الأحد ٢١ شباط (فبراير) ٢٠٢١
أحمد حسين مفلح
بقلم خليل محمود الصمادي

ترك كلية الطب واضطر لممارسة مهنة التعليم

عندما نقرأ أن الأديب إبراهيم عبد القادر المازني قبل مئة عام ترك كلية الطب والتحق بكلية فالأمر سيان في ذلك الوقت بين الطبيب والمعلم، وعندما نقرأ أيضا أن الشاعر أحمد شوقي نصح طالب الطب الشاعر محمد العدناني والالتحاق بكلية الآداب بعد أن سمع منه قصيدته التي يعارض فيها (الحسن بن زريق) والتي مطلعها

لا تعذليه فإن العذل يولعه
قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه.
فالأمر في غاية الأهمية لأنه من أمير الشعراء.

أما أن يترك شاعرنا أحمد مفلح كلية الطب البشري ليعمل معلما فالأمر يدل على معاناة اللاجئ الفلسطيني بعد النكبة وهذا ما سنعرفه عن هذا الشاعر المظلوم.

ولد الشاعر أحمد حسين مفلح في بلدة سمخ عام 1940. تلقى علومه في مدارس محافظة درعا في سورية، وتابع تحصيله العلمي في جامعة دمشق، حيث حصل على الإجازة في الآداب/ قسم اللغة العربية, وعمل في تدريس مادة اللغة العربية، في سورية والمملكة العربية السعودية (سنتان) في جدة.

نشر بعض قصائده متأخرا في الصحف والمجلات، وفاز في العام 1980 بالجائزة الأولى لأحسن قصيدة في مسابقة اتحاد الكتاب العرب بدمشق «مجلة الموقف الأدبي» كما نال الجائزة الثانية من مسابقة ديوان قناديل طبريا ـ جامعة الدول العربية ـ منظمة الثقافة والعلوم للشعر الفلسطيني.

بعد تقاعده من التدريس افتتح مكتبة لبيع الكتب والقرطاسية في مخيم اليرموك قرب مسجد القدس.

هاجر من مخيم اليرموك قهرا مع أغلب ساكنيه وحط به المقام في ضاحية قدسيا بريف دمشق حيث توفي هناك 2014..

من أعماله:

«قناديل طبريا» شعر/ دمشق 1977

«عراف الشريعة والضفاف» شعر/ اتّحاد الكتّاب العرب دمشق 1978

«حبيبي بيسان» شعر/ دمشق 1982

«اغتيال القمر لفلسطيني» شعر/ السعودية نادي جدة الأدبي 1983

"ياعيون الجليل" ـ شعر ـ دمشق ـ 2009م

"الروائع" ـ نثر ـ دمشق ـ 1994م

"الفرائد "ـ نثر ـ دمشق ـ 2009م

قال عنه أخوه الشاعر محمود حسين مفلح في ندوة أقامها بالقاهرة شباط فبراير 2021:

لم ينل حظه من التعريف ليس لأنه أخي بل لأنه صوت شعري جدير بأن يعرفه القراء بكل بساطة كان زاهدا في الأضواء وزاهدا في النشر كان مخلصا للقصيدة.

لم ينتسب لأي فصيل فلسطيني بالرغم من أن كثيرا من الفصائل عرضت عليه وبقي على مسافة واحدة من كل الفصائل حتى يبقى بعيدا عن ضغوطها وتبعيتها.

وروى لشقيقه ثلاث قصائد اثنتان وطنيتان وواحدة إنسانية:

الأولى قصيدة عنوانها العابرون كتبت عام1980 مناسبتها رثاء شهداء أربعة شهداء بما عرف بأبطال ترشيحا "معالوت"

يقول فيها:

أحبائي كعود الندُ والريحان قد عبروا
حدود الدوم والعرعرْ
أنا ما زلت أذكرهم
ثلاثتهم بلون القمح
رابعهم فتىً أسمر
كنور الشمس طلعته
وجدع النخل قامته
وأما ثغره البسّام
يحكي الصبح إن أسفر.

وأما قصيدته "دمي زمرة برتقال" التي فازت بالجائزة الأولى عام 1980 لمجلة الموقف الأدبي لاتحاد الكتاب العرب بدمشق وهي تصور حال الفلسطينيين ومأساتهم في ظل الأوضاع المزرية.

يقول فيها:

الريح تحفر جبهتي
قالوا: ابتدئ
النار تسفح دمعتي
قالوا: ابتدئ
من أين ابتدئ..الخناجر مشرعاتٌ
بين حَنجرتي وقلبي
اصطكُّ والنجم المذنب حول جمجمتي
ابتدئ
تزداد سرعته ويقذفني
ابتدئ
اتسلق الطوفان والطوفان يشربني
استدرْ للخلف لا للقصف فالطوفان منا
واستدرتُ فجرَّني الطوفان
واخترق المذنب هامتي
عجبا يريدون ابتدائي
أم يريدون انتهائي
لا تلعنوا برق الشمال
بل العنوا غدر الرجال
حين استدار النهر وابتدأت مطاعنة الظهور
كل الكواكب أعلنت أن المدينة عاهرة
إلا زبانية المدينة برَّؤوها
غاصت ملطخة الحياء
ماذا تبقى للسماء
النسر يصلب ثم يطلب ريشه
ليصير كالحمل الوديع
من الجناح إلى الذنب
ماذا تبقى للشموخ وللذرا؟
تبت يداك أبا لهب
علقت قنديلي النقي وفيه زيت من عيوني
لم يقنعوا مالوا عليَّ
فصادروه وأبعدوني
لملمت أجزائي اصطككت
غدوت جمجمة مضية
فتسلل الحراس بين جنازتي وعباءتي
رفعوا شعارات التهم
كل المدائن أغلقت ابوابها
فعلى جوازي برتقالة
وعلى قميصي خيط دم
خلوا قميصي لست بعثمان بن عفان
أنا برق الجليل
هذا دمي هذا لجرحي ينتمي وهو الدليل
إن تسفحوه من الوريد إلى الوريد
وتصلبوه على الرمال
سيظل حتى في خلايا الرمل
زمرة برتقال.

من ديوان " حبيبتي بيسان "

ومن خلال البحث في عالم النت تبين أن السلطة الفلسطينية قررت تدريس قصيدته "بيسان " ضمن مناهجها في اللغة العربية للصف السادس الابتدائي ومنها:

أما زال في عينيك صيف وأنجم
وفي صدرك الريان مسك وعندم
أما زال بين الضفتين زنابق
تهدهد شوق الغور والغور ينسم؟
خذيني لقد أشعلت كل مراكبي
إلى غابة الدفلى أضيع وأرسم
فراقك مأساتي ووصلك جنتي
حياتي بلا عينيك تلك جهنم
فلا تحرميني من جناك فديته
فأنت شغاف القلب والله يعلم
صبرت وشاب الصبر مني ولم أزل
أكتم من فرط الجوى ما أكتم
إذا الطفل في العامين عز فطامه
فكيف وبعد الأربعين سأفطم!
إذا لم أخضب وجنتيك ثلاثة
علي شميم البرتقال محرم

هذا عن شعره الوطني الفلسطيني الذي التزم به وكانت جلَّ قصائده من هذا الضرب المفعم بالمقاومة والثورة والتمرد على العدو، فكتب عن القدس والجليل و بيسان وسمخ وطبرية، والمطران كبوتشي و عن الأرض والزيتون والزيت والزعتر وغير ذلك من مفردات المقاومة إلا أنه لم ينس بعض القصائد الوجدانية التي تصف مشاعره وأحاسيسه
قال في قصيدة يبتهج بها بقدوم حفيدته جمان:

جلست على عرش الفؤاد جمان
وتربعت وكأنها سلطان
ملكت شغاف القلب دون معارك
واستسلم الحجاب والفرسان
وتساقطت كل الحصون بلمحة
وتهاوت الأبراج والإيوان
وتبخترت بين الصفوف وأومأت
والصولجان بكفها نشوان
رباه قد أكرمتني بحفيدة
هي للسعادة والمنى عنوان
هبة السماء هي الملاك بعينه
هيهات أن يرقى لها إنسان
ما أنتِ إلا وصفة سحرية
تشفي العليل أعدها لقمان
لا تسأليني ما الذي أحببته
فيها ففيها الروح والريحان
آمنت بالسحر الحلال إذا همى
هتف الوريد وغرد الشريان.

مر الشاعر بثلاث مراحل ساهمت في تكوينه الشعري والأدبي
المرحلة الأولى في مخيم درعا:

حيث لجأت الأسرة من سمخ إلى درعا واستقرت هناك في مخيم اللاجئين الفلسطينيين حيث لا ماء إلا بصعوبة ولا كهرباء في المخيم حيث نال من هناك شهادة الثانوية العامة عام 1960 بدرجات عالية هيأته لدخول كلية الطب ولكن..؟

ولكنْ بسبب الفقر اضطرت العائلة أن يكسب رزقه مبكرا ولم تستطع أن توفر له نفقات الدراسة مع أن الذين حصلوا على أقل منه بعشرين درجة دخلوا كلية الطب وأصبحوا أطباء مشهورين، فعمل مدرسا في وكالة الأونروا براتب قدره 300 ل س وهذا مرتب كبير في حين كان مرتب المعلم في مدارس الحكمة السورية بمقدار 200 ل س وسجل في كلية الحقوق وأنها دراسته فيها ثم سجل في كلية اللغة العربية وتخرج فيها وكان في هذه المرحلة يكتب الشعر دون أن ينشره ، وفي هذه المرحلة بدأ يكتب الشعر الوطني والوجداني منذ أن كان طالبا في الصف التاسع دون أن ينشره في المجلات والصحف.

المرحلة الثانية:

وهي مرحلة التعليم في منطقة القنيطرة:

بعد حصوله على الثانوية العامة عام 1960 تمت الموافقة على تعينيه مدرسا في الأونروا تنقل في عدة قرى هناك منها "الحمة " التي تبعد 12 كم عن مدينة طبرية وقرية "جلين" وغيرها والحمة من أشهر المناطق الجميلة وتعرف بالمياه المعدنية التي تشفي الأمراض الجلدية. بدأ حسه الشعري يتبلور منذ عام 1965 أي بعد انطلاق الثورة الفلسطينية، في هذه المرحلة تطورت أساليبه الشعرية بسبب الطبيعة الخلابة وقراءته لكتب الأدب والقانون حيث كان منتسبا لكليتين في الوقت نفسه كما أشرنا، وبالرغم من تفتح قريحته الشعرية إلا أنه لم ينشر من شعره إلا القليل ولم يشارك بأي ندوة عامة بل ركان يلقي قصائده في المجالس الخاصة؛ لأن المناطق البعيدة تبعد أصحاب المواهب عن الأضواء وكان حظه من التعريف والشهرة هناك قليل جدا.

المرحلة الثالثة في دمشق:

بعد حرب 1967 لجأت الأسرة لدمشق وكان الشاعر قد تخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية فعيِّن في إعدادية المالكية التابعة للأونروا في مخيم اليرموك وبقي بها حتى تقاعده في ثمانينات القرن الماضي.

في هذه المعرف بدأ الناس يعرفونه ويعرفون شعره إذ شارك في بعض الأمسيات والندوات الشعرية مع عدد من الشعراء الفلسطينيين والسوريين أمثال علي الجندي وممدوح عدوان ونزيه أبوعفش وحسن البحيري وغيرهم.

وبعد تقاعده من التعليم افتتح مكتبة لبيع الكتب والقرطاسية اسمها "مكتبة فلسطين" مقابل جامع القدس في شارع 15 وهناك بدأ يهتم بالنشر أكثر من قبل وأصبح ينشر قصائده في المجلات والصحف.

العوامل التي ساهمت في تجربته الشعرية

شعر أحمد مفلح غني بالثقافة والإسقاط التراثي والتاريخي والقانوني فقد كان مولعًا بكتب التراث التي كانت متوفرة في مكتبته المنزلية والعامة، وكما أن دراسته للغة العربية ساهمت في إغناء لغته وبلاغته وأسلوبه السهل الجميل، أما دراسته للحقوق فقد أعطت قصائده بعدًا قانونيًا ساهمت في شرح القضية الفلسطينية واغتصاب الصهاينة لفلسطين ومعاناة اللاجئين أو من بقوا في البلاد.

لماذا تجاهله النقاد والدارسون:

أحمد مفلح شاعر ظلم كثيرا ولم يعره الناقدون والباحثون اهتماما يليق بشعره، فإن بحثت في النت لا تجد له إلا القليل القليل من شعره، وإن زرت المكتبات المشهورة فيصعب عليك أن تجد له ديوانا في رفوفها بالرغم من دواوينه العديدة، وإن بحثت في رسائل الماجستير والدكتوراه فلن تجد طالبا سجل بحثا باسمه بالرغم من أن من هم أقل منه شاعرية نالوا حظا من الرسائل الجامعية ونال مقدموها على الشهادات العالمية.

ولا شك أن استقلاليته كشاعر لا ينتمي لأي فصيل أو تنظيم كانت أيضا سببا في عدم شهرته فللأسف فإن معظم المؤسسات الفلسطينية لا تنظر إلى الإبداع بقدر نظرتها إلى شاعر أو كاتب منتم لها، وكم من مبدع مسقل لقي الجفاء من الصحافة والمنتديات الفصائلية التي كانت في يوم ما منبرا لعدد كبير من الشعراء والأدباء فلسطينيين وغيرهم.

وفي الوقت نفسه يتحمل الشاعر المذكور جزءا كبيرا من التجاهل كما قال شقيقه محمود لأنه كان عاكفا بشعره عن الناس والمنتديات والصحافة والأضواء ، فقد كان مخلصا جدا للقصيدة فقد أعطاها جل اهتمامه، ولم يهتم كثيرا بالأضواء والإعلام والنشر.

وربما أيضا أن وفاته المبكرة أي قبل شيوع وسائل التواصل الاجتماعي أحجمت عن تعريف الناس به بشكل يتناسب مع شعره.

ومن المفارقات أنه بعد وفاته اعتمدت السلطة الفلسطينية ضمن مناهجها قصيدته المشهورة "بيسان" فلو كان حيا فلا شك أن الفرحة ستعلو محياه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى