
بن يونس ماجن شاعرا بكل اللغات
صدرت في العاصمة السورية دمشق قبل أشهر، مجموعة شعرية جديدة للشاعر والأديب المغربي المقيم بلندن " بن يونس ماجن " بعنوان " مناورات في كواليس الصمت "
الإضمامة الديوان عبارة عن 17 قصيدة : وريقات بين مد وجزر / أيها القادم من هناك،/ ماذا يريد الشعراء؟ /جواد مروض يركض في حديقة عمومية/، في بيتنا ذئب/ في هذا النهار الذي يلتصق بظل الشمس/، كلمات عارية / الحرب المهذبة..الحرب المتحضرة / مقاطع كتبت قبل مجيء الشمس/ مناورات في كواليس الصمت/ نبش في وميض العتمة/ كوشم في جسد الوحل/ المطر يرشف نرجسة من حبل سرة أنثى/ شاعر يحاول نبش لهات قصيدة/، قصيدة حلم مشاغب / قصيدة يسارية…/
المؤلف المومأ إليه صدر عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع وجاء في 80 صفحة من القطع المتوسط ، فيما ازدان بلوحة للفنان العربي نزار صابور .
يتوزع الإنتاج الإبداعي للشاعر المغربي بن يونس ماجن المقيم بلندن ما بين اللغتين العربية والفرنسية ، إضافة إلى الانجليزية .
بالعربية نجد له :1. أناشيد الضباب لندن 19882. مسامات دار الحداثة بيروت19933. لماذا لا يموت البحر؟ القاهرة 20024. هم الآن يكنسون الرذاذ دار الأوائل دمشق 20055. حتى يهدا الغبار دار الأزمنة عمان 20066. أسد بابل يختبئ وراء تمثال السياب دار نعمان للثقافة لبنان 20077. مناورات في كواليس الصمت دار نينوى دمشق سوريا 20078. في إصدار جديد عن دار الزمان للطباعة والتوزيع والنشر في دمشق- سوريابعنوان"فرامل لعجلات طائشة في الهواء"ويقع الكتاب في 83 صفحة من القطع الوسط، ويضم بين دفتيه 20 قصيدة أمالوحة الغلاف فهي للفنان جبر علوان ، فيما عاد تصميم الغلاف جمال الأبطح.
وله أيضا انتاجه الأدبي باللغة الفرنسية
فيما يقتصر إنتاج الشاعر في اللغة الانجليزية على مجموعة جديدة قيد النشر ، وقصائد منشورة في انطولوجيا انجليزية ، وتجدر الإشارة إلى أن قصيدته " سجن أبو غريب " نالت جائزة الانترنيت الأدبية.
وقد حصل الشاعر المغربي بن ماجن على جوائز عديدة منها ، ناجي نعمان الأدبية لعام 2006
وجائزة التكريم عن المجموعة الشعرية " حتى يهدا الغبار".
من قصيدة: "وجوه انتهت مدة صلاحيتها" نقتطف:
وجوه بلا تجاعيد مقنعةكسيرة النفسمنكمشة الابتسامةوجوه كأكياس النفاياتيتراكم عليها غبار السنينيسوقها التيهإلى فراغات مذهولةويزج بهافي خراب الغثيانوجوه مجهولة الهويةجرداء التقاسيمنسيها التاريخوتنتظر تثاؤب الزمن..ص.5
المقاطع التي نوردها من ديوان الشاعر المغربي بن يونس ماجن المقيم بلندن، لا تضطلع بمهمة التوضيح على أن الشاعر ينزع إلى الكونية في شعره فقط من داخل غربته ، وإنما إنسانيته ، والحال أن مجمل أعمال الشاعر تطمح أن تكون بلاغا حقيقيا، وشغبا صادقا وجميلا يزاحم بشكل من الأشكال في تشكيل صوره أكثر واقعية للإنسان في النظرة إلى الشعر، باعتباره "الحياة" في أبعادها الكونية من كوة الاغتراب أو الهوية ..الشعر في نهاية المطاف ، في نظر الشاعر " ذلك القول البهي ، الذي لا يمكن أن يتحقق ، من منظور الإبداع ، إلا بواسطة الخرق المتعمد لأ صول الكلام ." الانزياح" انه الشعر في أرقى مدائحه، وسمو غاياته ، كما يراه بن يونس ويتذوقه في غربته اللندنية .
فالقارئ العربي ، وهو يتفاعل مع نبضات الشاعر بن يونس ، على نحو خاص احدث قصائده " أبجدية الصلصال " يأمل أن يتقاسما معا القبض على جمر هذه التجربة الراقية والمضمخة بإكسير الغربة الفاجعة ، والمنتجة في آن ، بالأيادي البيضاء النقية في تمازجها الحميم بين الذات والوجود ، الذات والآخر ، الذات والذات نفسها ، حين تعتكف في رحلة بحث عن نفسها قد تطول :
منذ أمدوأنا ابحث عنكبين رفوف الغباروزوايا التيهأيتها الهاربةارجعي إلى مخيلتيوادخلي حناياهابسلام دائميا سرابانضب معينهفي يوم ممطرياغيمةحبلى بانتشاء الغيث. ص7
وجع الغربة مؤلم ، أيها القادم من هناك ، رسالة يوجهها الشاعر بالواضح إلى كل العقول المهاجرة ، كي تحترس بأقدامها الناعمة على شوك براري الهجرة حتى لا تدميها منذ الصدمة الأولى ، فخرائط العالم حروب غير عادلة تزكم أنوف الوافدين بلا استئذان.
وبما أن للغربة وجهين ، فالشاعر يمقت الوجه الآخر المدنس لغربته ، ويلعنه بكرة وأصيلا :
أيها القادم من هناك/كيف تسير في جنازة وطننا /وأنت تتلذذ بغنائمك /وتحاصرنا/وتداهمنا بوحشيتك/وتستحوذ لنفسك أكسجين حياتنا/ما أتعسك أيها الصليبي الأبله ص14
باسم الديموقراطية تنتهك حقوق الشعوب العربية" اما الشعر فهو العزاء الوحيد في الغربة "
كلما اختليت خلسة إلى الشعرينساب الانزواء في مساماتيو يقاسمني مرارة الانكساراتكأنه غمامة متنكرة" بزي الرذاذ"
عن الكتاب المغاربة ، عن الهجرة والاغتراب ، يروي الشاعر بن يونس ماجن في حوار مثير نقل عبره حسن الوزاني تفاصيل حياة شاعر مغربي ترك بصمات دالة على مستوى الإنتاج الأدبي العربي في بريطانيا "
يقول ابن ماجن ""جئت إلى بريطانيا كعامل يدوي مهاجر للبحت عن لقمة عيش لأعيل بها عائلتي ، ولتحسين أحوالي المعيشية ، ولأحصل على وضعية اجتماعية أفضل. كانت فلسفتي في الحياة الخبز أولا، الثقافة ثانيا" مضيفا "
لهذا ، أنا قبل كل شيئ "فكانسي" لفظ يطلقه المغاربة على المهاجرين ابن مرحلة السبعينيات" قبل أن أكون كاتبا وشاعرا"
يعترف الشاعر للوهلة الأولى باعتزازه بوطنيته " أعيش في لندن مناخا مغربيا محضا، رغم أنني بعيد كل البعد عن التظاهرات الثقافية العربية. لا دخل لي في السجلات الثقافية ، ولا أنتمي إلى نوادي أدبية ، ولا أحضر اللقاءات الشعرية.. أتفاعل مع النت.. بتواصلي مع بقية المبدعين المغاربة والمشارقة.
