برمجة معاقة
1 ـ برمجة البرمجة:
يقول المبرمجون: برمج نفسك، لا تستسلم، غير نفسك، لقد كان الرئيس الأمريكي روزفلت معاقا أو مقعدا وحكم الولايات المتحدة الأمريكية لأكثر من ولايتين رئاسيتين، وتساءلت في قرارة نفسي: كم عدد المعاقين الذين نجحوا في هذا البلد الأمين؟ كم منهم عاش أو يعيش عيشة كريمة تليق به كإنسان لا يطمح أن يكون رئيسا أو وزيرا، كل طموحه أن يكون مواطنا عاديا، فيعجز أو يـُعجزه اللئام، وعلى ذكر اللئام، ما أكثرهم في هذا البلد الأمين! يسدون الأبواب والنوافذ، والمداخل والمخارج... يقعدون في الطريق... يمدون أيديهم وأرجلهم وألسنتهم... وكل أعضائهم... حتى أعضاءهم التناسلية... يمدونها في البر والبحر... فإذا رغب الكريم سليما كان أو معاقا في أن يضع مؤخرته على كرسي مهترئ وجدهم قاعدين مستأسدين، ومهما تحول من كرسي إلى كرسي أو من مقعد إلى مقعد... إلا ويجد عضوا من أعضائهم قابعا حتى أنه لا يخلو منهم موضع قدم، فما أكثر أعضاءهم! وما أوسع ما يسدون! وما أقل ما يتركون! فإذا رغب المعاق في أن يبرمج نفسه أو يغير وضعه... إذا هم له بالمرصاد... يأتونه من جانب، ناصحين، لائمين أو موبخين... ماذا تصنع أيها المغفل؟ ألم نـُبرمجك بما فيه الكفاية... برمجة تليق بك وبأمثالك من المغفلين؟! ألم يكفك أنا تحملنا عنك وزر التفكير والتخطيط... والبرمجة، فلم تصر على إقحام نفسك فيما لا يعنيك... حتى إذا أخطأت كعادتك دائما، أحوجتنا إلى إعادة برمجتك من جديد، حتى أوشك قرصك الصلب أن يفسد أو يتعطل، من كثرة البرمجيات وإعادة البرمجيات... وقرصك الصلب لا يحتمل... فسرعته محدودة وذاكرتك محدودة، وهي غير قابلة للتطوير: بانتيوم 1 سرعته القصوى 1 ميغا، ذاكرته 1 ميغا...1... 1، ثم ألا تعلم أيها المغفل أن الرقم 1 مصدر تفاؤل وبشرى خير: الله واحد، وإمام المسجد واحد، والزعيم واحد، والمعلم في القسم واحد... الشيطان وأبناؤه وأتباعه هم الكثيرون المتعددون...
ألا يكفيك أنا تركناك تأكل وتشرب... وتبتسم وتضحك... وتمارس الجنس، وعلى ذكر الجنس، ألا تستمتع وأنت تقضي وطرك من امرأة أو طفل أو حتى... أعضاؤك المسموح لها بالعمل كثيرة متنوعة متعددة... فلا تشغل عقلك حتى تضمن أن يرفع عنك القلم ويرفع عنك... ألا تعلم أن المبرمجين يشوشون على الأمة... ويهددون أمنها وسلامتها... ويفتحون عليها مغاليق ينبغي ألا تفتح...
وحتى يحرس هؤلاء اللئام المواطن المعاق: المعاق في أحلامه...المعاق في حياته وفي مماته...المعاق إعاقة مركبة، حتى يحرسوه ويراقبوه، يقعدون له في كل مكان... بحيث يجدهم في الأحزاب وفي النقابات، في الجمعيات وفي المؤسسات والإدارات ؛ العمومية والخصوصية... في كل شبر من الأرض الطيبة، تجد أمثال هؤلاء فتسأل نفسك أو تسأل شيطانك: ماذا يصنع هؤلاء هنا... فإذا اعتكفت وزهدت في الأرض وفي السماء... وجدت كثيرا منهم في أماكن العبادة... في المساجد والزوايا والمقابر... فمت إن شئت... أو اتخذ لك سلما في السماء، فالبلد الأمين هكذا.
2 ـ برمجة النصيحة:
كل من هب ودب يسدي نصيحة، توجيها أو إرشادا... افعل... لا تفعل... لو فعلت... لو لم تفعل... يقعد الناصح حتى إذا صممت وخططت وأنجزت وأتممت... فيقدم لك نصيحة، أليس الدين النصيحة؟!
في الإذاعات، في الجرائد، في الحدائق... في الهواء الطلق، في كل متر مربع، قاعدا أو جالسا... تحك رأسك أو تحك مؤخرتك... لا تعدم ناصحا يسدي لك سيلا من النصائح... ولقد امتد بي العمر وأنا أتلقى النصائح من الأب والأم، ومن المعلم والأستاذ والفقيه...وأخيرا من الخبير الدولي العالمي...الخبير في البرمجة وفي التنويم... نصائح: كيف تنام، كيف تقعد، كيف تتنفس، كيف... كيف... وكيف... إلا أنني في هذا العمر الطويل المديد، ما رأيت أحدا ناصحا إلا ويقدم لك وجهة نظره أو رأيه أو رؤيته للأشياء، وبما أن آراء الناس تختلف في كل شيء وحول كل شيء، فلا بد أن يجد غيرك ما يدلي به من رأي... أو... فيسميه نصيحة، ويطلب منك أن تسمعه رغم أنفك، وما رأيت أحدا في هذا الزمن ال... يقول لك: في حسابي مبلغ من المال، أنا لست في حاجة إليه الآن، خذه واقض به حاجة لك، أو أصلح به أحوالك، ثم أعده لي متى تيسرت أحوالك... أو يقول لك: هذا باب من أبواب الخير فتح لي، وأنا متخم، فادخل أنت وكل هنيئا مريئا...هؤلاء لا تجد منهم أحدا، فكل ما تجده هو من يقدم لك الكلام، الكلام ولا شيء غير الكلام، حتى أن النصيحة أصبحت لغوا وابتذالا...
في الحقيقة، لاشيء أرخص من النصائح، بحيث إن الشيء الوحيد الذي يمكن للمرء أن يقدم منه بسخاء ودون توقف أو دون حساب: النصيحة الشفوية، فالكثير منها يتخذ صورا وأشكالا نمثل لها بما يلي:
1 ـ اللون الأصفر: آه لو صبغته بالأزرق أو الأحمر...أو أي لون آخر غير الأصفر...
2 ـ الطويل: آه لو جعلته قصيرا أو متوسطا أو جعلته شكلا لا هو هذا ولا هو ذاك، المهم ألا تجعله طويلا...
3 ـ لو كنت أحمق مغفلا لن تعدم من يسدي لك عبارة من صيغ: يا أخي استخدم عقلك، وفكر وخطط... ولو أنك استعملت عقلك لألفيت من يقول لك: يا أخي أو يا بني: خذ الأمور ببساطة، لا تـفكر كثيرا، وإن استطعت ألا تشغل عقلك أصلا فـافعل، فذو العقل يشقى في النعيم بعقلك...هكذا يقول شاعرنا أو شاعركم.
تمتد النصيحة عبثا في كل مكان وفي كل اتجاه، تمتد من شكل شعرك...إلى لون حذائك، لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا رمقتها وسددتها ووجهتها وجهة حسنة
والأجر على الله، فإذا شئت نصيحة، يكفي أن تقول في الفضاء الواسع، جهرا أو همسا: قدم لي نصيحة، أرشدني... حتى تسمع: اجلس وجهز أذنيك، إني أنا الناصح الأمين والمرشد القويم، والمعلم الحكيم... وفي بلد أمين كهذا البلد الأمين، حيث يعلم الآباء والأمهات وأحيانا الأجداد والجدات والعمات والخالات...يعلمون الطفل أن يتكلم: كيف ينطق الحروف والأسماء والأفعال: بابا زوين، ماما زوينة، يكبر قليلا فيسمع من المعلم: قل: ألف، باء... ومن الأستاذ: ضرب علي الكرة، وأكل الخبز، فعلي لا يأكل التفاح أبدا، يتلو بعضهم بعضا: ﯖـول... ﯖـول... ولا أحد منهم فكر أن يقول له: أصمت واسكت أو صه إذا لم يكن من الضروري أن تتكلم...أن يعلمه متى يتكلم ومتى يسكت...فهذه أمور مهملة، ما سمعت أحدا من هؤلاء ؛ من الأب والأم والفقيه والمعلم والأستاذ... يقول: لنسكت معا وننصت معا، لنشغل آذاننا، فما أكثر ما تكلمنا!وما أقل ما سكتنا! والعاهة إذا استحكمت أهلكت.
امتدت هذه العاهة وانتشرت حتى أن أحد أبناء هذا البلد الأمين إذا لم يتفوه أو ينطق أو يتكلم...أو... يشعر بغصة في معدته أو حلقه أو في أي موضع آخر...لا يوقف لسانه إلا عضوه التناسلي، فإذا احتاج إلى أن يداعب زوجته ويكلمها ويسمعها من السحر الحلال ومن البلاغة المسددة...انقض عليها انقضاضا صامتا، مقررا بملء إرادته ألا يشغل مع العضو الكريم أي عضو آخر... ولو كان لسانا.