لنداء الغريزة، كل صباح تأتي متبرجا، مضمخا بعطر أنثوي قوي، عيناك ترعى في طابور الشباب الذي يقف منتظرا التأشير على الوثائق، تشتهي الأجساد البضة الرياضية، نجوم كفيلة بطرد الآلام من دهاليز الحوباء، ورتق فجوات الظلام الرابضة في المصارين مند المهد،تمتطي زوارق الفرح وتحلق مع عصافير الدوري التي تطلق الزقزقات في الأشجار القريبة، ترتشف رشفات من كاس القهوة السوداء بدون سكر،تقيس حدود إمارة الحكم، الموظف الشبح انقرض والالتزام بأوقات العمل مضمون، تضع فوق المكتب جرائد الوطن المؤجرة ببضعة دراهم، لا تقرأ شيئا لكنها لتأثيث الصورة، مراهق يداعب جديلة شعر أنثاه، يشدها إلى الوراء قليلا، يتقوس الظهر ويرتفع الوجه، تلامست الشفاه على أوردة العشق، ضحكا تحت حوافر خيول النزوة العابرة،غابا في الزقاق الجانبي، أغلقت النافذة وأفرشت الجريدة الورقية على صفحة الوفيات كما العادة.
من طباعك مغازلة مفتولي العضلات في الأزقة والشوارع والساحات بحثا عن الفحولة المكتنزة، صهيل قوة مضاعفة لتسكن الدودة الناهشة للجرح، بدون أمصال سرجية فان الدنيا بدون طعم، الآن أصبحت القطوف دانية يكفي أن تختار الإزميل الملائم وتمارس لعبة الاستفراد و الاستدراج الذكية للغيوم الماطرة والقذائف الذكية القادرة على دك أسوار القلعة الهرمة.
– شوف ما دخلش عليا الناس حتى نقول لك
– كيف ديما نعم سي
– يا الله سد الباب
بعد سنوات من الفشل تعود إلى دفة التسيير، التحالفات السياسية السمجة تحمل الرعاع والجهلة والمرضى إلى كراسي المسؤولية، في مدينة يدبر أمرها الأوباش والعبيد واللصوص واللواط، يرمى الأحرار على سكة الاغتراب لخياطة الشوارع المثقوبة، يحصون في أسف شرارات النكوص والذئاب تعوي في الوادي، عقدت صفقة مع زوفيل الشاب المتحدر من سلالة اللصوص والخونة، فجده استولى على أموال المقاومة وهرب إلى بلاد الأمازيغ، مارس التجارة متخفيا، متنكرا، متنقلا ببغل محمل بالتوابل والعطور وقطع الصابون والحناء والكحل، يطوف على البوادي والأرياف يقايض السلع بالزبادي والعسل والبيض والزرابي، أما خاله المعروف بشدوده الجنسي ترك صندوق الشعب قاعا صفصفا، أثرى الثراء الفاحش من أموال الشعب،افلت من شبح الإفلاس حين أسندت له مهمة تدبير وتسيير المدينة الغارقة في الفساد والجريمة، زوفيل لم يكن اسما معروفا في سماء السياسة مجرد نكرة سقط من السقف وحمله التزوير وشراء الذمم إلى المجلس المهلهل، عيناه مند البداية ليستا بريئة جاور مند الطلقة الأولى رموز الفساد الإداري، دافع عن موظفة اكثر فسادا وفقرا تفرم المرتفقين تبيع وثائق البناء والتعمير، امتلكت العقارات والسيارات الفاخرة والشقق، تلبس من الماركات العالمية، زوفيل يقبض النصيب من العمليات القذرة، يبحث في المدينة العمياء والخرساء عن الضحايا، أمام العليق تنهار النظريات والأفكار، تنظم طمعا إلى الجوقة النحاسية، من يدور في فلك السياسة فارغ اليدين والجيوب بدون قيمة في العالم المادي الذي يطحن الفقراء،كلاكما يدور في مهاوي المصلحة الخاصة، كنت تجدف وحيدا في قارب مثقوب، صار لك رفيق يفهم في أصول اللعبة السمجة و الوقحة، الرفقة المحيرة تتغدى على ثنائية التناقضات الفجة، تتبادلان الأدوار في دورات المجلس واحد يذبح والأخر يسلخ و ينزع الريش، لم تعد كما كنت مند ثلاثين عاما تصرخ،تتمرغ، ترغي وتزبد داخل قاعة الاجتماعات لخطف النصيب من الكعكة، الشيخوخة اللعينة هزمتك، لم يبق أمامك سوى البيع والشراء والغمام والهزيمة، بالأمس القريب مارست مهنا وضيعة، عملت قوادا تصطاد الكواعب وتحملهن إلى الشقق الحمراء في العاصمة، تطوف على السفارات تعرض القرابين الناعمة المختارة من حدائق الوطن المقدس، فكل الطرق تؤدي إلى الثراء وموت الضمير الإنساني الحر وولادة الضمير العاهر، لا تخجل حين تقف في الصفوف الأمامية لإقامة الصلاة، تتسابق للمشاركة في الحفلات الرسمية والأعياد الدينية وتجلس وسط الأعيان ورجالات السلطة، تحضر صلوات الجنازة وترفع عقيرتك بالصياح لقراءة ما تيسر من الذكر الحكيم ترحما على روح الفقيد، وهل يخجل من يستقبل بفرح طفولي الخراطيم البشرية، تستوقف شابة غاية في الحسن والجمال، تطلب رقم الهاتف، ترددت في أول الأمر وما لبثث أن أذعنت، السيارة الفارهة تسقطهن في الحبال، الطمع يفعل في الغواني فعلته، تشتهي الكواعب لكنك غير قادر، سيفك معطوب مند الصبا، مطمور في الغمد طلع عليه الصدأ، لا يصلح سوى للتبول، تضرب لهن موعدا في العاصمة، تطرق أبواب الأرواح العطشى في الإدارات العمومية، تقبض أثمنة مضاعفة على الرقيق الأبيض، في بضعة سنين أصبحت نخاسا محترفا تتاجر مع علية القوم يجزلون لك العطاء،
– سي احماد كاين شي سلعة مزيانة
– الا مكانتش نحضروها
الهاتف لا يكف عن الرنين، تلقي إطلالة على شاشة الهاتف وتحجب الرنين، كثرة المتصلين يعني كثرة الطلبات، لا تملك عصا سحرية لتغيير الأوضاع المزرية ولم تحز كنز سليمان لتمد يد العون للمحتاجين، الناس يعتقون أن المستشار يغرف من صناديق الشعب بدون حسيب ولا رقيب، تندلق جرعات الترهات من جوف اللامبالاة، تضع الهاتف على الأذن الصوت الأتي عبر الأثير يربكك، الطلب في المتناول، الجزار يشتهي مزيدا من النعاج ليسوقهم إلى المسلخة، النخاس طافح بلوثة ما يرقص الآخرين ويفرحهم لكي يعيش في بحبوحة، لا تريد أن تتلاشى وتعود إلى حياة الفقر والشحاذة، لم يعد يهمك السقوط في سرداب الخطيئة والغوص فيها، فانت الخطيئة والجرثومة النابتة في العظام وفي مفاصل الوقت الداعر، الخطيئة تركض في الشرايين، تقف منتصبا في منتصف الوجع، تمضمض في السر السؤال الجرح من استباحك، ووضع الحجر الأساس لولادة لوطي صفيق ولعين إلى يوم الدين، السالبة قارئ المقابر احبك حبا شديدا، دفعك بروية إلى حفظ بعض الآيات القرانية لتنتسب إلى جمهرة حفظة الكتاب المقدس، في المقابر والجنازات يكون اللقاء، الليل يمطر الالتحام طلقات الانتشاء، ولا تكف عن تجويد هالات البكاء والمسكنة، حين مات السالبة شعرت باليتم وبغربة داخلية، لا يمكن نسيان عقد من الزمن في رمشة عين، السالبة جرة مكسورة من العشق خبير في صقل الثقوب، يعرف كيف يشعل القناديل الباردة بزيت هلامي، لا أنابيب بعد السالبة تغسل شحوب السماء، وتعيد النبضات إلى الجسد، ويخرج المتشائم من القوقعة، الوجه المثخن بالتجاعيد يرفض أن يغادر المرايا القديمة المخدوشة، كلما ازددت كبرا ازدادت الشهية المفرطة للمحرم، جلست أمام البحر ورحت تتقاسم معه أوجاع المفاصل وارتفاعات ضغط الدم والسكري، مر على مقربة منك متشرد بأسمال رثة رائحة قوية تضرب منه، ظللت تلاحقه بالنظرات، يجمع أعقاب السجائر، في اليد المتسخة يقبض رغيف محشو بسمك مقلي يقطر، جلس فوق صخرة التهم نصف الرغيف في قضمتين، لعق الأصابع الواحد تلو الأخر، قفز إلى الماء عاريا، خبط بقوة أشبه بدلفين، غطس وسبح بعيدا، عاد إلى اليابسة لعقت في شبق واشتهاء الثعبان المتأرجح في الأرض المعشوشبة،ابتلع نصف الرغيف المتبقي، ارتدى السروال الممزق افترش الباقي وتمدد على البطن فوق الصخور، انبطاح أعاد إلى الذهن صور قديمة تستهويك، عيناك ترعى في الأجساد المفتولة المصقولة بأشعة الشمس، تبحث عن الخلاص من سلاسل النفس المظلمة، السيارة الفارهة على بعد خطوات والحر شديد، الشمس في كبد السماء ترسل أشعتها على الأمواج البشرية العارية، فتيات يركضن في كل اتجاه، زئير نهودهن فوق الصدور البضة يشعل نظرات جموع الحالمين، بعض النسوة يسبحن بجلابيب، يخفن من العري حتى لا تهرب الملائكة مذعورة ويرميهن الإله باللعنات ويحرمن من الجنة، تشتهي العوم عاريا لكن السيقان المتهدلة والوجه والشعر المصبوغ يقف حاجزا تحت شجرة الاحتراس، الأفكار الطويلة القامة تملا الفراغات بالمطرزات الرخوة و الهجينة، كل شيئ معلق على حبل الهواجس والظنون القبيحة، شحاذ أعادك من شرودك الشقي، يطلب سيجارة أو درهم، الصدقة في الوطن أضحت مشروطة، المتشرد لا يزال مستمتعا بالانبطاح، الظهر تصهره أشعة الشمس، تكاد تسمع الشخير بين الفينة والأخرى حين يعم الصمت المتقطع، رن الهاتف ألقيت نظرة على الزجاجة اللماعة، المتصل زوفيل الرفقة الجديدة، طلب منك الحضور إلى الفندق لان جميع المستشارين حضروا وسيبدأ الاتفاق على تشكيل المكتب، هربا من المضايقات والانسياق مع مطالب النخاس الكبير الذي يدفع بسخاء تم تهريب المستشارين ليلا، في الأيام الأولى تم منع استعمال الهواتف والاكتفاء بالنوم والأكل في غرف الفندق المجهز بأحدث الأجهزة، كل ليلة تكرع الكؤوس الخمر على شرف الديمقراطية المذبوحة.
– راه جينا باش نتفقو على الرئيس والنواب باش نمشيو مفاهمين للتصويت
– معقول
– خسرنا رزقنا في الحملة خصنا تعويض
– ضروري
بحت الأصوات والحناجر، تناطح الغضب في النفوس اللجوجة، تدافعت الأجساد حول منصب خليفة الرئيس الأول والثاني….، الكل يبحث عن وجهه بين المجموعة المتنافرة، سقطت مرات عدة من الحساب، تترنح في حلقات شائكة، ترتعش كلما كشر الرفض عن أنيابه، لا قوة لململة أضلاع الوشايات ولا لاصطياد جدائل العفو من فم الأوغاد، نزفت من لكمات المكان، الخوف يحلق في ثنايا التنهيدات يغزو الهواجس، كلام ناقم وقذائف مذلة تدفعك نحو المجهول، يشتد التهديد المبطن ويركلك حطام الانكسارات ورائحة الخيانة، يطلع القرار حاسما يتوج صوت الوعيد، الآن انت خارج الأغلبية، قساوة هراوة الجلاد فوق الظهر ترمي بك إلى وحشة الليل، فشلت جميع المناورات، تستسلم رافعا الراية هربا من سعار الحرب، وجهك يصارع وجهك في لحظة اشتباك الماضي بالحاضر، تناوبوا عليك في قيامة الرفض إلى الرفض، لا شفقة في الجوار والطريق لم تعد آمنة من سعار المراوغة، الإقطاعي يستعجل تشكيل المكتب سهل الانقياد والتحريك بتوقيت الهندسة الرسمية، العيون تترقب لحظة زف العروس وهدم الخيام، قيدوم المستشارين يهرع ليلملم بقايا الأنفة، هدد بالانسحاب في حالة الإقصاء، التحالفات تقتضي الثبات ووقف الآخر عن الهيجان والاستفراد بالقرارات، الإقطاعي يعرف أن قطع الغيار قليل ومكلف وغير مضمون، يستجيب صاغرا للتوليفة الهجينة، الغمز واللمز يتساقطان بدون توقف، بحلقت كثيرا في زوفيل زميل الغرفة وأشياء أخرى تحصل عادة في الليل والخلوة، لم يسرع إلى نجدتك خوفا من الإفراد والنفي إلى المعارضة، فمستشارو المعارضة في المدينة المنكوبة والمغتصبة من قبل الرعاع والأوباش خشب مسندة، أرواح تائهة هائمة يمكن أن تنقلب على أعقابها في لمح البصر، مكممة الأفواه تنتظر الفتات لتخر صاغرة، الكل في الأغلبية الخلاسية يبحث عن موطأ قدم وطريقا إلى العليق، العليق الهدف والمبتغى، لا تهم مشاكل الناس ولا خدمة الصالح العام، المدينة منهوبة تحت جبة الديمقراطية المزعومة، تجف الصناديق وتغرق الساكنة في الانتظار الأجرب، عقود من التجريب والتخريب والتزييف والنهب والاختلاس والتزوير شعارات صالحة لجميع المراحل، ولاهبة تغيير هادئة تعيد ترتيب أوراق الوطن المخصي، لا جديد تحت الشمس، نفس اللعنات ترددها حناجر المداومين على عبادة الأصنام، جيل بعد جيل ينقل مشعل الفساد والإفساد ويتلاشى الطموح في بناء وطن يتسع للجميع، الكل يركل أنفاس الآخر المتمردة بقيمة العطايا، الشعوب العربية تعيش على الاستعطاء والريع، كلما اجزل الحاكم العطاء كلما اتسعت دائرة الطامعين والمسبحين بعظمته.
دخلت ناديا ليليا بحثا عن رفقة ترتق الشروخ و تخيط الانكسارات، الأضواء الملونة تغسل المكان، تصرخ بما لا تدري من الآهات، تختلس نظرات تائهة تمسح الزوايا والسحنات، هرج وضجيج ورقصات داعرة، دخان السجائر يعتقل الفضاء المغلق،حوارات صاخبة ترتفع بارتفاع الموسيقى، السكارى متحلقون على الموائد، قعقعات الكؤوس والقناني لها وقع خاص، يصطفون على دورات المياه، مشروب الجعة يكثر التبول، تقدمت فتاة شبه عارية مترنحة، لربما ظلت تشرب طوال النهار وتنتقل من مائدة لأخرى، طلبت مشاركتك في رحلة الانتشاء، شرب الأنخاب على شرف الهاربين من الواقع المر،بإشارة تقدم النادل وأبعدها، لا شرارات تسيل فوق صفحات التمني، تحتاج إلى غيمة ماطرة، تسكن بقايا الإدمان النابت في العروق، طافت عيناك في القاعة الفسيحة،أجساد متلاصقة اسرجوا صهوات كؤوس الراح،اطلقوا زفرات السعادة وكتبوا تاريخ حريتهم المؤقتة، وحده المتخلف والظلامي في قفص التحريم والتجريم، تقدم نحوك شاب في مقتل العمر، يتلوى بغنج ودلال، يطلق ضحكات غبية، دون أن تدعوه سحب الكرسي وجلس، ظللت تبحلق تلاحق الحركات الأنثوية، حركات تشهر الرغبات والمراد.
– خلص عيا شي تورني ونمشي معاك
– فين غادي تمشي معايا
– لاي بلاصة
– ما عنديش لبلاصة
– اه فهمت
الشاب نثر بدور العشق ولم يمطر كرنفالا على بطن الثمالة، لم تغضب كلاكما من نفس السلالة تتحدران من مملكة سدوم، تخلصت منه بلباقة ولم تحقد عليه، راقبته ينتقل بين الموائد بحثا عمن يطفئ في الجوف نارا، عارضا ثمارا محرمة أينعت في اغلب المدن، تعلن وجودها بشكل سافر، لا تبالي بلهيب العاصفة، في مدينة مراكش تعرض شاذ جنسي للضرب و السحل، جرد من ملابسه النسائية في الشارع العام، الجماهير تتفرج في العري وترميه باللعنات، ضجيج الذهول لن يغادر الجماجم والآيات القرآنية المجرمة حاضرة في الأفئدة،حظرت السيارة الموشومة ونقلته إلى المخفر، نفس المشاهد تتكرر في اغلب المدن، الشواذ لم يعودوا ينامون في رصيد الخوف،يمضغ الزمن تحت عتبة الانتظار، المنحرف يخرج من القوقعة يرفع الراية في واضحة النهار، لكن لا صوت يعلو فوق صوت الكتاب المقدس، قوم لوط لا مكان لهم في الدول الإسلامية، الفاحشة فعل مكروه يستوجب القصاص.
رمقته من بعيد اسود فاحم، لوح باليد الغليظة، ابتسم وبانت الأسنان الناصعة البياض، ابتسامة أخرجتك من دائرة الانتظار والترقب، طلبت زجاجة ويسكي من النوع الفاخر، انفرجت الأسارير في الكأس الرابعة، زال العبوس والقنوط، المؤخرة تطلق صفير الفرح والحلم بالإيلاج ينمو في المسام، لا تدري يومها كيف وصلت إلى الفندق ومن جردك من الملابس ووضعك في السرير،صورة الجليس في النادي الليلي لا تزال عالقة بالمخيلة، الكلمات والتلميحات والمستملحات، الضجيج والضوضاء ودخان السجائر تخنق المكان،قعقعة القناني والكؤوس تطن في الأذن،فتيات شبه عاريات يطفن على الموائد بحثا عن الضحايا،الزجاجة الفارغة تنام على البطن فوق المائدة، ظللت تلقي النظرات حتى انطفأت أنوار النادي.
دخلت في عراك مع موظف رفض التأشير على وثائق غير قانونية، أرغيت وأزبدت، هددت وتوعدت، رفعت بطاقة التنقيل إلى ملحقة أخرى، طرقت باب الرئيس شاحذا السكاكين والمسلخ مجهز لتعليق الكبش من الأربع، تثرثر بدون انقطاع، ترمي الجمرات والتهم، اللقاء صاخب بارتعاشة الخواء، تقاس نبضات الانتقام المضطربة، الأيدي ترتجف في قفازات الخوف، تنقيل الموظف يحتاج إلى مبرر معقول، النقابات على أهبة الاستعداد لإشعال فتيل القلاقل، تشعل الصفعة مئات الفوانيس في الرأس المدهون، الرئيس يدير عقارب الساعة نحو القانون، ترجع مهزوما مذلولا إلى الملحقة الإدارية، التهديد لم ينجح، ابتلعت الهزيمة ولاحقك غضب مهيض ومر، عرفوا انك منفوخ بالتفاهة ومريض بالسلطة، انفضح أمرك وتحولت إلى مزحة في الإدارة، انتقلت السقطات إلى مواقع التواصل الاجتماعي، الفيسبوك يعري المستور، تدوينات يومية ترصد الارتجال، التاريخ القديم يستحضر بوصلات التهكم، ظهر اسم السالبة وبوشعيرات، الحداد، جبيلو، مرادشي… لائحة طويلة من الأسماء التي انتعلتك جربت فيك الفحولة ولعبة التفريغ طيلة خمسون عاما، استبدلت الحارس بحارس أخر حين طالته لسعات السياط لإظهار الجدية والحزم، طلقات فاشلة زادت من ارتفاع منسوب التوتر والنبش في الماضي القريب والبعيد، كنت تقضي الساعات الطوال في المكتب تستقبل في زهو الطلبة والشباب المفعم بالحيوية والنشاط، الاستقبال يطول وفي وسط الحديث تنشر صرة العنوسة على حبال العشق الممنوع، الطابور يكبر وتسبح الهمهمات والتذمر، الوثائق محجوزة في القمطر، مشغول باختيار قلم يحسن الغوص في المحبرة، يجلس قبالتك شاب أنيق يشع أناقة وفتوة، لحية خفيفة تأكل الوجه، تمضي الأحاسيس والهمس والتلميحات، تحفر في خدود الذاكرة لتجد التعابير المناسبة، النيران مشتعلة وبحبوحة الصبر على وشك الهيجان، لتسعجل أمر الاستفراد بالضحايا واقتناص الفرص بدون إضاعة الوقت، اقتنيت مطارف وحشايا قابلة للطي، وسادة وزربية أمازيغية، تضع الفراش في خزانة حديدية وتغلق بالمفتاح لتسحبه عند الحاجة.
– اشنو بغيتي بشي فراش اسي احماد
-الإنسان راه كبر مرة مرة يضربها بشي نعسة اريح عظامو
– عندك الصح
في دورات المجلس تتسابق للجلوس قرب رجال السلطة، دائما تريد تسويق الصورة بانك شخصية مهمة في معادلة المجلس الفسيفسائي والمدينة المنهوبة والمنكوبة، لا جدال ولا نقاش، لا احد سمع صوتك تندد، تستنكر، تعارض تعدل الفكرة والقرار بأحسن منه، تصوت بدون أطلالة على جدول الأعمال، تحمل الجسد وتنتقل إلى حيث الوليمة، تشحن البطن بما لذ وطالب وتنتظر بقشيشا من الرئيس ثمنا للانصهار والذوبان حد السفه مع القطيع، تجتهد في قبض التعويضات عن أعمال وهمية كل شهر من المال السايب، المال السايب يعلم السرقة ويفتح شهية ضيوف النزوات، فلا ربان يحرس تيجان الكلمة الحرة ويحتسي بعد التمدد على فراش النوم رشفات من الوجع وتأنيب الضمير، الكل عراة من حب المدينة الحائضة، ستقام عليها صلاة الجنازة بتكبيرات،الغرور وحب السلطة وعقدة الظهور دفعك إلى طبع بطاقات زيارة تحمل الاسم والنسب ونائب الرئيس، وللتحايل على الناس تعمدت كتابة كلمة( النائب) بحجم صغير لا تظهر للعين المجردة، الوقت تغيرت والزمن غير الزمن الذي كنت تصرخ، تلعلع، تبعبع لانتزاع المال الحرام، الجميع فطن للعبة السمجة والوقحة، تواجدك مع الأغلبية خطأ فادح، لم تتعلم أبدا من دروس الماضي،وقعوا عريضة الإقالة وذبحوك من الوريد إلى الوريد،شربت الأنخاب على تطليقك، لم تستطع المقاومة وتجاوز الصدمة المهلكة وممارسة المعارضة البناءة، لأنك جاهل وفارغ هاجرت المدينة، غرقت من يومها في الهموم والأسى، في الانتخابات الموالية ترشحت باسم حزب آخر طمعا في الفوز،لكنك فشلت واختفيت عن الأنظار، الإنسان النزق والمتداكي مصيره الفضح والجلد اليومي، به تقاس بثور الوطن المتقيحة، أصعب شيئ في الحياة التعايش مع بشر يعتقدون انهم على صواب ويفهمون في كل شيئ و عدم معرفة ما يجب أن تفعل وما لا يجب فعله لتستقيم الأمور لتجنب السقوط في رماد الكره والبغضاء وتسول أقدار الناس.
– المشبوح سدو عليه الأعضاء قريب تدار الإقالة
– داك شي لي خصو
– باغي اطير وداير فيها فهايمي هو اكبر مكلخ
– في الدورات والله ما كيهدر كيسرط لسانو
-تقضاو ليه الحجرات
الحديث يرغي في المقاهي والساحات، الأسرار تشنف الأسماع عمن حول المكتب إلى ماخور، محطة للجبايات، اسم زوفيل زعيم عصابة جمع المكوس حاضر في النقاشات العابرة للوقت، تسبحان بقسوة في أفواه الأسئلة، الجماجم تطرز في المسالخ ردود الفعل، الصرخات المطمورة تضاجع لذة الحقيقة و تسافر إلى مدارات الاستبخاس والتذمر، الكرسي اكبر منك ويحتاج إلى وعي حضاري والرغبة في الترافع عن المدينة، المسؤولية تكليف وليست تشريفا، خادم الناس سيدهم كما تقول الحكمة الشعبية، ولكنه في زمن النطاطين والشواذ انقلبت المفاهيم بدل حمل الرفوش لدفن الابتذال والميوعة توضع لها أكاليل وتيجان، تمطر طلقات فاشلة، ضليع في تجويد هالات التنطع والتكبر، يتناثر رذاذ البذاءة والخسة على قارعة الطرقات، الكرسي اكبر منك الرأي العام الفيصل والحكم، يزيد من جرعة السعار ويقربك اكثر من شهقة السقوط الكبير، قذرك أن تؤدي فرائض العنجهية المتآكلة على وجه المدينة، عنجهية تهلهلت من رجمات المصلين، وعامة الناس يقرعون طبول التأفف، الآن انت تتعرى من الضجيج، تنتظر في صخب بشارة النصر من قوس قزح.
تشتبك مع شاب حاولت استدراجه إلى الفعل المذموم، الحارس وقف مشدوها من هول الصدمة، انسحب بعيدا خوفا من تلقي الصفعات والتورط في عراك يلوح في الأفق، خرجت الموظفات أمام الأبواب ووقفن يتابعن فصول الفضيحة، صاح احد المرتفقين بوجب إحضار مرادشي الدواء الشافي، تعالت القهقهات والضحكات الهستيرية، مشهد أعاد إلى الأذهان قصة فتوة إحدى القرى الذي ضاقت به الساكنة ذرعا إذ يتحرش بالقاصرات والمطلقات والمتزوجات لا يحترم كبيرا ولا صغيرا، لجأ السكان إلى حكيم القرية يستفتونه في أمر الشاب الصعلوك وطريقة وقف سطوته وعنفه وإذلاله لهم وخدش كرامتهم، خمن الحكيم طويلا مسح اللحية، مرر اللسان على الشفتين، أمرهم بتزويج الشاب، قاموا بتزويج الشاب مصدر القلق والإزعاج، هدأت القرية وعاشت في صمت مطبق عدة شهور، انقطعت أخبار الشاب بالمرة، في احد الأيام هاج ثور هدم الخيام وكسر الأغراس واستحال القبض عليه، اسرع الناس إلى منزل الشاب الصعلوك، طرقوا الباب طرقات متتالية، خرج يفرك عينيه من شدة الآرق، التمسوا منه مساعدتهم في الإمساك بثور هائج، نظر اليهم نظرة خاطفة وأمرهم بتزويج الثور واغلق الباب.
الموقف اسقط فيك ما تبقى من رحم الاحترام ودفعك إلى سرداب التقزز والنفور، تعلو القهقهات والضحكات وتزداد اشتعالا، تلسع الظهر النظرات الثاقبة المحتقرة والهمهمات، زوجوه قبل أن يرتكب جريمة، كلمة لطمتك وانت تهم بالخروج، الشمس تبتسم من مقل حزينة، هرولت إلى الزقاق هربا من الخوف إلى الخوف، في الجمجمة بحر متلاطم من الاحتمالات، انتظرت عند ناصية الشارع تمضغ الصفعة، شاهدت الشاب يغادر الإدارة، لاحقته بالسيارة، نزلت مسرعا واعترضت سبيله، بدأت تترجاه وتستحلفه بالله والدموع في المآقي أن يقف لكي تشرح وجهة النظر الخاصة، اشفق على حالك حملته إلى مقهى بعيدة خوفا أن ترصدك العيون، سوي الخلاف على مضض، في الغد استقبلته بحفاوة كان شيئا لم يقع،الشاب طالب جامعي متدين متفهم،ليس كل مرة تسلم الجرة، لجمت السنة من كانوا يطمحون إلى خياطة الفضيحة في سجلك،
-جا الشاب نتاع البارح
-فين هو
– دخل عند المشبوح
– القضية دازت سالمة
تتفرس في الوثائق لكنك لا تفهم شيئا، تحمل الختم تغطسه في المداد، تتردد، تضغط على الزر، يحضر البواب معلقا ابتسامة بلهاء على الوجه الضامر، تامره بمناداة رئيس المصلحة، هذه الأشياء الملغزة لم تقرأها في كتب تفسير الأحلام والاستحلام والمضمضة وخروج الريح، الكبرياء والأنفة الفارغة التي انتعلتها تتفتت وتتهاوى الآن عن بكرة الجهل الذي دك أسوار الأبهة، رائحة الاحتراق تزكم الأنوف، النار ما تزال مشتعلة حين تلعثم الصوت وخشن في قراءة بضعة اسطر من الوثيقة، الموظف يرش الموقف المحرج بإكسير النجاة، المرتفق فطن للأمر زفر زفرات،ضرب كفا بكف، وعلق البصر في السقف، تحمل البدلة وتندفع إلى الخارج، حاملا هالات الهزيمة باحثا عن هواء منعش يزيح الثقل على الصدر، ما قيمتك إذا لم تكن قادرا على فك شيفرة الحروف، السيارة تنهب الطريق، دخلت إلى مطعم للوجبات السريعة، طلبت لحما مفروما وسلاطة وبراد شاي منعنع، النادل يجتهد في مسح المائدة من بقايا الطعام، مسح الكرسي بعناية طمعا في البقشيش، البقشيش أفيون الفقراء، افرش المائدة بقطع أوراق بيضاء، ثمة ذبابة لا تكف عن الطنين، تهشها باليد وبورق مقوى، هرع النادل وخبط بيديه في الهواء، النادل زميل في الدراسة، الذاكرة تتوسده، لكنك تمقت الشحاذين حد الجنون، تحدق في الراجلين والوافدين على المقهى، لا ترد التحية على المعارف، المدينة مزدحمة بالمتسولين والمشعوذين، بالأمس اشتبكت مع نادل ناداك باسم الشهرة، تبادلتما السباب والشتائم، هاتفت رجال الشرطة مهددا النادل بالاعتقال والزج في السجن، وقفت في وسط الشارع ترغي وتزبد، النادل يحمل سكينا من الحجم الكبير، مستعد أن يبقر بطنك ويمزق أحشائك، مرددا بصوت جهوري أن مفاتيح السجن ليست بيدك، حضرت السيارة الموشومة، تفرقت الجموع التي ظلت تتابع فصول مشهد وقح يختزل قمة الحقارة والخسة لفاعل سياسي مغبون، حرروا محضرا بالواقعة في المخفر الغاص بالموقوفين على ذمة قضايا وجرائم، تكرر الأمر عشرات المرات في أماكن متفرقة من المدينة، ممنوع من دخول المقاهي والمطاعم، حقود، منبوذ، مكروه، هكذا صرخ النادل متأبطا لسانه اللادغ، مذكرا إياك بالماضي الوسخ والعاهر، تدفع قطع لقم اللحم المفروم ورشفات من كاس الشاي المنعنع، تقرع في الدماغ طبول النشوة، مبتلعا أقراص الخيال الجامح.
تعتقد في عقلك المخروم انك ذا شان وأهمية بالغة من بقية خلق الله، ترسخ الفهم السطحي في العقل الباطني، تطلق بين الفينة والفينة العنان لجنون العظمة، تحاول التغطية عن الماضي الكسيح، طمعا في النسيان، جلست مرة تقص لبعض المتحلقين حول مائدة مزدهرة بألذ الأطباق عن البطولات والأعمال الجليلة التي قمت بها لصالح المدينة في الولاية السابقة، مصاب بالهلوسات وعقدة الظهور، تمتحن المصداقية و تقيس نبض الشارع لتركل من الخاصرة دبدبات التقزز الحاضرة في المخيلات، تكلمت كثيرا عن المنجزات، دونكيشوت يحارب طواحين الهواء، السحابة لم ترحل في هدوء، انتابت الأشلاء رجفة باردة، وحدك تتعقب هالات السراب، تنزف بنزيف البطولة الوهمية، مستسلما للوهم والأكاذيب المنمقة، انتظرت تأكيدا صريحا مقدودا من طقوس العرفان بالجميل،لعن الله الكاذب ولو كان مازحا، جلاد التحقيق وحارس الذاكرة الجماعية يعرف انك أدمنت الإذعان وتلبية الرغبات ولعب دور الفتاة المكسورة الأجنحة، الأصوات الخشنة حاضرة في الدماغ،تاريخ ملوث بندبات الجوع والقحط والاستعطاء.
اشتبكت مع مستشار داخل الإدارة، تصاعدت حد الكلام، ارتفع الصراخ في ساحة مزكومة، امتلأت ممرات الإدارة الكبيرة بالمتفرجين على عرض البذاءة، رؤوس تشرئب تستمع إلى فرقعات ما تحت الحزام،همهمات تسكب التذمر على أوتار الكره، كلهم يكرهونك، يحتقرونك حد الموت، لست سوى وعاء للتفريغ وطفح جلدي متقيح على المسؤولية.
-انت عار على الجماعة... فمك خانز
-احسن منك
-والله لا صورتي شي حاجة
-حتى تصورها انت
الجمهرة تبتلع الصرخات والكلام النابي الذي يفرقع بدون فرامل، الرئيس غاضب،متشنج، وجه ممتقع، يضرب كفا بكف، تأسف عن المستوى الهابط لممثلي المدينة، غادر مسرعا إلى الخارج يستنشق الهواء النقي، الشتائم ما تزال تقيم الولائم على شرف التنابز السخي، تغتال الهدوء والاحترام في المكاتب، هياكل متفسخة، متحللة، ترقص فوق الجراحات وترفس مشيمة الزمن، تضيف وجعا لسلة الأوجاع، تدخل حراس الأمن الخاص وفضوا النزاع الفارغ من اللكمات والضرب، يعود الهدوء إلى الإدارة الكبيرة، علقت إحدى الموظفات بسخرية لاذعة وسط حشد من الموظفات الغاضبات والحانقات، المسخوط يحتاج إلى لقاحات يومية مثله مثل المدمن على المخدرات ليستعيد توازنه، تعالت الضحكات والقهقهات.
تحضر في حفل زفاف، تندس مع المقرئين لكتاب الله، القراءة الصاخبة تعيد إليك دفعة واحدة شريط الماضي، البراءة تدنس تحت حوافر خيول المحرم، في زقاق الحي بدأت في فك أزرار السروال، ما تحت الظهر غنيمة للفحولة الجامحة مقابل خبز مغمس بالمرق، دراهم معدودة، في الوجه يلوح الفرح من طلقات ما قبل الرعشة، السالبة الفقيه الحافظ للكتاب المقدس حلق بك بعيدا، حصنك ضد تلاميذ لم تفرخ أعضاؤهم بعد قيحا ذكوريا، يكبرك بعقدين ونصف العقد، تهرب الشمس من هجمة الظلام، يفترس الجسم النضو مجرب متزوج ولديه أبناء اصغرهم اكبر منك سنا، الحرمان والفاقة نصيبك من مواسم جمع الغلل، رائحة البخور ترمم الثقوب في الجسد تعيد تجميع صور الأمس البعيد، تقذفك إلى التدافع وشغب الوقوف في الجنازات وطقوس دفن موتى المسلمين في المقابر، كم مرة ساورتك جعجعة الظنون في فقدانك مصدر الرزق الوحيد، ترمي سنارة البطن الفارغة بين الكلمات، تلتقط بعضا من العطف والتضامن المبطن، السالبة لم يستسلم للغمز واللمز ولم يرفع راية الاندحار في منحنيات العشق المحرم، رشفات الشاي تنعش الفؤاد، صاحب الدار يفتح صنبور الدعوات في الصدر، دعوات تبلل الخوف في الحنجرة، لم تأكل حتى الشبع بضعة لقم وقضمات من لحم الدجاج المحمر على نار هادئة، ودعت الفقهاء بعد أن نفحتهم ورقات زرقاء وأمطروك بالدعوات المنبعثة من انفلات المشاعر، انفردت بالعريس ناولته مظروفا ماليا، احتضنك وضغط مطوقا الظهر براحتيه،شعرت بقشعريرة تسري في الضلوع، تخيلته يدخل كما سيدخل بالعروسة، ارتخت العضلات وددت لو يستمر في تمرير راحتيه على الظهر، سحلت الخفقات والرجفات فوق اللسان، ألقيت عليه تحية الوداع وودت لو استسقيت من ملوحة الخطيئة.
-سي احماد راه كاين امتحانات الكفاءة المهني
-هاني موجود
-خصك تدافع علينا باش نجحو
-مرحبا
ما صمت بالروح والقلب، ولا صنت اللسان من اكل لحم البشر، ولا صليت متخشعا واستغفرت الله، ولا فهمت مناسك الحج، الناس تعلم علم اليقين انك بدون هوية منفوخ بالنزوات، أينما حللت تسمم الأجواء بترياق الخيانة، تبيع القرد وتضحك على الذي اشتراه، الهوة بدأت تتسع، تتسع حلقة الناقمين والساخطين المصابين بحمى الوعود، الكذب على المقربين ايقظ شموع السخط، التاريخ لا يكتب بحبر النسيان اخبره موظف لم يجد اسمه ضمن الناجحين في الكفاءة المهنية، موظفة أخرى أصابها سياط الكذب، اعترض سبيلك الموظف الراسب، بقايا الشحوب عالقة على الصفحات، عيون جاحظة ورذاذ اللعاب يتطاير، حاصرك في مدخل الإدارة وارتفعت الصرخات، خوفا من الضرب هرولت إلى الزقاق، ركبت السيارة الفارهة،غبار الصرخات يسحل زجاج النوافذ، أدرت المحرك بعصبية وارتعاشة، اختفيت في الشارع أمامك تظهر صومعة المسجد تعانق السماء، في اليوم التالي انتقل الموظف الغاضب إلى محلقة أخرى.
جراب المشاكل والموبقات يتسع، الأغلبية عازمة كل العزم على قطع دابر السقطات والهفوات، الإقالة من المنصب تطاردك ورقة لوح بها مستشار اشتبكت معه،تعاطف معه عشرات المستشارين، النهاية سطرت مرة أخرى، مرة أخرى سيطالك التهميش والنفي، ستحمل نعشك فوق الأكتاف، ستحمل بذاءاتك،قيحك، مرضك، انحرافك، وستدخل رغما عن انفك عالم النسيان، لم يبق سوى اجتماع واحد لرميك إلى المزبلة.