الخميس ٢٥ آب (أغسطس) ٢٠٢٢
بقلم سعاد درير

النصف المظلم من قمر الحقيقة

ما أغرب حال البشر! وما أكثر بدائية حالة التوحش التي تسودهم! كأن الواحد منهم أقسم أن يهرب من الغابة إلى الغابة الأكثر قبحا ودناءة تلك التي يأكل فيها الكل الكل!

لن يضايقك يا إنسان يا متعب سوى أن يكثر أهلك وذووك، لكن هيهات، هيهات أن يفكر أحدهم مجرد تفكير في أن يسأل عن أحوالك أو يعرف شيئا عنك، فلا يختلف عنده موتك عن حياتك، ببساطة لأنك ميت في عينيه، فلا يهمه أن يراك ما دامت عيناه لا تريانك.

أو ثمة كفر بنعمة الحياة أقسى من هذا الذي يستكثر عليك أن تدب على الأرض أو تختلس الأنفاس التي لا مجال لحرقها قبل حرقك في عقيدة من يتجمل بالعقيدة إلى أجل غير مسمى؟!

كثير، كثير ظلمهم، وكبير حذاء بطشهم هؤلاء الذين يتفوقون في إذلالك بإخضاعك لطقوس ساديتهم التي تُحِلُّ لهم مضغ قلبك، وكأنهم لا يتخيلون أن تكون لديك أنت الآخر مشاعر تحلف أن تُذيبك وتُدمي عينيك وتُلهب قلبك، بينما سرعان ما يتقلبون هم على حبّات حطب الألم ما أن ينال شيء من التعب من صغارهم الذين قلما يجيدون الإحساس في مدن الناس.

الطيبون قلوبهم منفطرة من فرط اللاانعتاق من أسر حبل المشيمة الذي يربط قلوبهم بحب من يهمهم أمرهم، والقساة لا خريطة لمشاعرهم على الأرض إلا للردح والنطح والطحن، وبين هذا وذاك تستمر عين الله تحرسنا ولا تنام، ويستمر القدَر وحده يكتب ويكتب، لا سطر يُمحى، ولا حرف يَسقط، ولا نجاة من معركة الحساب بغير معايير أدوات الجبر والهندسة، فاحملي عدتك يا سيقان، واتركي للخطى شيئا من الحقيقة التي تشرف تاريخ التراب بعد أن تسدل الستائر وتوصَد الأبواب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى