الأحد ٢٩ تموز (يوليو) ٢٠١٨
في رواية «صديقتي اليهودية» لصبحي فحماوي

بطولة المعلومة وكثافة المعرفة

محمد صالح الشنطي

لا أريد الدخول في مقدمات مطولة حول هذه الرواية التاسعة المدهشة لصبحي فحماوي، والتي لا يمكن إيجازها بسفر جمال قاسم بتاريخ 1-6-1993- في رحلة سياحية من عمان إلى روما، وفي نهاية الرواية نفهم، لماذا كان هذا التاريخ بالصدفة، فيزور الفاتيكان برفقة سائحة أمريكية. ومن خلال السرد نتعرف على معالم الأماكن التي يزورها. يغادر بالقطار إلى مدينة فلورنسا، فتكون له قصة حب مع صبية إيطالية تنتهي بليلة غرام بفندقه تستمر حتى الصباح. يصل إلى مدينة جنوة، فيسافر بالطائرة إلى لندن، حيث يواجه في مطارها صدمة تفتيش وتدقيق في أوراقه، فقط لأنه عربي.. ومن لندن يغادر إلى مدينة ووكنج، فيبيت عند عائلة إنجليزية، ثم مثلها في مدينة بورتسموث التي أبحرت منها سفينة تايتنك المشهورة، حيث يتعرض لضربات عنيفة من مشجعي كرة القدم الإنجليز.. يعود بعدها إلى حافلته السياحية في لندن التي تنطلق في رحلة سطحية من لندن إلى بحر الشمال، فبلجيكا وهولندا وألمانيا والدنمارك والسويد، والنرويج، فتكون (يائيل) الجالسة إلى جواره يهودية من المكسيك.. وخلال الرحلة يتعرفان على بعضهما، فتبلغه أنها سترسل ولديها بعد تخرجهما من جامعة في نيويورك وتهجرهما إلى ما تسميها"إسرائيل"وهكذا يتحاوران بعمق حول موقفيهما المتناقضين من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ويتبادلان قصصاً كثيرة، تنتهي باقتناعها بعدم تهجير ولديها من نيويورك إلى فلسطين، وبوقوعهما في الغرام. تستمر قصة حبهما الذي ينتهى بالوداع في مطار العودة. تنتهي الرواية بمفارقات معاهدة أوسلو عام 1993.
ولذا أقول أن بطولة المعلومة وكثافة المعرفة في رواية"صديقتي اليهودية"لصبحي فحماوي تتبدّى في استعراضه لسلسلة الخطب التي ألقيت في (الهايد بارك)، ومنها خطبة الشاب الفلسطيني الذي يؤيد المعلومة السابقة، ويبين دور بريطانيا في طرد يهود الخزر إلى فلسطين، ويستعرض معلومات تتعلق بالبلدان التي تقوده إليها رحلته، فيتحدث عن سفينة تايتنك(9) ويحاول أن يتتبع الأخبار و المعلومات التي تتصل بالقضية الفلسطينية بشكل أو آخر|(10)

وفي الوقت الذي يتحدث فيه الراوي عن بعض المظاهر التي تعجبه و التي لا تعجبه في البلدان التي مر بها في أوروبا، يعقد مقارنات دائمة بين سلوك وثقافة المجتمع العربي و المجتمعات الأوروبية، ففي حين يتم كل شيء بنظام في الغرب كما اتضح في عملية تبديل البلاط في الرصيف فإن ثمة مشهد يقابله لدينا (نحن العرب) يسهب في وصفه بدقة ليظهر مدى تخلفنا عن الغرب بقوله:

