الأربعاء ١٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٤
بقلم عبده حقي

حربائية الديمقراطيات الغربية

واجهت الديمقراطية، التي كثيرا ما يتم التهليل والترحيب بها باعتبارها جسرا للحرية والتناوب على الحكم، نصيبها الوافر من الانتقادات في السنوات الأخيرة بعد الربيع العربي.

إن فكرة الديمقراطية الهشة والنسبية باتت تتجاوز الاعتقاد السائد على نطاق واسع بأن الدول الغربية، التي كثيراً ما تروج لنفسها باعتبارها نماذج ديمقراطية، تجسد حقاً المبادئ التي تدافع عنها. فضلا عن ذلك، هناك وجهات نظر مثيرة للجدل ومناورة في خلفيتها تشير إلى أن الديمقراطية قد لا تكون حلا سحريا مناسبا للكثير من الدول الفقيرة من العالم الثالث والعربي بالخصوص.

تتميز "نسبية" الممارسة الديمقراطية في الدول الغربية بتفاعل معقد بين الإطارات المؤسساتية والديناميات الاجتماعية والسياسية. وبينما تلتزم هذه الدول ظاهريًا بالمبادئ الديمقراطية، فإنها تكشف عن اختلافات في أنظمتها، وهياكلها الحزبية، ومشاركتها المدنية. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، يثير المجمع الانتخابي والتلاعب في الدوائر الانتخابية تساؤلات حول التمثيل الحقيقي لإرادة الناخبين. ومن ناحية أخرى، تعكس الأنظمة البرلمانية الأوروبية توجهات مختلفة في التعامل مع التمثيل النسبي وبناء التحالفات. فضلاً عن ذلك فإن المخاوف بشأن تأثير المال في السياسة لا تزال قائمة في مختلف أنحاء العالم الغربي "الديموقراطي".

إن صعود الحركات الشعبوية قد شكل تحدياً للمعايير الديمقراطية التقليدية، الأمر الذي دفع إلى إعادة تقييم التوازن بين حكم الأغلبية وحقوق الأقليات. وضمن التعامل مع هذه الفوارق الدقيقة، تتصارع الديمقراطيات الغربية مع التوتر بين الحفاظ على المثل الديمقراطية العليا والتكيف مع التوقعات المجتمعية المتطورة، مما يسلط الضوء على الطبيعة النسبية للديمقراطية في هذه الدول.

تشترك التنمية الاجتماعية والممارسة الديمقراطية في علاقة تكافلية، مما يعزز النمو الشامل والمشاركة المدنية. ويكمن جوهر الديمقراطية في حرية الأفراد المسؤولة، وضمان مشاركتهم النشطة في عمليات صنع القرار.

في المقابل، ترتقي التنمية الاجتماعية عندما تدعم المبادئ الديمقراطية السياسات العامة، وتعزز المساواة وتعميم التعليم والرعاية الصحية وغيرهما.

إن الديمقراطية القوية تعزز التماسك الاجتماعي، وتحد من الفوارق الطبقية، وتمكن الفئات المهمشة من خلق وسائل العيش الكريم. كما أن التنمية الاجتماعية تنشئ مواطنين واعين بحقوقهم ومشاركين أساسيين للحفاظ على ديمقراطية صحية وصحيحة.

إن الترابط بين التنمية الاجتماعية والديمقراطية أمر محوري في خلق مجتمع لا يستفيد فيه المواطنون من التقدم فحسب، بل يساهمون بنشاط وفير في تشكيل مستقبلهم الجماعي.

إن مفهومي الديمقراطية الهشة والنسبية يتجاوز الطرح المقبول على نطاق واسع المحيط بالديمقراطيات الغربية، ويحثنا على إجراء فحص نقدي للتناقضات بين المثل والممارسات الديمقراطية الغربية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الطبيعة النسبية للديمقراطية في الدول الغربية تثير تساؤلات وثيقة الصلة حول فعالية ونزاهة أنظمتها الديمقراطية. فضلاً عن ذلك فإن الحجج القائلة بأن الديمقراطية قد لا تكون مناسبة للدول الفقيرة تتجاوز بعض المفاهيم المسبقة، وتدفع إلى إعادة تقييم العلاقة بين الديمقراطية والظروف الاقتصادية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى