تيمة الهجْرة في مُقاربات ورُؤَى الفنّ السّابِع
1)ـ السّينما تقارب،عبر الصّورة وسرْدِها،تيمة الْهِجرة:
أسدل السّتار على مهرجان "السّينما والهجرة" في نسخته الخامسة، الّذي احتضنته مدينة أغادير بجنوب المغرب، الّذي بدأت فاعِليّاته يوم 23 يناير/كانون الثّاني واستمرّت حتّى 26 منه،بتكريم المخرج السّينمائي المغربيّ محمد إسماعيل،والممثّلة سعاد حميدو التي بدأت مشوارها الفني في سنّ سبع سنوات، في فيلم "الأخ الأكبر" سنة 1981،وهي معروفة أكثر في الوسط الفرنسيّ حيث لعبت أدواراً هامة تلفزيونية ومسرحية، وفي أعمال فنية لمخرجين مرموقين أمثال كلود لولوش وجيرارد لوزيي وأرييل زيتون.
ويندرج المهرجان في إطار تكريس تقليد الاهتمام بتيمة الهجرة، وتتبّع مختلف أوجه المعالجة الفنية السينمائية للظاهرة إذ تتميّز هذه الدّورة بحضور نوعيّ لوجوهٍ سينمائية مغربيّة وأجنبيّة معروفة وناشئة يشغل ريبرتوارهم السينمائيّ موضوع الهجرة الإشكالي، الملحّ والمستعجل؛بحيث سيتمّ عرض أزيد من عشرين فيلماً مطوّلاً بين الدّرامي والوثائقيّ،وأكثر من أربعين فيلماً قصيراً أغلبها إنتاجات جديدة(ما بين 2006 – 2007) تتناول الموضوع فنّياً تتحكّم به رؤية المخرج وخلفيّاته.وما يعطي هذه المقاربات الفيلميّة قوّتها وأثر جماليّاتها أنّ كثيراً من مخرجيها كانوا ممّن عاشوا،أو لا يزالون،في بلاد المهجر،وذاقوا مرارة الإغتراب،وتجربة الحدود بين ضفّتين،وبيْن عالميْن.
ولعلّ أهمّ الأفلام الّتي شاركت في المهرجان:
"الاسلام يا سلام" لسعد الشرايبي، الذي يطرح مشكلة نظرة الغرب إلى الثقافة العربية الإسلامية،وتمثّل فيه سعاد حميدو التي سيجري تكريمها خلال هذه الدّورة، وفيلم" الحلم المغربي" لجمال بالمجذوب، الّذي يصوّر حمّى الارتقاء وأحلام المال والشهرة لمجموعة من الشباب تعيش في جبال الاطلس، وتحلم بتغيير أوضاعها المادّية،و" امرأتان في الطريق" لفريدة بورقية، الّذي يتوغّل في حياة المرأة من خلال قصة أمينة التي تبحث عن زوجها، لأحمد زياد المخرج المقيم في أميركا، الّذي لم يتردد في كتابة فيلمه باللغة الإنكليزيّة حيث يشترك فيه ممثلون مغاربة وأميركيون، و«في انتظار بازوليني» لداوود أولاد السيد، الذي يحكي، بروح ساخرةٍ، قصة معاناة الكومبارس في الأفلام الأجنبية التي تُصوَّر في المغرب،و«عود الورد» لحسن زينون، الّذي تحكي أحداثه، في مغرب العشرينيات، قصة الجارية عود الورد التي اتّخذت من الموسيقى وسيلة لتحرير الروح والجسد من حياة العبودية،و "أركانة" لحسن غنجة، الّذي يصوّر سيدة تقاوم الاستغلال في منطقة نائية في المغرب، تجسّد دورها الفنّانة الوزيرة ثريا جبران.
2)ـ هجرة اليهود في السّينما المغربيّة:
وتوجّهت أنظار جمهور أغادير،بالخصوص،إلى فيلم "فين ماشي ياموشي "لحسن بنجلون، الّذي يتطرّق لهجرة اليهود المغاربة من خلال قصّة شلومو آخر اليهود،ومالك الحانة ببلدة"أبي الجعد"المغربيّة الّتي ينحدر منها عمير بيرتس وزير دفاع إسرائيل الأسبق،وفيلم "وداعاً أيتها الأمّهات " لمحمد إسماعيل، الّذي يروي قصّة حبٍّ بين شابٍّ مسلم وفتاة يهوديّةٍ ينحدِران منْ أسْرتين مغربيّتين، واحدة مسلمة والأخرى يهوديّة، كانتا تنعمان بحياة يخيّم عليها جوّ التّعايش والتفاهم في أحد أحياء مدينة الدار البيضاء، لكن سُرْعان ما تنتهي القصّة بالفشل بسبب والِديْن محافظين جدّاً. وللْإشارة فقد تناول المخرج نفسه موضوع اليهود في التلفزيون من خلال فيلم (علاش لا /لم لا؟)، الّذي يتناول تعايش اليهود والمسلمين في المغرب في شخصي رشا اليهودية وعنبر المسلم.
يتناول الفيلمان موضوعاً جديداً وغير مفكّر فيه داخل ريبرتوار السينما المغربيّة يهمّ تهجير اليهود المغاربة إلى أرض فلسطين تحْت وهم "أرض الميعاد" الّذي روّجت له الإيديولوجيا الصّهيونيّة،وذلك سنوات الستّينيات من القرن السابق، المعروفة بـ "السنوات السوداء للهجرة" حيْث توزّعهم الإحساس بين الرغبة في البقاء في الوطن الأم أو الرحيل عنه في ما يشْبِه صفة الاجتثاث القاسي.
وقد أثار خروج أكثر من فيلم يتناول موضوعه الرئيس اليهود المغاربة،سواء العلاقة بينهم وبين المسلمين أوهجرتهم إلى إسرائيل، إلى القاعات السينمائية في وقْتٍ متزامن الكثير من الجدل والأسئلة الّتي تبحث في الأسباب، والتوقيت، والمقاربة المستعملة في التعامل مع الموضوع، وأهم من ذلك في الصّورة التي تقدمها هذه الأفلام لليهود المغاربة.هل هي صورة أملتها حسابات سياسية وتجارية تحكمت في الموضوع؟ أم هي قناعات المخرجين الشّخصية والخلاصات التي توصّلوا إليها. لكنّ البحث في الأرشيفات السرّيّة للغاية يمكن أن يأخذ الرؤى الإخراجيّة إلى ضفافٍ وأبعادٍ جديدة وخطيرة،بما في ذلك كتاب"العلاقة المغربيّة" الّذي يسرد قصّة العلاقات المغربيّة ـ الإسرائيلية الّتي بدأت عام 1955، حين قرّر الموساد «حماية يهود المغرب»، تمهيداً لإخراجهم إلى إسرائيل، التي أمر رئيس حكومتها الأول، دافيد بن غوريون، رئيس الموساد، إيسار هارئيل، بإقامة شبكة عمليات داخل المغرب، قبل أن تطرح قضية التعويضات المالية التي دفعتها إسرائيل في أعقاب هجرة اليهود للمغرب،والّتي حُدّدت في 250 دولاراً مقابل كلّ يهودي مغربي مهاجر، أي نحو 20 مليون دولار في مقابل 80 ألف يهودي، بالاتّفاق مع المسؤول عن الخدمات الاستخبارية السرّية الجنرال محمد أوفقير.
3) ـ التعدّد الفنّي والأسلوبيّ في أفلام الهجرة:
إلى جانب هذه الأفلام،تمّ عرض أفلام أخرى لمخرجين من الجزائر وكندا وألمانيا و فرنسا ,إسبانيا وبلجيكا وهولندا والولايات المتّحدة. كما أتاحت الدّورة فرصة الاحتفال بالشّريط القصير إذ تعرف عرض حوالي خمسين فيلماً من المغرب وخارجه مثل "سفر سعيد"و "سراح" و"القميص الزرق"و"البذلة الحمراء" و"إرث الصّمت"و"التسامح" و"اذهب عاديا"...غيرها. وكانت الأفلام،الّتي عُرضت بسنيما صحراء بتالبرجت أحد أشهرالمدينة،تتجاوب في التأكيد على أهمّية تيمةٍ تؤسس لفعل ثقافي، وذات راهنيّة مثل تيمة الهجرة عبر الصّورة والحركة في الفن السّابع، وذلك من أجل إيصال ما يعانيه المهاجرون من قضايا عديدة كالكراهية والعنصرية والتمييز، ولا سيّما من وجهة نظر الجيل الثالث من المهاجرين،الأكثر انشغالاً بالتّيمة والوعي بِها جماليّاً وإنسانيّاً.
وفي ضوْء هذه الوفرة،اكتشف المتتبّع التعدد الفني والأسلوبي لأفلام الدورة فيما هي تستند في مسرحة السّرد السينمائيّ لتيمة الهجرة وصورها المعيوشة والمتخيّلة على أحداث واقعيّة ووقائع فنتازيّة.
كما تنظيم ندوات وموائد مستديرة حول ظاهرة الهجرة من خلال علاقتها بالفنّ السابع والتنمية وحقوق الإنسان ينشّطها أساتذة باحثون وأكاديميّون متخصّصون في دراسة وتحليل مختلف تجليات هذه الظاهرة، وظلالها في السينما الفرنسية وتجربة دول امريكا اللاتينية وجزر الكرايبي، طالما أنّ موضوع الهجرة كانت له أبعادٌ متعددة منها ما هو اقتصادي وإنساني، وما هو سياسيّ أيضاً.
وما ميّز نسخة المهرجان الخامِسة،أيْضاً، انفتاحها على الأحياء الهامشية من خلال القافلة السينمائية التابعة للمركز السينمائي المغربي، فضلاً عن تنظيم ورشات تكوينية لفائدة الممثّلين الشباب.
4) ـ إقبال جمهور الفنّ السّابِع في غياب قاعاتٍ سينمائيّة:
وخلال أيّام المهرجان، الّذي تنظّمه "جمعية المبادرة الثقافية بأغادير"،ظهرت مدينة أكادير كعاصمة أخرى للسّينما اختارت تيمةً خاصّة بها تميّزها عن باقي مهرجانات المدن الأخرى مثل مرّاكش وطنجة والدّارالبيضاء، وتمنحها النّكهة اللائقة بها كمدينةٍ سياحيّةٍ ترمز إلى التسامح والتعايش.وعرفت فاعليّات الدّورة إقبالاً كبيراً من قبل عشاق الفن السّابع الذين حجّوا بكثرة لمشاهدة الأفلام المبرمجة خاصة أنّ بعضها يعرض لأول مرّة بأغادير الّتي لاتزال،للأسف،تفتقر لقاعاتٍ عصريّة صالحة للْعَرض السينمائيّ، ولا تزال تشكو من عسر هضم ثقافيّ لغياب مبادرات وفاعليّاتٍ ثقافيّة وأدبيّة حقيقيّة من الممكن أن تساهم في إنعاشها وإشعاعها على المستوى المحلي والوطني والدولي،خارج إطارالفلْكلرة السّائدة حتّى اليوم.
إنّ مدينةٍ، بحجم أغادير وإمكاناتِها،يجبُ أنْ تتطلّع،اليوم، إلى مستقبلِها الّذي لنْ يشرق إلّا بمِقْدار إشراق ثقافةٍ حيّة تتكلّم عمقها التّاريخيّ والثّقافيّ والإنسانيّ في عروض المسرح والسينما والفنّ التشْكيلي،كما في مقاطع الشّعر والسّرد والموسيقى الملتزمة،وإنّ دوْرها السّياحي يبدأ من هُنا بدلاً من الإستثمارات الضّخمة الّتي تأكل منْ لحمِها كلّ يوم.