تلبس الجان بين الحقيقة والخيال
اعتاد معظم الناس أن يُلقوا بأسباب النكبات التي تحل بهم على الآخرين، ليجدوا لأنفسهم بعضاً من العذر للفشل الذي لحق بهم، أو للضعف الذي أصابهم، فيَركنوا للواقع مستسلمين له.. وحين يقع بعضهم بمشكلات اجتماعية، وحالات نفسية معقدة، يصعب عليهم مواجهة الحقائق والتصرف إزاءها، فينطوي الواحد منهم على نفسه محاولاً الهروب بادعائه أنه مصاب بكذا وكذا، ويُستجلب له الأطباء فلا يكادون يعرفون داءه أو دواءه.. ويستغل المشعوذون صيد الضعفاء ويدّعون أموراً غيبية، كأن يكون جنياً قد توغل بداخلهم وأنهم قادرون على إخراجه.. لا شك إنها همجية شرسة على عقولنا.. عقول العرب والمسلمين، لا من الجن فحسب وإنما من شياطين الإنس يُشارك بها مغفلو المؤمنين..
وتلبّس الجان، هو أحد المواضيع المختلف عليها بين الكثير من الناس، وهو من المواضيع التي لا تناقش علانية في العادة، وذلك للمخاوف المرتبطة به والتي تتفاوت بين التسفيه والتكفير من البشر وخوف المجهول من الجن. وكثيراً ما أوقف الكلام في هذا الموضوع لمجرد عدم المقدرة على الفهم، أو لعدم استطاعة التخيل.
ولا شك أن عالم الجن حق كما أن عالم الإنس حق، وأن عقيدتنا في ذلك ثابتة راسخة لا خلاف حولها. لكن الاعتقاد والإقرار بعالم الجن شيء، ومحاولة الربط بين هذين العالمين بالعلاقات والتداخلات والتلبسات والاستعانات والتسخيرات والاعتداءات...الخ شيء آخر. فهذا الأخير هو مدار الخلاف وموطن النظر
حصرالقرآن الكريم أوجه العلاقة والتأثير بين عالم الجن وعالم الإنس في شيء واحد هو الوسوسة
لقد حرص القرآن الكريم على حصر أوجه العلاقة والتأثير بين عالم الجن وعالم الإنس في شيء واحد هو الوسوسة، فقال تعالى على لسان إبليس: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) (إبراهيم: 22). أي أن الأمر محصور في جانب الوسوسة فقط.
كما أننا نتحدى أولئك الذين يدّعون تأثير الجن خارج نطاق الوسوسة بأن يسخّروا الجن لإحقاق حق وكشف باطل. ونقول لهم: أعطونا دليلاً واحداً أنّ النبي صلى الله عليه وسلم استعان بالجن مسلمين كانوا أم غير ذلك!! أما رأينا كيف أن الله قد أعانه بالملائكة.. وبالملائكة فقط؟!!
لكن، هناك عوارض مرضية كالصرْع مثلاً، تتكرر وقوعها بين الناس، فهل هذا يعتبر مؤشراً عند بعض الناس لإثبات قضية تأثير الجن على الإنسان؟
الصرْع مشكل صحي عصبي، يتجلى بواسطة النوبات والأزمات الصرعية الناتجة عن تفريغ تلقائي للخلايا العصبية التي تكون في حالة تهيج مفرطة يمكن تشبيهها بعاصفة كهربائية
وهنا نؤكد، بأن الصرْع من الناحية العلمية: هو عَرَض ناجم عن إطلاق مؤقت للحركة العصبية في الدماغ، والناجمة عن أسباب من داخل الرأس أو باقي أعضاء الجسم، ويتصف الصرْع بنوبات محدودة قد تميل إلى التكرار، وتتسم باضطرابات في الحركة أو الإحساس أو المزاج أو الفكر. وهو من أكثر الأعراض العصبية انتشاراً بين البشر، ويُصاب به ما بين واحد إلى اثنين بالمائة من الناس بصورة متكررة.
وأكثر أنواع الصرْع شيوعاً هو الصرْع الكبير، وفيه يفقد المريض الوعي ويسقط على الأرض وجسمه في حالة تشنج كامل مما يؤدي إلى احتباس التنفس، وخروج الزبد من الفم، وميول لون الجلد إلى الزراق، ويرافق ذلك حركة انتفاضية في كافة العضلات تؤدي إلى اهتزاز الجسم بعنف، وقد يؤدي هذا للتبول. وتنتهي أعراض النوبة بعد دقائق معدودة على الأغلب، ولا يذكر المريض شيئاً من هذا ولا يحس به لأنه فاقد لوعيه، أي في غيبوبة تامة
– مريض يعاني من نوبة صرْع
هذا المنظر المخيف للإنسان المصروع، قد أكسبه نوعاً من القدسية منذ أقدم العصور، باعتباره متلبسا بالأرواح، مما أعطى الصرْع اسم المرض المقدّس في بعض فترات التاريخ. إلى أن جاء "أبقراط" الذي فنّد مفهوم قدسية المرض واعتبره مرضاً من الأمراض، وكانت آراؤه بهذا الشأن فتحاً جديداً في تاريخ الطب. ولا نزال حتى يومنا هذا نعاني من المخلفات الأسطورية القديمة المرتبطة بموضوع الصرْع، وما هي في الواقع إلا أوهام وتصورات خاطئة.
فقد ذُكرتْ لي قصة فتاة تتعرض للصرْع، وادّعت أنها متزوجة من جنّي، وبعد البحث تبين أنها مغتصَبة وقد تقدم بعضهم لخطبتها، فأرادت أن تتخلص من مشكلة عذريتها بهذا الأسلوب. كما ذُكر لي قصة الشاب المتزوج جنيّة، وبعد التحقيق وحلف اليمين بأن لا نخبر والده بالأمر، تبين أنه كان يمارس الحب مع صديقته على الهاتف ليلاً، واضعاً سماعة أذن خارجية على أذنيه، وبينما كان يتحدث معها على الهاتف دون أن يحتاط بإغلاق الباب أو خفض الصوت، فإذا بأبيه يقف خلف الباب ليستمع إلى مكالمته كاملة، وعندما دخل عليه أبوه تذرع الشاب بأنه متزوج جنية، وأنه كان يتحدث معها. وذُكر لي أيضاً أنه جيء بطالب صُرع وتحدث ببعض الكلمات العبرية، وأكد غير واحد أنه لم يتعلمها، فطلبتُ زيارة بيته واطلعت على كتبه، فإذا بينها كتاب "تعلم اللغة العبرية في خمسة أيام" فزال عجبي!!
أما ما يروّج في بعض الكتب المتحدثة عن الجن، بأن بعض أطباء الغرب وافقوا فكرة الصرْع وقالوا بها، ليس فيه توثيق علمي، وإنما هي مزاعم أخذت من الجرائد والمجلات غير العلمية وتحتاج إلى توثيق، خصوصاً وأنّ نتائج الدراسات في هذا الموضوع لا تقبل إلا إذا كانت منشورة في مجلات علمية متخصصة ومحكّمة!! لذلك، أرجو أن يلاحِظ القارئ بأن الدكتور "عمر الأشقر" نقل بعض هذه الآراء في كتابه "عالم الجن والملائكة" ونقلها عنه جمع ممن كتبوا في هذا المجال، كـ"وحيد بالي" و"عبد الكريم نوفان" وغيرهما، ولما طبع د. "عمر الأشقر" كتابه مرة ثانية نقّح فيه وفصّل وزاد ونقّص، وجعل كتابه كتابين فسماهما: "عالم الجن والشياطين" و"عالم الملائكة الأبرار". فحذف ما نقله سابقاً من أقوال أطباء الغرب في هذه المسألة، وكأنه أدرك أن النقل غير علمي.
يمكن أن يستمر الصرْع لشهور أو يبقى مدى الحياة مع انقطاع لمدة عشر سنين في المعدل، ويشفى 50% من الأطفال المصابين بهذا المرض عند بلوغهم مرحلة المراهقة، بينما يضطر الباقون لملازمة الأدوية التي غالباً ما تكون ناجعة وتمكنهم من حياة عادية.
ولكن، قد يعترض بعضهم بادعاء أن قول الله تعالى في سورة البقرة (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) هو دليل على تلبس الجن للإنسان وتأثيره عليه. وهنا أود أن أشير إلى أنه لا يُفهم من هذه الآية إثباتها لتلبس الجن، فالآية الكريمة تتحدث عن الوسوسة لا عن أي شيء آخر. قال القاضي أبو يعلى في "المعتمد في أصول الدين": "ولا سبيل للشيطان إلى تخبيط الإنس، كما كان له سبيل إلى سلوكه ووسوسته"، وكذا قال ابن حزم في رسائله.
والمسّ في هذه الآية هو الإغواء والوسوسة، كذا قال الفيروز أبادي في "معجم مقاييس اللغة"، وقد فسّر الزمخشري وابن عاشور والبيضاوي وأبو السعود وغيرهم من المفسرين، فسّروا هذه الآية على معنى: الذين يأكلون الربا هم من الذين أغراهم الشيطان بالفساد ولا يقومون من مجالسهم في الدنيا أو من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المجنون الذي يحاول أن ينهض فيسقط، فهو كالذي لا يدري أين يتوجه أو كالذي أفسده الشيطان فتنكّب سبيل الرشد وسلك سبيل الغواية. وفي هذا تقارب مع قول الله تعالى في سورة الأنعام (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ) (الأنعام: 71).
من الأعراض العامة لنوبة الصرْع:
* فقدان الوعي والسقوط.
* تصلب عضلي عام.
* تشنج واختلاج إيقاعي.
* كثرة الإفرازات اللعابية.
* غيبوبة واسترخاء عضلي وقد يحدث معه تبول أو خروج براز.
* غالباً ما يكون هناك تقيؤ.
* ارتباك عند اليقظة.
* لا يحتفظ المصاب بأي ذكرى من النوبة.
* مدة النوبة 3 أو 4 دقائق لكن أحياناً يمكن انتظار 20 دقيقة قبل الرجوع إلى الحالة الأصلية.
وعلى هذا أيضاً، يُحمل قوله تعالى في سورة صاد: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) (ص: 41). على المعنى ذاته أيضاً. فالمراد بهذه الآية كما قال ثقات المفسرين: ما كان يوسوس له به الشيطان في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء وما يغريه به من الكراهة والجزع، حتى ضاق بهذه الوسوسة وهذا الإغراء، ولقي منهما عَنتاً وعذاباً، فالتجأ إلى الله تعالى وسأله أن يكفيه ذلك بكف البلاء.
ومما بقي من إثباتات مدّعي تلبس الجان، ورود أحاديث كثيرة تثبت تأثير الجن في الصرْع وفي تلبس الجن للإنسان منها قوله عليه الصلاة والسلام: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فكيف نفسر ذلك؟
إن معظم الأحاديث الواردة حول تلبس الجن للإنسان وتأثيره عليه بالصرْع لم تثبت صحتها عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما الحديث تحديداً: إنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فهذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، إلا أنّ الاستشهاد بهذا الحديث في غير محله؛ لأن مناسبته تقتضي أنّ المراد به الوسوسة. فعن صَفية بنت حُييّ قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته ثم قمتُ لأنقلب، فقام معي ليقلبني (أي ليردّني إلى منزلي) وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمرّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا الرسول صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي على رسلكما، إنها صفية بنت حُييّ. فقالا سبحان الله يا رسول الله!! قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يَقذف في قلوبكما شيئاً. أي بأن تظنّا بي سوءاً لأنني مع امرأة ما عرفتم من هي.
وفي النهاية، أود الإشارة إلى أنّ لهذا الموضوع تفصيلات علمية وشرعية كثيرة، لا يسعنا تفصيلها في هذا الموضع العاجل، واعداً القراء بمزيد من التفصيل في هذا الموضوع في دراسات متخصصة ومفصلة لاحقاً. ولكن أقول ما قاله الشيخ محمد الغزالي في هذا الأمر مستنكراً: هل العفاريت متخصصة في ركوب العرب والمسلمين وحدهم دون بقية الأجناس والأديان الأخرى؟؟!!.
مشاركة منتدى
13 آذار (مارس) 2018, 10:26, بقلم عبدالرزاق مغربي راقي شرعي لاأممن بدخول الجن وةش\كر صاحب المقالة
نعم خرافة تلبس الجن نعاني منها ومن ننصحهه بأن يدهب إلى طبيب مختص تجده غيرراضي
الناس أقرب للشعوذة من الطب تجد من يستغل هدا الوضع وهناك ضعاف العقول يصدقون كلام الدجالين ومع الأسف هناك من هم محسو بو ن على العلماء يشجعو ن