وأما عن فريق صيانة الأرصفة المكون من خمسة أنفار، والذي قد يتوجه إلى الرصيف المُخلّع حتى النخاع.. يعجبك عنفوان أحدهم المتفرغ لقيادة الناقلة، وهو يوقفها على مسرب الطريق، غير آبه بحركة السيارات، وتري ثقة الثاني؛ مهندس العملية أو رئيس عمالها بنفسه، وهو يشد بنطاله، ويثبت تحته القميص المنفلتة أطرافه، ليخضعه إلى بيت الطاعة، ثم يتفحص مكان عملية التبليط الثورية التي ستتم.. وتُضحكك مطاوعة العامل الثالث المتخصص بخلع البلاط المكسور، وغباء الرابع المتخصص بتنظيف المكسرات..وذكاء الخامس المعروف بكونه معلم تبليط.. في استراحة الصباح.. تجدينهم متضامنين متكافلين، إذ يذهب سائقهم ومساعده لشراء الفول والحمص والفلافل، ثم يعودان بالناقلة، فيتجمعون على موقع الرصيف المنتظر، ويتكاتفون حول أوراق الجرائد المفروشة، فيضعون فوق أحبارها السامة الخبز الساخن من الفرن المجاور، وهاتي أكل يا صديقتي، وصحتين وعافية.. تسمعينهم يتبادلون الحديث..
"كل يا رجل.."

"النفس هي التي تأكل.."

"أي أنت مسحت الصحن مسح.."

"لو أنك شاطر بمسح البلاط مثل هذا المسح.."

"أكل الرجال على قد أفعالها.."

يبدأ يومهم وينتهي في هذه المعركة المترامية الأطراف، فلا يبلطون أكثر من مترين.."(12)
السخرية و مفارقات السرد

ويلفتنا هذا النهج الساخر في الوصف و السرد، فهي سخرية تقوم على المفارقة في الموقف، وليس في اللفظ، كما هو الحال في السخرية المفتعلة، فالكاتب يبني سخريته على مبدأ العبث بالنسب (التشكيل الكاريكاتيري) في الرسم، حيث الوصف الدقيق للحركة مع المبالغة في تضخيم التفاصيل المثيرة للضحك، كذلك المقارنة المستمرة، وهما ركنان أساسيان في تفجير السخرية اللافتة لما فيها من الانزياح عن الأصل.

يعمل الراوي على توليد القصص في سياق طبيعي، يساعده في ذلك اختياره للنهج الذي يتبعه الرحالة عادة في تتبع المشاهد الغريبة والطريفة، فضلا عن آلية التلقي الجديدة التي اصطنعها الكاتب و وظّفها لتنمية السرد، وهي آلية التلقي عبر يائيل الصديقة اليهودية المكسيكية، التي تستحث العملية السردية عبر إظهار شغفها بما يقوله الراوي، وهو ما يعرف في النقد الروائي ب (المروي له) لقد أدى ذلك إلى وجود ثنائية سردية يتولى زمامها راو واحد، وهي تتكئ على مبدأ الوصف المعروف في أدب الرحلة، وتبدو دقة السرد في المحافظة على المفاصل التي تتقاطع فيها الرحلتان.

ما يلفت الانتباه في إذكاء روح السخرية في الرواية؛ الاستطرادات و التعليقات، وربما بدت للوهلة الأولى ترهّلا على المتن الروائي؛ ولكننا بعد أن ندقق النظر، تبدو لنا هذه الظاهرة من استراتيجيات القص، التي توظّف لشحن السياق بالسخرية، من ذلك قوله:

"أستغرب كون النساء لا يحكين لك القصص و لا يحفظن النكات.. تجدهن يجلسن مسترخيات مع أصحابهن ينتظرن الرجل أن يحدثهن، و أن يمتعهن بكل شيء يينما لا تبذل إحداهن جهدا لتنفقه على صاحبها"(13)

و مثل هذه التعليقات في القصة وافرة، يأتي بعضها في أعقاب تجربة في بلاد الغرب هنا أوهناك لتكشف عن طبائع الشعوب و مسلكياتهم و ثقافتهم داخل بلادهم، بما يخدم مصالحهم، بينما يناقضون أنفسهم خارج بلادهم، إذا كانت مصلحتهم تقتضي ذلك، تعقيبا على قصة (الإجاصة و الطفل و الأم البريطانية) التي جنّ جنونها لطلب طفلها أجاصة كاملة، بينما كان يمكن أن تتقاسم معه إجاصتها، في حين نجد الإنجليزي الضيف الموظف في شركة ناقلات النفط الكويتية، يقوم بالإجهاز على محتويات مائدة أخيه من الطعام، الذي كان مدعواً إليه، وظل العرض مستمرا حتى آخر قطعة كما يقول، الأمر الذي يفسر به الراوي كيفية تراكم رأس المال في الاقتصاد البريطاني، و مقارنتها بطبائع الشعوب العربية و ثقافتهم (14) وحديثه عن عينات الطعام التي قدمت له، والتي استبعد عن تناولها لعدة دقائق، بسبب التزام صاحبة البيت بالوقت، التزاما مستفزا، مما اضطره إلى إكمال وجبته بعد خروجه من سلطان هذا النظام المدّعى.

وقد بدا واضحا أن الكاتب منذ العنوان أراد أن يومئ إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي المفارقة التي تلخص الموقف برمته، و المفارقة تعني التقاء النقيضين على صعيد واحد: فاليهودية (يائيل) تنتمي إلى معسكر العداء التاريخي، والراوي يمثل القوم الذين كانوا ضحية لليهود، وهم الفلسطينيون؛ إذ توصف العلاقة بينهما بأنها صداقة، ليفجر المفارقة، و العدو نقيض الصديق، و ياء المتكلم تفيد الحميمية بإضافتها إلى صديقة، ولكن الكاتب يحرص على أن يصف يائيل باليهودية المكسيكية، و ليس بالإسرائيلية، فيشير إلى الجانب الديني، وهو ما لا يناصبه العداء، لا الراوي، و لا أحد من العرب والمسلمين، ثم إن الصداقة فيها معنى الخصوصية، فتنتفي الصفة الوطنية أو القومية خصوصا بعد إضافتها إلى ياء المتكلم، وهذا العنوان في حد ذاته يحمل رسالة واضحة، ويفسح مجالا للمصداقية والثقة، فقد اختار الكاتب الجانب الإنساني في العلاقة، ولكنه استحضر الجانب السياسي، وعمل فيما بعد على استبعاده ليحل محله الجانب التاريخي العلمي في حواراته مع صديقته، و من ثم انتشلها من مستنقع الخصومة إلى مساحة رحبة من الشفافية والنقاء، أدرك من خلالها الحاجات النفسية و الإنسانية لصديقته، فطوّر علاقته بها، حتى قطع شوطا بعيدا، وانتهى إلى إقناعها بفكرته الرئيسة، وعدولها عن إرسال ابنيها إلى فلسطين.صارت مقتنعة أن هذه البلاد هي فلسطين، وليست إسرائيل، كما كانت مقتنعة، إذ تُعبأ إعلامياً، وهي تعيش في المكسيك.

تقاطع السياسي و الوجداني

و من خلال الحوار كشف عن جملة من الحقائق التي تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي و عمل على تفكيك معتقداتها و عقدها. إن علاقة الراوي بالبطلة تحولت إلى علاقة حميمية على المستوى الحسي والوجداني و الإنساني، ولكنها انتهت إلى رصيف المجهول، فهل يمكننا والأمر كذلك أن نضع هذه العلاقة في الرواية بموازاة ماتم الاتفاق عليه مع الكيان الصهيوني في (أوسلو)، ونسقط هذه المسيرة على ما يمكن أن يتمخّض عنه الحدث السياسي إذا أحسن التعامل معه، و نحن نعلم علم اليقين أن الكاتب له رأي مناقض لما تم، و أنه كتب هذه الرواية ليقول: إن الحق الفلسطيني واضح، ولا مجال للمساومة فيه، وأن الثبات عليه كما حدث في حوارات الراوي مع يائيل، سيقود إلى الانتصار، كما حدث مع هذه الصديقة التي انتهت إلى الإذعان لرغبات الراوي، بعد أن استطاع استدراجها إلى مخدعه.

الإيقاع الروائي

يتراوح الإيقاع في الرواية بين الإبطاء و الإسراع، ولكن المسألة تقاس بما يمكن أن نفسر به الإيقاع، فالمسألة تتعلق بمختلف عناصر العمل الروائي؛ فالبير يس في كتابه الشهير عن (تاريخ الرواية الحديثة) (15) يرى أن الروية فن كفن العمارة و فن الشعر، وأن الإيقاع هو الفن، ورواية (صديقتي اليهودية) تحتفل بالإيقاع احتفالا كبيرا، وذهب إلى مثل هذا ريتشاردز و نقل عنهما الدكتور أحمد الزعبي في كتابه عن الإيقاع الروائي (16) فتكرار الخطوط والحركات والسكنات و المشاهد والحوارات وفق نظام خاص في النص هو مناط الإيقاع فيه، وهو جزء من لسانيات النص عند اللسانيين، تلك التي تتمثل في الوحدة والتناسق والانسجام و الاتساق، فترتيب البنى الروائية، وتنظيمها، وشبكة العلاقات داخلها، وعلائقها الظاهرة و الباطنة، بما في ذلك"الضبط و التكرار و الترتيب و التوظيف و التوافق و التعارض و التغير و التصادم بين الأحداث و المفاهيم و الأزمنة و الأمكنة والعواطف و الشخصيات و العقد و الحلول.

وفي روايتنا هذه يبرز جدل الزمان والمكان كأبرز الظواهر الإيقاعية في الرواية، فالمونتاج الزماني الذي يثبت فيه الزمن، ويتعدد التطواف عبر المكان، حين ينشغل الراوي في سرد رحلاته و مغامراته عبر الأمكنة، بينما هو جالس في الحافلة إلى جانب يائيل، لا يقتصر على هذه الثنائية الساكنة، بل إن العنصرين كلاهما في حركة دائبة وفي جدل مستمر.. فالحافلة تتحرك و الانتقالات المكانية عبر السرد في حركة دائبة، والحركة المكانية تتخذ محيطها الأوسع في دائرة تنداح لتشمل الدول الأوروبية، حيث تبدو زيارة المعارض الخاصة بالزهور؛ الثابت المكرر و المتغير الأبرز، ثم التصادم بين ثقافات وسلوكيات الغربين و العرب، سلبا أو إيجابا، المكان في تحولاته، و الزمان في تغيراته، و الثقافات في تصادمها، و الوقائع في تواليها، و اللغة في تدفقها وتعدد مستوياتها، ما بين فصيحة محكمة، و عامية مفصحة، و مفردات شعبية، ومناجاة هامسة، و حوارات صاخبة، و جدية صارمة، و هزلية منطلقة، و ما إلى ذلك مما يستلزم دراسة خاصة، ثمة جدل دائب بين الأمكنة المغلقة الضيقة، حيث ضرورات المسكن و المأكل و المشرب، وقضاء الحاجات، كالمنازل و الفنادق و الحافلات والطائرات و القطارات والمغلقة الرحبة كالمعارض و المتاحف والحدائق و المطارات والأماكن المفتوحة بلاحدود، كالمدن و الطرقات والفضاء الواسع، وإن إيقاع الرواية الذي بدأ بلحظة متوترة داخل الحافلة وصلت إلى ذروتها بالصمت الوقائي الذي أشهرته يائيل في وجه جمال قاسم الذي حاول أن يقتحم قوقعة السكوت التي لاذت بها، ما تلبث أن تتسارع وتيرة عبر المحاولات الملحاح المتلاحقة، التي نجحت في نسج خيوط التفاعل بينهما، ثم بدا التصاعد الإيقاعي يتناغم مع حركة الداخل، وبدا مرجله بالفوران الهادئ النسبي، حتى تحوّل إلى تشابك حميم بينهما.
لقد كان للغة التي استثمرها الكاتب دورها في إزجاء حركة الإيقاع على مختلف الصعد، في حزم تتضامّ فيها الجوانب النفسية و المعرفية و الوجدانية و الحركة الجسدية والسخونة الفائرة في الأجساد و المواقف، حيث تتلاصق الأجساد و تتناغم العواطف وتحتشد في غرف النوم الضيقة.

