بسمتي المقطوفة
بسمتي المقطوفة «ابنتي: فرح، في عامها الثاني»
بسمتي المقطوفة
في ابنتي "فرح" بعامها الثاني
يا بسمةً قَطَفْتُها مِنْ بَسمتي،
أيامَ ما كنتُ صبي
وقُبلةً قَبّلتُها،
ردَدْتُها دَيناً عليَّ مِن أبي
وفرحةً تجدّدتْ،
فأشرقتْ شمسي، وضَاءتْ شُهُبي
رَبَتْ وأرْوَتْ فيَّ صحراءَ،
كأنْ لمْ تَنْزرعْ مِنْ حِقَبِ
يا "طفلتي"،
التي تُذَكّرينَني طُفولتي ولُعَبي
خطوتِ خُطوةً وراءَ خُطوةٍ،
فذَكّرَتْني دَأَبي
أحاولُ المشيَ،
ولا تُصيبُني أثارةٌ مِنْ تَعَبِ
كأنّما أنتِ أنا،
سحابةٌ تسلّلتْ مِنْ سُحُبي
الآنَ تجرينَ هنا،
هناك تلعبين فوق مكتبي
تُـمزّقينَ ورقي، بين يَدِي
تُقلّبين كُتُبي
وتسكبينَ السحرَ في قلبي،
فتصنعينَ أنتِ مَذْهبي
يا "فرحٌ" ملكتِني،
أَسَرْتِ قلبَ والدٍ،
فاللهَ بي!!
تُرسلُ قُبلةً،
ونفسُها مليئةٌ بِرُوح الطَّرَبِ
شعورُها رِضاً جرَى على خدودِها؛
فلمْ يحتجبِ
فأيُّ نفْسٍ نفْسُها،
لا حقدَ لا غِلاً بها، لم تغضبِ
تَنسابُ في العينِ، وتجْري في الفؤادِ،
كالنّدَى في العُشُبِ
كَزَخَّةٍ مِنْ مَطَرٍ ..
على ترابِ مُهْجَتي مُنْسَكبِ
كَوَرْدةٍ تفتّحتْ ..
أمامَ مَرْأَى عاشقٍ مُعَذّبِ
وقدْ أطَلّتْ،
فالصباحُ تائهٌ في الروحِ، لم يَغْتربِ
محبّةٌ تدفّقتْ بعينِها..
فأبحرَتْ بمَرْكبي
ببسمةٍ ساحرةٍ، تنقلُني
مِنْ كوكبٍ لِكوكبِ
إذا جلستُ عندَها تَحُفُّ بي،
كأنّني في موكبِ
كلامُها صوتٌ يَظَلُّ باحثاً معناهُ..
أينَ يختبي
وحينَ ألقاهُ تطيرُ فَرْحةً:
"فهمتَ مقصدي أبي"
وإنْ جهِلتُ سحَبتْ ثوبي:
"أبي، للقولِ لمْ تستوعبِ"
وقدْ وعيتُ أحرفاً ...
مجموعةً مِنْ لفظِها الـمُحَبّبِ
تقولُ: "ذا" للذئبِ، "مَمْ" طَعامُها،
ولفظُ بَطٍّ: "طَبْطَبي"
و"مَامَةٌ" حمامةٌ،
تشيرُ نحوَ أذْنِها للأرنبِ
تُقلّدُ البطريقَ إنْ سألتُها،
و"هَوْ" و"هَوْ" للأكْلُبِ
"تَحْ" تقصدُ: افتحْ، وانتهى تقول: "بَحْ"،
"أُوبَاهُ" معناهُ: اضرِبي
عَدَدتُها تِسْعاً وتسعينَ مِنَ الألفاظِ لمْ تُبَوّبِ
مَضَتْ بقلبي عندَها،
كأنّهُ مِنْ قبلِها لمْ يُنْهَبِ
وسَلَبَتْ بَقيّةً مِنْ عقْلِ شيخٍ،
بالوِشاحِ مُـحْتَبي
رَدّتْ عليَّ بعدَما كَبِرْتُ رُوحَ الطِّفْلِ،
رَدّتْ مَلْعَبي
ظَهْري حِصانُها، ذِراعي حاملٌ،
والبُرْجُ فوقَ مَنْكِبي
رابِعةٌ قدْ طَلَعتْ بعدَ ثلاثةٍ بُدُورٍ نُجُبِ
يا رَبِّ فاحفظهمْ،
فَهُمْ في الجسمِ لحْمي ودَمِي وعَصَبي
أظَلُّ أرعاهُمْ أبِيتُ ساهراً،
وفي النهارِ مَطْلَبي
إنِ اشْتَكى أحَدُهُمْ،
فَكُلُّ جِسمي يَشْتكي ويَطَّبِي
أذَبْتُ عُمْري وحياتي،
ثُمَّ أعُطيتُهمُ في قِرَبِ
عَصَرْتُ نَفْسي يشْربونَها رحيقاً،
مِنْ حَلالِ العِنَبِ
وأمُّهُمْ... قَدْ وَهَبَتْهُمْ
مِنْ رحيقِ الروحِ ما لمْ يُوهَبِ
تُرْضُعُهمْ مِنْ مُعْصِرَاتِ الحُبِّ مُزْناً،
في صباحٍ أعْذَبِ
تُرَدِّدُ الغِنَا لهمْ لحْناً،
شَدَا في قلبِ أمٍّ مُعْشِبِ
كَمَطَرٍ يَعْزِفُ للأرضِ لُـحوناً،
مثلَ لحْنِ العَتَبِ
مَعزوفَةٌ قُدْسيّةٌ...
تَنْتَظرُ الأولادَ وَسْطَ الحَطَبِ
نجاحُها حينَ تَرَى أولادَها
قدْ حَلّقوا بِالرُّتَبِ
وتَطْمَئِنُّ نَفْسُها،
إذا نُفوسُهمْ بِحالٍ أطْيَبِ
وحينَ يَغْدونَ..
قلوبُهمْ بِلا كَآبةٍ أوْ كَرَبِ
هُمْ يَكْبُرون،
وأمُّهمْ وَهْناً على وَهْنٍ، وعُمْرٍ أحْدَبِ
تَجري دِماها في دِماهمْ،
فَحياتُهمْ بِوادٍ مُخْصِبِ
نَمَتْ غُصونُه،
وغَنّتْ فوقَهُ حمامةٌ في عَجَبِ:
(يا أمَّهمُ؛
أنتِ لهمْ أرضٌ وبحرٌ وسَما،
فاحتَسِبي
فَأَجْرُ أمٍّ يَعْجزُ الأولادُ عَنْ قَضاءِ بَعضِ النَّصَبِ)