لكن، كيف يتسنى للشاعر ان ينتج شعرا رفيعا يتسم بالكونية، وهو في شبه عزلة عن العالم؟ يجيب الشاعر "
أتابع عن كثب إبداعات المغاربة على الشبكة العنكبوتية، وأقرأ عن أنشطتهم الثقافية في الملاحق الثقافية للمجلات والجرائد التي تصلني في مقر عملي.
وعبر الانترنت نتبادل أخبار آخرالاصدارات ونجري الحوارات الثقافية ونناقش أفكار المبدعين والمبدعات في جميع المجالات".
فالكاتب لا يشعر طوال تجربته الشعرية،" بأن هناك مشكلة لغوية" ، إذ يكتب باللغات العربية والفرنسية والانجليزية . ويؤكد أن الاغتراب أنضجه شعريا ولغويا" فلم ينسلخ عن واقعه المغربي و العربي ,ولم يعان كغيره من أدباء المهجر" من مشكلة الذوبان وفقدان الهوية"
عن نظرته إلى واقع الثقافة والإبداع في موطنه الأصلي يصرح الشاعر ابن ماجن لحسن الوزاني ".
أعتز وأفتخر وأقول – على ما اعلم – أنني "الفكانسي" المغربي الوحيد من الرعيل الأول الذي يبدع في الشعر وتصدر له الدواوين الشعرية من آن لآخر" ويضيف قائلا" رغم أنني أجهل الكثير عن الإبداع في المغرب- ان هناك تجارب شعرية شابة تستحق الاهتمام والتشجيع لأنها في اعتقادي ، تقدم تجربة مثيرة ومبدعة وذائقة شعرية جديدة "
وفي المغرب شعراء عديدون بطبيعة الحال منهم الجيد ومنهم الرديء وليس كل ما يكتبونه نضعه في خانة الشعر..
لكن مالذي أضافته الغربة في إلى سجل الشاعر المغربي ؟
"منحتني لندن فضاءات واسعة ومناخات إنسانية.. وأتاحت لي النفاذ الى جوهر المنجزات الثقافية الغربية .. ووجدت فيها المناخ الذي يناسب تجربتي الشعرية..
كذلك لعبت لندن دورا هاما في ابداعاتي الشعرية بضبابها وطقسها المتغير وشرائح سكانها المتنوعة الأجناس وبنهرها التايمس الهائم بين الضباب والصقيع،
لندن، هي بالذات قصيدة طويلة لم أكتبها بعد.
وجودي في لندن ليس الا إثراء لثقافتي العربية.."
وهكذا تجدني أدخل في عراك يومي مع لغاتي التي تحتاج مني الترويض والمراوغة والمداعبة الابوية.. أكتب باللغة التي أتحدث بها..
اذن أعلن هنا أنني لست شاعرا فرنسيا ولا انجليزيا
بل أنا شاعر مغربي عربي يكتب بلسان عربي ويفضل لغة الام على اللغات الأخرى…
بدأ بن يونس ماجن النشر في أواخر الستينيات . وراكم عددا مهما من الدواوين الشعرية. وبكل اللغات ، لكنه غير متاكد فيما إذا كانت تجربته الشعرية قد حظيت بالحفاوة اللازمن من طرف النقد المغربي والعربي "
أعتقد أن قصائدي تتفاعل بجدية مع الأحداث المعاصرة ، بما فيها آلام ومعاناة الأمة العربية ،
فأنا لا اكتب لجمهور النقاد لأرضيهم.. أنا أكتب النص القوي للقارئ المتلقي الذواق..وليس يهمني ما يقوله النقاد، سواء أكان نقدهم تحطيما أو اطراء ، أو مجاملة.
ان نقادنا يتبعون مدارس واتجاهات نقدية فرنسية بارثية محضة ..وقراءتهم سطحية كثيرا ما تكون بعيدة عن فحوى وجوهر النص الشعري ..ويغفلون عمق تجربة الشاعرالحقيقية والجمالية التي يكتسبها نصه الشعري" قبل أن يستطرد قائلا "
على كل حال، أنا أقبل بأي نقد طالما يبقى في اطار الجدية
والشفافية..ويستخدم معايير نقدية تواكب حداثة النص الشعري.."
وسائل النشر التقليدي لها خصوصيتها ونكهتها، ولا يمكن اغفالها أبدا مهما تطورت وسائل النت ويرى الشاعر "
أن ظهور النت ، قد شجع و ساعد على انتشار الكلمة ، وأتاح لجمهوره التعرف مباشرة على الآخر.. و الشبكة المعلوماتية تخطت كل الحدود ,مما يحقق الانتشار الواسع للشاعرحيث تخلق علاقة مباشرة بينه وبين متلقيه من جماهير القراء ، تتجلى في تبادل الآراء، ومناقشة ما يدور في الفضاء الثقافي بدون قيود ولا رقابة سلطوية.."
أما النشر الورقي ط من وجهة نظره " فما يزال يؤدي دوره بشكل فاعل ، ولا يمكن الاستغناء عنه أبدا ،وهذا ما أومن به.
في أحدث قصائده "أبجدية الصلصال " التي أراد لها أن تطرق أبواب 70 مليون شخص أمي في العالم العربي ، يقول الشاعر المغربي بن يونس الماجن المغترب ببلاد الانجليز "لم يكن الحرف في يوم من الأيام
ولدا شقيا ولا ضالاولم يكن ورقا أبيض اللونيلمع في سواد الليلولا صلصالا اصفرالملامحمضبوطا بالشكل واللوازمبل همزة وصلبين النطق والحوار المتبادل"ويتواصل الحوار "أينما كانت اللغةحتما ستجد الحرفوالمعرفةفي مرتعهما الخصببين طلاب العلموصانعي الحضاراتبعصا العميانيضع الكاتب المتعلمالنقط فوق حروف برايلويقود أفكارهفي نفق معتمعلى جسر مائل"وعلى سبيل الحوار نقرأ"أول الكتابة خربشاتعلى باب المعرفةومداد أسود على ألواح الطينوحروف الهجاءتنمو في أحداق الأطفالأول الكتابةحفر في جدار سميكوشم في ورق الشجر العريقوصفائح من الزئبقاول الكتابةحرث في ارض قاحلةحرث في بحر عميقموسيقى بلون العاطفةوعزف منفرديكون بعض الاحيانخارج النوتاتفلا يهم طالما يسعىالى بلوغ النكهة السرمديةأول الكتابةحرث في رماد الظلبقلم رصاص مبتور الرأسوطباشير غير طازجةوكراسة صفراء اللونمن سقم الاياموحروف الهجاء الجائعةوسطور من النورلا يسطع إلا في الأدمغة المتعبةأول لوحمن خشب العرعارتوشحه البسملةوبحروف الابجديةتفك الطلاسميدق على باب الكلماتبعضم مثلث الأضلاعفتخرج الذاكرةمن كهف النسيانلتلج ٍرأس الصبيالجالس على الحصىالدائخ بهمهمات الحفاظنحن أميون تائهونبين الجهل والوعيوعصا المعلم الغاضبتخبط فوق رؤوسنا الفتيةما جدوى مدارس محو الأميةلأمة ليست بقارئةومداد كأنه بحر يابستسبح فيهأقلام مكسرةنحن أمة لا تقرأ ولا تكتببشراهة نقضم القلموإذا صرنا شعبا متعلما وواعيافسوف يتزعزع الحاكم الغبيويقف لنا بالمرصادوسوف يلعن التوعية والمتعلمينوالفقهاء أجمعينوحتى لغة الضادملايين طن من الورقوأبار من الحبروجبال من الصلصال العريقوسبعون مليون أمييعيشون كالرقيقلتتعرى اللغة أمام الناطقينولتحبل الحروف بلفظ الضادوتبا للجهل اللعينالجاثم على صدور المنسيين"
هذه فقط..شذرات من شاعر كبير لم تفقده الغربة شيئا من ثوابته.