لقد بلغ الإيقاع ذروته حين تضافرت الحركة الكونية ممثلة في إشراقة الشمس مع حركة السفينة (كوين أوف سكوتلاند) وحشود العمارات الملونة المتراصة على الشاطئ، وحركة الركاب بين الغرف الضيقة، وفي قاعات الطعام(17) والانخراط النشط في لعب الباسكت على ظهر السفينة، هذا الاكتظاظ الإيقاعي الكثيف يوازيه احتشاد من نوع آخر، يلامس سقف الفكرة التي تبناها الراوي، وشغلته لتتقاطع مع اهتماماته وعلاقاته الخاصة مع يائيل، فها هو الراوي جمال قاسم يستحضر قصة الفيلم (ميونيخ 80) للمخرج الأمريكي اليهودي (ستيفن سبيلبرج) وعمليات القتل المبرمجة، التي نفذتها الموساد على المثقفين الفلسطينيين، الأمر الذي دفع المشرف على هذه العمليات إلى استشعار بالذنب، و العزوف عن الذهاب إلى إسرائيل، و البقاء في (بروكلين)، وما ترتب على صحوة الضمير هذه من غرامة باهظة، دفعها المخرج(مليون دولار)، الأمر الذي انتهى باقتناع صديقته المكسيكية بعدم إرسال طفليها إلى فلسطين-حسب اقتناعها أخيرا أنها فلسطين وليست إسرائيل- (18) وبدا الإيقاع متسارعا منسجما مع حركة الخارج والداخل حاملا نبض التغير الحاسم في نهاية المطاف.
جمال قاسم و مصطفى سعيد

ربما بدا للوهلة الأولى أن نهاية الرواية مغلقة انتهت نهاية سعيدة بعد أن تمت استمالة جمال قاسم ليائيل، وإقناعها بأفكاره، وعدولها عن إرسال ولديها إلى إسرائيل، بل أكثر من ذلك تدجينها والاستمتاع معها، مما يذكرنا على نحو ما بالطيب صالح في (موسم الهجرة إلى الشمال)مع الاختلاف الشديد بين بنيتي الروايتين، وإن بدا أن كليهما يعمد إلى توليد الحكايات و المشاهد، فنحن نعثر على عشرات الحكايات المتعلقة بالراوي و مصطفى سعيد، و لكنها جميعا تنتمي إلى فضاءات روائية إثنية الطابع (السودانيون والإنجليز)، و لكن مصطفى سعيد كان مولعا بالنساء الغربيات؛ يعاشرهن معاشرة الأزواج، وكان سببا في انتحار بعضهن، ثم قتل عشيقته التي أصبحت زوجته فيما بعد (جين موريس) وكأنه ينتقم لشرفه الذي أهانته هذه الزوجة، بعد أن عرّضت به على رؤوس الأشهاد (19).. كانت مسألة العلاقة بين الشرق والغرب؛ محور النصين، مع الاختلاف الواسع في التفاصيل، فقد كان جمال قاسم عاشقا للمرأة الغربية التي جرب إقامة علاقات حميمية معها؛ ولكن دون أن يعنف معها؛ بل يصادقها و يواددها كما فعل مع صديقته اليهودية، التي تعلقت به، ولم يعان من أية عقدة نحوها، في حين كان مصطفى سعيد الذي قضى ردحا طويلا من الزمن في لندن، و تمثل الثقافة الغربية، وانخرط فيها من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، أما جمال قاسم فكان سائحا ورجل أعمال، تشغله هوايته و مهنته المتصلة بالنباتات و الزهور و الحدائق كما تشغله قضيته الوطنية التي تتعلق بالتحرر الوطني، في حين كانت القضية التي تشغل مصطفى سعيد قضية التخلف والإصلاح لذا عاد ليقيم في قريته (ود حامد).

ليس المقصود المقارنة بين الروايتين، ولكنني أردت أن أشير إلى السياق الرؤيوي و الجمالي الذي تنتمي إليه رواية (صديقتي اليهودية) فهذه الرواية التي تنطوي على المفارقة في نسيج العلاقات الإنسانية بأبعادها الاجتماعية و السياسية و الفنية، ذات نسق فكري وجمالي له خصوصيته؛ ولكنه يتموضع داخل الخارطة الفكرية التي تنظر إلى المسألة الحضارية والثقافية، بمنظور شديد الرحابة والسعة، ولا تنتهي نهاية مغلقة، كما قد يتبادر إلى الذهن، و لكنها تنفتح على آفاق واسعة، عبر منظار إنساني قد يبدو ضبابيا ولكنه يعد بالكثير.

هذه إطلالة متعجلة على هذه الرواية المهمة أرجو أن أتمكن من العودة إليها ثانية.

محمد صالح الشنطي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى