تقديم المجموعة القصصية «فحص مضاد» في أصيلة
نظمت جمعية الأصيل للثقافة والفنون وجمعية آفاق الثقافية حفلا لتوقيع المجموعة القصصية "فحص مضاد" للأديب أبو الخير الناصري، وذلك مساء السبت 28 يناير 2023م، بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بأصيلة.
شارك في هذا اللقاء الذي سيره الأستاذ مصطفى البعليش الباحثون: الدكتور عبد المالك عليوي، والأستاذ محمد المودن، والأستاذ عبد الصمد مرون.
بعد كلمة ترحيبية للجمعيتين بالمناسبة، أُعطيَ الكلمة الدكتور عبد المالك عليوي الذي اختار لكلمته العنوان "أبو الخير الناصري يمطر بوحا"، فقدم مجموعة من المفاتيح المساعدة على اكتشاف عوالم المجموعة من حيث لغتها، وأحداثها، وما تضمنته من أمكنة وأشخاص.
وقد أشار د.عليوي إلى أن هذا العمل يقدم فصولا من الحكي المشع بلغة شفافة، سلسة، تدعوك للوهلة الأولى إلى السفر بين روابي الاستعارات الناطقة بشعرية التفاصيل، وبحكايات شخوص وطباع أناس من القيعان الأصيلية وغير الأصيلية، وعادات و سلوكات بشرية قلما نعيرها اهتماما ونحن نمضي مع تشظي الزمان وانفصالاته القاتلة.
كما ذكر أن السارد في فضاء المجموعة يعيد ربطنا بأزمنة توارت وذاكرة متحركة تطبعها الحيوية، ولكن طابع الموضة والشرط التاريخي يجعل السارد مستمسكا بلغة الحنين، والمكان القابع في ذاكرة جمعية، تطارده عبر منعرجات الطفولة، والحاضر والمستقبل، هي حركة وجود يعشق ركوب فصول حلزونية تلقي به في أتون الحياة في سعتها وتقلباتها السريعة أملا في عشق الجمال وأملا في قبض فصل طويل من الحكي والحكي المضمخ برذاذ القيعان.
المداخلة الثانية كانت للأستاذ محمد المودن، وجعلها في محورين:
انطلق في المحور الأول من السؤال: "هل تخلى أبو الخير الناصري عن شخصية الناقد في عمله القصصي أم إن هذه الشخصية حاضرة في قصصه القصيرة؟".
وميّز في الإجابة عن السؤال بين من يمارس نقدا على العمل الأدبي وبين من يمارس نقدا من خلال النص الأدبي، وقال إن المجموعة المحتفى بها لا تخلو من ألوان من النقد الخفي وغير المباشر تدل على نضج المؤلف الذي جعل النقد متكلما داخل فن القصة مع أنها من الفنون التي نعتها نورثروب فراي بأنها خرساء. واختار ذ.المودن عددا من قصص المجموعة لتحليلها وبيان المنزع النقدي فيها (دروب/ اختناق...).
في المحور الثاني من مداخلته توقف المتدخل عند خصوصية المكان في المجموعة، واصفا إياه بأنه يؤدي أدوارا رئيسة، وذلك لأن أسماء الأمكنة في "فحص مضاد" ترتبط بتمثلات المتلقي، ولاسيما الأمكنة الحقيقية الموجودة بمدينة أصيلة (للا رحمة/ مدرسة ابن خلدون/ الطيقان/ حديقة محمد عابد الجابري/ سينما مكالي/ مقهى مكناس/ مقهى الأميرة/ مطعم الجوهرة/ CASA PEPE...)، وهي أمكنة لا تحمل الحدث فحسب، ولكنها تجعله حائكا لما يلي قراءة القصة من تأويلات واستحضار للذكريات.
وربط ذ.المودن المكان بالذاكرة، مقسما إياها إلى نوعين داخل المجموعة:
ذاكرة صادقة ارتبطت بذكريات عاشتها الشخصية وتم استرجاعها، فهي صادقة وترتبط في الغالب بمكان حقيقي تحركت داخله الشخصية في القصة،كاستحضار ذكريات مع الراحل محمد البغوري في مقهى الأميرة، وذكريات الطفولة مع بائع الكالينطي (قصة كليينطي)، وهذا النوع من الذكريات يؤسس أحداث القصة، أو يغير مجراها داخل المجموعة.
وذاكرة حالمة تحلق خارج نطاق الذكريات التي عاشتها الشخصية، فهي تمثل ما كانت الشخصية تتمنى أن تعيشه، وهذا النوع من الذاكرة يلازم تفكير الشخصية ويرتبط بها ويشكل الحدث في القصة، ومثّل له المتحدث بالقصتين "ليلة من حياة نادل" و"اختناق"، ليخلص من تحليل النصوص المذكورة إلى أن الذاكرة والمكان شكلا معا ثنائية تكاد تكون كيانا واحدا يضمن المؤلف من خلاله استمرارية زمن وجود الشخص الأصيلي (ابن مدينة أصيلة).
أما الأستاذ عبد الصمد مرون فانطلق من إشارات موجزة مكثفة عن عنوان المجموعة "فحص مضاد"، ولوحة غلافها، ثم قدم أربع ملاحظات على هامش المتن القصصي مزج فيها بين الحديث في شكل الخطاب ودلالته.
فقد نبه، أولا، على ارتباط الأحداث في قصص المجموعة بالواقع المعيش، مبينا أن الكاتب ينتزع بذرتها من الحياة أحيانا، ويضفي عليها ألوانا من التخييل كيما تستحيل عملا إبداعيا، وهي أحيانا محض تخييل، لكنه تخييل ممكن الحدوث، وهي إجمالا أحداث واقعية، يعزز واقعيتها أن بعض الأماكن حقيقية، وأن بعض الأشخاص من دم ولحم، بالإضافة إلى تعالقها بأحداث معروفة بأصيلة وخارجها كموسم أصيلة الثقافي الدولي.
وتحدث، ثانيا، عن أبطال قصص المجموعة، مبينا تعدد أنماطهم، ذاكرا نمط البطل/ المثقف الحامل لسمات النبل، والقادر على تقليب الأمور على وجوهها (كما في قصة "بسمة شرطي)، ونمط البطل الذي يخلع عن نفسه جلباب البطولة ليسلمه لشخص غيره (كما في قصة "تقرير لم يكتمل")، ونمط البطل/ المحتال الذي يتلاعب بمشاعر الآخرين لخداعهم والاستيلاء على مالهم (قصة دروب أنموذجا)، موازنا في ذلك كله بين نسبة حضور كل نمط من الأنماط الثلاثة.
وأبرز، ثالثا، هيمنة الراوي المتكلم (أنا) في أغلب نصوص المجموعة، مبينا قدرة هذا الضمير على جعل القارئ يستشعر حميمية الذات (الأنا) بمشاعرها التي توهم بصدق الانفعال.
وتساءل، رابعا، عن الصلة بين شخصية الناقد والقاص في كتابات الدكتور أبو الخير الناصري، مؤكدا عنصر الانسجام بين كتاباته لانطلاقه من أسس واضحة، ولإدراكه خصوصية كل جنس تعبيري، مستدلا على ذلك بالموازنة بين كتاباته القصصية وكتاباته الفكرية والنقدية..مستخلصا أن قصص "فحص مضاد" تستنفر القارئ للتفكير فيما نعيشه، وتبني متخيلا حميميا، وتجعل من المألوف والمعتاد مساحة للتأمل والتفكير.
وفي كلمة أخيرة تحدث صاحب الكتاب الأديب أبو الخير الناصري عن ملامح من بداية صلته بالقصة والسرد منذ مرحلة الدراسة بالتعليم الثانوي الإعدادي، مشيرا إلى طابع الحكي الذي استمد بذرته مما كان يسمعه من مرويات والده، ومعددا بعضا من مقروءاته في القصة القصيرة ومظانها كمجلة العربي الكويتية، وجريدة العلم المغربية، والمجاميع القصصية لنخبة من الأدباء.
كما تحدث المحتفى بعمله عن محاولاته الأولى في الكتابة القصصية، وما لقيه من تشجيع من بعض أساتذته في مرحلة التعليم الثانوي، وذكر بداياته في نشر القصص والمشاركة بها في الأمسيات المخصصة لقراءة القصة، مبينا بذلك كله الطريق الذي سلكه قبل أن يجمع عددا من قصصه القصيرة بين دفتي "فحص مضاد"...
شارك في هذه الأمسية كذلك التلميذتان إخلاص أخزان وهبة قيسون بقراءة مختارات من المجموعة القصصية المحتفى بها، وتخللت اللقاء معزوفات موسيقية في الفن الكناوي من أداء فرقة الجمعية المغربية للحفاظ على التراث الكناوي بقيادة المعلم سعيد كويو، وأناشيد من أداء المطرب معاد دغنون، ليختم الحفل بتوقيع الكاتب نسخا من عمله لعدد من الحاضرين.