الأحد ٢٩ تموز (يوليو) ٢٠١٨
سر أوكرانيا،

جديد الشاعر السويسري برينو مرسييه

عبد الغفار سويريجي

يواصل الشاعر السويسري برينو مرسييه اهتمامه بالعالم العربي والاسلامي، حيث أصدر ديوانا جديدا تحت عنوان: سر أوكرانيا عن دار نشر كراس المتوحد بمراكش. يجمع كتاب سر أوكرانيا، تجربتين فنيتين: يضم الكتاب قصائد كتبها الشاعر السويسري عن المغرب وبلدان أخرى، ويحتوي من جهة أخرى على لوحات للفنان المغربي الحسن الفرساوي. تدخل هذه اللوحات ضمن تجربة «شعرغرافيا»، التي بدأها الفنان منذ عدة سنوات، مازجا بين الكتابيّ والبصريّ: «يخرج الحرف في هنا، من إطار الممارسة التقليدية للخط العربي.

تنسج أشعار مرسييه في سر أوكرانيا، علاقات وثيقة مع فن السيرة: يروي الشاعر تلك اللحظات المثيرة التي التقطتها عيناه خلال أسفاره في المغرب وقصة حجه إلى مكة والمدينة.

يتكون الديوان من ثلاثة لحظات شعرية: ذكريات سفر إلى المغرب هي اللحظة الأولى: وثمة يسرد قصة تحوله للإسلام وبحثه عن الطرق الصوفية. يكتب عن أمكنة زارها: يكتب عن مقهى الأوداية، وجبال الكندر.. وكذلك عن رمضان. تدون اللحظة الشعرية الثانية قصةسفر لتركيا، حيث كتب عن «الحمامات" وما توفره من مساحة للاسترخاء. وخص اللحظة الثالثة للاعتدات الارهابية التي شهدتها باريس.

برينو مرسييه شاعر سويسري ولد عام 1957. يشم عوالم شعره طابع إنساني، تتوجه دعوة للتسامح والإخاء. ينفتح النص على مجال الآخر. يكتب مرسييه القصيدة الحرة بلغة شفافة مباشرة: الكتابة بهذا المعنى شهادة عن الأحداث البارزة: يكتب قصيدة الحدث.

كتب الباحث الفرنسي جان فرانسوا كليمان عن كتابات برينو مرسييه ما يلي: «تغيب القواعد التقليدية للنظم الشعري الفرنسي. يفلت برينو مرسييه من شبكات المفروضات الواجبة. يتفاوت طول أبيات الشاعر، حيث تكون غالبا أصغر من البحر الفرنسي الطويل. أما تأثيرات تجاوز جملة البيت الشعري إلى لاحقه مثله مثل الوقف في منتصف البيت قلما تعتمد في هذه الأبيات البسيطة التي يتغير طولها باستمرار، والتي تنفصل أيضا تبعا لوحدات المعنى، وهو ما يوافق في نفس الوقت نظاما في التعبير عن المعنى وفوضى في الشكل المعروض، أي نفسا غير منضبط لقياس هو دون شك علامة على نوع من القلق غالبا ما نجده عندما يتم اختيار بحور شعرية متنوعة ومختلفة.. يفرض الشاعر على نفسه إكراها آخر: تفكيك الجملة وبترها، أو نوعا من الخروج عن القاعدة يصل حد جعل اللازم متعديا.. واعتماد الإضمار وترتيب كلمات وجمل دون ربط. وتلكم كلها أشكال تكثيف غالبا ما تتضمن مجانسات صوتية. وإذا كانت الشعرية لا تحتل إلا شطرا في الديوان فلأن الكتابة النثرية مهمة كثيرا. فبماذا تخبرنا تلك الكتابة؟ إنها تخبرنا بدوافع الرحالة والسياح، خصوصا منهم من يقصدون المغرب حيث تثبت الدراسات المتوفرة أن دوافعهم متنوعة، تزداد وتنقص سلبا وإيجابا حسب الحالات؛ منها ما يرتبط باقتفاء أثر أحاسيس وانفعالات قوية كالقطع مع المعيش اليومي والحياة العادية التي سرعان ما يتم العودة إليها بعد ابتعاد مؤقت. كما أن هناك السفر للقاء أناس آخرين ومشاهد ومناظر مغايرة بالنسبة للجوالين المتأملين. والسؤال المركزي هو لماذا يهرب "سويسري سعيد" عاش "طفولة سعيدة" من خلال التلفاز نحو إيسلندا، وليبيا والعراق وهايتي، ومن خلال السفر نحو كرواتيا ومصر وإيطاليا.. والمغرب (حيث يزور مدن طنجة وشفشاون والعرائش والبيضاء والجديدة والصويرة، ويخص كل واحدة بقصيدة).

والجواب واضح جلي: لم يعد الشاعر يجد نفسه في جنة بلد طفولته فيقوم راحلا هاربا.. فسويسرا اليوم "مجتمع مأزوم قاتم الأمد" يعيد "لعبة مأتم طائرة" ولا يوجد بها غير"الفارين من الكنائس الباردة الحزينة ومن أجراسها الصامتة" فهذا عالم يرشح برائحة الموت. ولماذا التوجه بعد كرواتيا وإيطاليا نحو الشرق الجديد في مصر والمغرب؟ يأتي الجواب كالتالي:"كان الأمل يأتي من إفريقيا.. بعيدا من أكواخ الحضر القذرة."...

هذا الجواب خطير لأنه إذا كان الرحالة يهرب من مدن الشمال فإن ما يجده في الجنوب هي مدن أخرى في أوج تطورها، ومعها كما يبدو في أحد القصائد أشكال حكم متسلطة يسميها الشاعر استبداد "الضفة الجنوبية"! ». إن ما يجعل الحلم قائما هو غياب التحليل السياسي. إنه يحمل فقط طوبى حالمة.. ويشير أنه مفتتن بالإسلام لأسباب جمالية محضة لان المنارة التي "تجعل المسجد غاية في الأنوثة، فتنتني بحسنها."

إن ما يكشفه طلب الرحيل الذي نجده فيه هو أهمية الحلم في خلق علاقة جديدة بالعالم الماضي أو الآتي أكثر منه بالفضاء المغربي. ونفهم أهمية نصوص مثل هذه التي سنطالع من أجل تدبير أكثر عقلانية للتسويق السياحي في المغرب، بما أننا أمام نص يحثنا على جعل التصنيفات الحالية معقدة ومركبة، تلك التصنيفات المؤسسة فقط على عروض تخص الجسد أو الفكر أو العلاقات الاجتماعية أو تأملات المجال. ورغم أن الطلب المعبر عنه هنا هامشي فمن الواجب بناء منتوجات للاستجابة له. ولمن سيكلف نفسه عناء القراءة ليس الشعر دائما شعريا جدا. وفي الأساس هذا هو السبب الذي يجعله يمنح متعة حقيقية بل وربما أعمق الانفعالات مما لا يمكن لمن يجعلون العقل مقابلا للإحساس أن يفهموه.

كتب محمد اشويكة في دراسة مهمة عن تجربة الحسن الفرساوي ما يلي: «قليلون هم الفنانون الذين استطاعوا أن يراكموا جتربة فنية متتح من اخلط مادهتا الرئيسة، وأن يطوعوا كل َها كي ِ َ املواد الصباغية، والسندات التشكيلية، لتطويع اخلطوط وع ْجن تتحول إىل مادة تشكيلية أو برصية تبث يف الروح نزوعا نحو احلرية الفكرية، وتدفع إىل اإلعجاب واالستحسان... من بني هذه الفئة القليلة، الصامتة املتأملة، استطاع الفنان حلسن فرساوي أن يطور جتربته اخلطية مرورا بعدة مستويات نلخصها فيام ييل: االنتقال من َار إىل الصباغات ْ السند الورقي إىل القامش وغريه، واملرور من األحب ِري إىل َّ بكافة أنواعها) املائية، الزيتية... (وأن جيتاز مرحلة الت ْحب ُ مرحلة التشكيل، وأن ينقل اخلط إىل املناطق القولية املَض ّادة فيشكل الشعر الذي يتحدث عن احلب والرقص والغناء وينترص للقيم العليا يف احلياة... وتلك أهم مرحلة فنية يف مساره الفني».

عبد الغفار سويريجي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى