الأحد ١٧ حزيران (يونيو) ٢٠١٨
بقلم فاروق مواسي

النرجس والعيون

من الشعراء مَن يشبهون العيون الجميلة الواسعة بزهر النرجس لما يشع منه من جمال ورونق، وفي شكل أخاذ، فهذا ابن الرومي يرى شدة الشبه بين النرجس والعيون:

وأحسن ما في الوجوه العيون
وأشبه شيء بها النرجس

كما يرى ذلك أبو نواس:

كأنما النرجس يحكي لنا
عينَ محبّ أبدًا تنظر

وهذا المعنى يلتقي قول الشابشتي:
وبدا النرجس البديع كأمثا
لِ عيون ترنو لها عيون

عيون النرجس وصفت بها عيون النساء خاصة، ولم أقع على هذا التشبيه قبل شعر العباسيين وكثر في شعر الأندلسيين، ثم من تبعهم. ونحن نذكر مثلاً صورة من موشح لسان الدين بن الخطيب، وذلك عندما فاجأ العشاقَ الصباحُ، وطلع عليهم النهار، فقال عندها:

غــارت الشــهْبُ بنــا أَو ربّمـا
أَثّــرت فينــا عيــون النرجــسِ

فما الذي يمكن أن يؤثر فيهم غير عيون الحسان اللواتي وصفهن في موشحه؟

لقد توقفت في مقالة سابقة على بيت الوأواء (أو يزيد بن معاوية- على قول) وكيف أن الحبيبة أمطرت لؤلؤًا من نرجس، فكانت الاستعارة تصريحية، وكان ثَم اختلاف في الآراء حول جمالية البيت ناقشناه في مقالة سابقة:

وأمطرت لؤلؤًا من نرجس وسقت
وردًا وعضّت على العُنّاب بالبرَد

ثم إني وقعت على مقطوعة لابن الرومي قدمت تعليلاً لهذا التشبيه بالعين، إذ قال في نرجسة:

ترى أصفرها الفاقعَ
في أبيضها المونقْ
كعين الناظر الضاحك
في محجره المشرقْ

أما أبو نواس فيكشف وجه الشبه بصورة أخرى، ويبيّن مواقع التشبيه:

لدى نرجس غضّ القطاف كأنه
إذا ما منحناه العيونَ عيونُ
مخالفة في شكلهن وصفرة
مكان سوادٍ والبياض جُفون

وكذلك قال الشاعر ابن المعتز مشبهًا النرجس بالعيون، والطلّ بالدموع:

كأن عيون النرجس الغضّ بيننا
مَداهن درّ بينهن عقيق
إذا بلّهن القطر خلتَ دموعه
بكاء عيون كحلُهن خَلوق

(عقيق: حجر كريم، الخَلوق- الطِّيب، المداهن ج مُدهُن- قارورة للدهن)

كلمة (نرجس) هي كلمة يونانية. يقول ابن منظور في (لسان العرب):

"نِرْجِس- بالكسر- هو من الرياحين، وهو دخيل...وذكره ابن سيدَهْ في الرباعي بالكسر، وذكره في الثلاثي بالفتح في مادة (رجس).

النرجس زهرة ارتبط إسمها بأسطورة يونانية قديمة حول فتى يُدعي (نرسيس أو نرسيوس)، كان معجبًا بوسامته ونفسه بشكل جنوني، هامت بحبه فتاة تُدعى (إيكو)، ولم يعرها اهتمامًا، فماتت الفتاة بسبب غروره وعدم اكتراثه لحبها له. وبينما كان يتردد على إحدى البحيرات الصافية ويجلس ناظرًا إلى وجهه المُنعكس على سطح الماء معتزًا بجماله الفاتن، وإذا به وهو جالس ينظر إلى نفسه بماء البحيرة يقع فيها منُزلقًا بقدمه فيغرق.

لاحظ أصدقاؤه بعد موته نمو زهرة جميلة بألوانها في الربيع حول البحيرة، فأطلقوا عليها إسم الفتى (نرسيس) لجمالها الأخاذ، وهي عادة تنمو قرب الماء وترنو إليه.

اشتق علم النفس (النرجسية) من اسمه بمعنى إعجاب الشخص وغروره بجماله وحسنه ومفاتنه بشكل كبير.

الشيء بالشيء يُذكر:

كتبت سابقًا عن موقف لي من الشعراء والنرجسية أود أن أقتطف منه:

يقول نزار قباني:

"أيامي مع حورية الشعر لم تكن كلها أيام شهرعسل. كانت أحوالنا تشبه أحوال البحر مدًا وجزرًا وصحوًا ومطرًا وطقسًا جميلاً وعواصف مجنونة ... وكنت مشغولاً بأوراقي وكتاباتي ونرجسيتي". ( الناقد – عدد آذار 1990، ص5.

وقد رأيت في مقالتي أن النرجسية في الأدب في مفهومنا اليوم تختلف عن النرجسية في علم النفس، فمن أحب الاطلاع فعليه بكتابي (أدبيات، ص 78 والكتاب متاح في موقعي)، وربما الأيسر البحث في محرك غوغل كما يلي:


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى