الأربعاء ١٠ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم بسام أبو غزالة

بيروت

بيروتُ،
تحملني رياحُ الشوقِ،
شمسُ الشرقِ،
فوضى المركباتِ العابراتِ بلا اكتراثٍ بالمشاة
حُبُّ الحياة.
بيروتُ،
تحملُني إليكِ
أزقَّةُ الصيفِ المُضمَّخِ بالرطوبةِ،
شاطئُ "الكليّةِ" الصخريُّ،
مزدحما بأصواتِ التلاميذِ العتاقْ
أُصغي لهم يتشاكسون على وِفاقْ
يتفرّقون إلى تلاقْ.
لكنهم في الأمس قد ذهبوا وقد عزَّ التلاقْ!
ذهبوا، وما برحتْ تُرَجِّعُ أضلعي أصواتَهم
جذلى تمورُ بها الصخورْ
هل يُدركُ المتنزِّهون على رصيفِ البحرِ ما تُخفي الصدورْ؟
بيروتُ
ترتعشُ الضلوعُ
إذا همى مطرُ الشتاءِ بشارعِ الحمرا،
وصيَّرَهُ مخاضاتٍ تصدُّ العابرينْ،
فيُفَرِّجون الكربَ في شتمِ الحكومةِ
ثمَّ يحمِلُهُم رُضوخٌ مستكينْ!
كنا نُراوغُهُ، نلوذُ بأيِّ شيءٍ منه:
كوّةِ حائطٍ،
بابٍ عتيقٍ مُهمَلٍ أبقته مفتوحا لسابلةِ الطريق يدٌ حنونْ
أوّاهِ كم كانتْ تلطِّخُنا وُحُولُ الشارعِ المجنونِ،
مكرُ السائقين المُسرعينْ
نُلقي عليهم، نحنُ أيضاً، ما تيسّرَ من شتائمَ
ثمَّ نضحكُ في عشياتِ الجنونْ.
ضحكتْ لنا يوما فتاةٌ من وراءِ زُجاجِ نافذةٍ
فأنستنا تباريحَ المطرْ
رقصتْ مآقينا وأمطرْنا الصبيّةَ ما حفظنا من كلامِ العشقِ،
لكنَّ الصبيّةَ كالسرابِ تباعدتْ خلفَ الزجاجِ
وخلّفت فينا بروقا تستعرْ
فاهبط علينا يا مطرْ!
بيروتُ،
يحملُني الجوى،
آتي أناجي طيفَ من ذهبتْ،
وأبقتْ عطرَها في القلبِ،
في النادي،
وفوقَ مقاعدِ الخشبِ العتيقةِ في حنايا الجامعة.
آتي أعبُّ من السرابِ،
أخادعُ الظمأَ المُعشِّشَ في الضلوعِ،
هنا رشفتُ من العيونِ السودِ
آمالي وأوهامي،
هنا انكسفتْ عليَّ الشمسُ
أحرنَ في حزيرانَ الشراعْ
يا ليتني ما كنتُ يومَ تخطَّفَتْ روحي الدروبُ
ولم أنلْ – حتى ولو مُرّاً على النفسِ – الوداعْ
ناديتُ:
وا بدويّتي الرعبوبَ،
أينَ طوتكِ بيدُ العُربِ،
في أي البقاعْ؟
من ذا الذي جاءت به ريحُ السمومِ
وأسكنتْه بخدركِ الدافي الحميمِ،
فنالَ من شهدِ الرُّضابِ،
من العيونِ السودِ،
حاجَتَهُ بلا ظمأٍ ولا شوقٍ،
فليس لمثلِه ظمئي، وليس لمثلِه شوقي،
وليس لمثلِه عينٌ ترى سحرَ العيونْ.
بيروتُ بَرَّحَني الحنينْ!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى