الاثنين ٢٥ حزيران (يونيو) ٢٠١٨
بقلم محمد أحمد الروسان

حركة الشارع الأردني ووعيها المشتبك وضرورة مأسستها

والطبّاخ الرديء وأسلوبه ونتاج طبخه من طعم وجودة طبخ، يشكل بمجمله إستراتيجية الطبخ الرديء، وحين تكون بعض مفاصل الأخيرة من نهج وسياسة لبعض الدول والساحات العربية، إن لجهة القويّة منها، وان لجهة الضعيفة، فهي السياسة التي يصنعها عادةً بعض باعة الأرصفة في الأسواق وأمام المساجد يوم الجمعة من كل أسبوع، فلنسقط ذلك على واقع ما تمارسه نخبنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأستخباراتية والدبلوماسية والإعلامية والحزبية، من سياسات لجهة الخارج الملتهب والداخل المحتقن والمتفاقم بالاحتقان، حيث القراءات تقول: نحن على حافة انفجار اقتصادي واجتماعي ولاحقاً أمني، إن بقينا نمارس إستراتيجية الطبخ الرديء. وإذا كان علم فن إدارة الأزمات، من العلوم التطبيقية حديثة النشأة والتطبيق، فانّ علم ما يسمى بالإنذار المبكر، من ذات العلوم الاستقرائية والبحثية حديثة النشأة، والاشتباك بتفاعل أيضاً، انّه علم الفن وفن العلم ضمن الاستقرائيات لأي تداعيات أي حدث كان، وهو ليس أداة تجرح كما في علم الاستخبار. انّه علم يركز بعمق على بؤرة الحدث أي حدث كان، إن بفعل البشر وان بفعل الطبيعة، ويسعى إلى التعرف والتمحيص في مكونات تلك البؤرة، وعمل أدائها السلوكي ومفاعيله وتفاعلاته، ثم التقاط موجات وإشارات البث المنبعثة والمنطلقة، من نقطة المركز، ومحاولات معرفة وقراءة وفك شفرات هذه الموجات والإشارات، ليصار إلى الوصول لمعرفة وسبر غور طبيعة وشكل السيناريو القادم، أو SCENARIO BUILDING EXERCISES، حيث تعد الأخيرة مجرد احتمال، وان كان الأخير في السياسة ليس يقيناً، لكن جل المسألة في علم الإنذار المبكر، يتيح ويسمح وضع الاستعدادات والترتيبات اللازمة، لعمليات احتواء المخاطر وتعزيز الفرص. نعم لا يتعب(ضم الأول)العقل شيء كما المجهول، فالعقل لايخيفه المعلوم، ومن يرد أن يرتاح عقله وقلبه، فعليه ألاّ ينظر في الظلام ويلعنه، دون أن يوقد سراجاً، ولكن رياح السياسة هذه الايام يا قوم، تطفئ السراج في هذا الليل الطويل(يا ليل ما أطولك يا ليل زادك وين، يا ليل زاد الألم وروّنا نجم سهيل يا ليل، ونزلنا على الشوارع رفعنا الرايات خليناها تنادي أحلى الأمنيات، وللأرض منغني ومنكتب أشعار، نرويها بدمانا ومنشعلها نار يا ليل، أغاني للحريه الوحدة الوطنية)، فبقايا داعش ما زالت تطوف في الأنبار وتتمدد على سرير،(أمننا الوطني القطري والذي هو جزء من أمننا القومي العربي بخطر)، وأخوة داعش في الشمال السوري يتورمون يا قوم، وشقيقاتها في جنوب سورية تغير على التخوم(أمننا القطري الوطني الأردني بخطر يا قوم)، وجلابيب دواعش الماما الأمريكية، تترك العش الوهابي وتهاجم أصل العرب أصل العرب يمننا يا قوم. فالعقل لايتعبه المعلوم ولايربكه الا المبني للمجهول يا قوم، لا أدري يا قوم، ماذا تقول المدن المحاصرة والمدن التي تسقط، لمن يذرف الدمع عليها ولمن يتفجّع وينوح حزناً؟ ولا أدري ماذا تقول مدينة محاصرة أو أسيرة، للعيون التي تبكي والحناجر التي تموء؟ لاشك أنّها تحتقرها وتنظر اليها بشفقة وازدراء، ولاشك أنّها تحس بالذلّ من انهمار الدموع على جدرانها، بدل أن تغسل شوارعها أناشيد التحدي وتهز أعمدتها أصوات الرجال، فالمدن الجميلة كالنساء الجميلات يا قوم، لاتحب نواح الرجال، ولاتعجبها الرجولة المنكسرة، ولايميل قلبها الى ذكور يبكون مثل النساء، ومثل أبي عبدالله الصغير الذي غادر مدينته غرناطة باكياً عليها. وكل مدينة أسيرة تبقى حرة يا قوم، طالما بقي لها رجال أحرار يجدّون في أثرها ويسعون الى لقائها وعناقها وتقبيلها. فالحرة لاتسقط عندما تقع في الأسر مهما كانت شدة فتك العدو وهمجيته يا قوم، لكنها لا تغدو جارية الا عندما يبكيها رجالها وينوحون ويندبون حظهم العاثر، تماما كما فعل العرب في مدن فلسطين التي بكوها خلف الأبواب وهم "يستمعون الى فض غشاء بكارتها" فسقطت في العار منذ ذلك الوقت. عقيدة أمريكية جديدة صيغت، حتى تتمكن العاصمة واشنطن من سحب قوّاتها من المنطقة ومناطق شمال أفريقيا كي تعيد تموضع قواتها في الشرق الأقصى، فوفّرت الغطاء السياسي لعمليات حلف بغداد الجديد(الناتو العربي)على اليمن وما زالت توفرها. وهذه العقيدة أيضاً هي في جزء منها يتموضع في سعي حثيث للولايات المتحدة الأمريكية الى انشاء نسخة متطورة ومختلفة من حلف بغداد جديد في الشرق الأوسط، انّه الناتو العربي بمضمون القوّة العربية المشتركة، والتي لا نعرف حتّى اللحظة طبيعة النظام الداخلي لها، خاصةً بوجود(دولتان تلتزمان بمعاهدة مع الكيان الصهيوني)فهل تقبل مثلاً تل أبيب بتدخل عربي لأعادة السلطة الفلسطينية الى غزّة مثلاً؟ والأخيرة آراض محتلة من قبلها، كذلك ما ماهية العقيدة العسكرية لهذه القوّة المشتركة؟ ثم هل ثمّة علاقة لهذه القوّة مع اسرائيل الصهيونية؟.

أمريكا لا تريد انهاء الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، بقدر ما تريد ادارة الأزمات، لا بل وأزيد من ذلك، تستخدم الأزمات عبر الوكلاء من بعض عرب، كأسلوب ادارة لذات الأزمات، لذلك واشنطن دي سي تدرك أنّ العقدة الحقيقية في المنطقة تكمن في أنّ كل شيء ممكن وفي ذات الوقت ليس كلّ شيء متاح، وتدرك أنّ وكلائها في المنطقة لا يدركون ذلك، وان أدركوه تناسوه وبادروا الى الفعل لغايات آنية ضيقة، وجعلوا صراعاتهم كدول صراعات شخصية بل وطفولية. انّ المنطقة حبلى بالعواصف في محيط الأردن، فلا يمكننا أن نكون بعيدين عن هذه العواصف والأوضاع والأخطار تحت بند وعنوان الحياد بمفهومه الواسع، و كوننا تأثرنا وسوف نتأثر بالمزيد بهذه الأخطار والعواصف، شئنا أم أبينا بشكل مباشر أم غير مباشر، سواءً في سورية عمقنا العربي الإستراتيجي والتي ما زال الجميع يتآمر عليها، وفي العراق المستهدف قاعديّاً وأمريكيّاًعبر بعض دول الجوار العربي، ومصر ومؤشرات الطريق التي ستؤول إليها بعد، أو فلسطين المحتلة وفي لبنان المحتقن سياسيّاً وفي بؤر ساخنة أخرى، وحتّى الجاري في اليمن الآن والمرشح الحدوث في أكثر من بقعة ومنطقة عربية ساخنة، حيث كل هذا يرتب استحقاق وتحدي أردني داخلي يتوجب مواجهته والتحضير له والأستعداد بشكل كافي ومقتدر، لكي يتم(فولذة)الداخل الأردني والتوحد الكامل الواعي لهذه الأخطار(احتجاجات الشارع الأردني الأخيرة مؤشر صحة على عمق الفهم المشترك بين الشارع بأصوله المختلفة وبين النسق السياسي وعنوانه الملك، والمطلوب الآن العمل على مأسسة الوعي المشتبك الأيجابي والذي تجلّى من خلال حركة الشارع الأردني الأخيرة العفوية والنقية). وحتّى نصل الى درجة التوحد المنشود(والفولذة)الداخلية المطلوبة، فلا بد من المراجعة والتقييم والتفكير بصوت مرتفع واثق و واعي، نقد موضوعي ليس من أجل الهدم وانما لتعظيم المكاسب وتقليل الخسائر، مراجعة للانجازات، بعضها موجود، ومراجعة للسلبيات التي الكثير منها موجود، تشخيص يجنبنا الأخطاء، تشخيص دون مواربة ودون قفز عن الحقائق، ينشد الحل الجذري ويبتعد عن أسلوب حل الأزمات بأزمات، ومعالجتها بشكل سطحي استرضائي، فتغدو الأزمة أسلوب ادارة سياسية للحل، فتتعقد الأمور وتفقد البوصلة. انّ سلامنا الأجتماعي حتّى يدوم ويقوى، لا يمكن أن يكون كذلك! فحتّى يقوى ويدوم كما يجب أن يكون، علينا أن نعتمد على اسلوب المبادرة والأبتكار بعيداً عن الأنتظار وادارة الأزمات، انتظاراً لقدوم حل غيبي أو ظرفي آني، والذي لا يمكن الاّ أن يكون عنصراً يحسب علينا وليس لنا، وأنّ حتمية إعادة التقييم وجرأة المراجعة، أصبح أمراً لا نملك فيه رأياً أو اختياراً، كون كل أنواع المخاطر والأحتمالات يمكن اسقاطها على مملكتنا الرابعة مملكة العبادلة. في فلسطين المحتلة، حيث يقود دولة الأحتلال التي غدت كيان سياسي تحت التحقيق، يمين اليمين فيغدو اليمين المتطرف يسار يمين بالنسبة ليمين اليمين، وهناك سلطة فلسطينية ناشئة غير مجزية مع وضع وانقسام فلسطيني داخلي ملتهب ومفتوح على كل شيء الاّ التوافق والتفاهم، خاصةً مع وضع مصري ملتهب، حيث حماس لن تسلّف النظام السياسي المصري ولا المخابرات المصرية بإدارتها الجديدة، ورقة إنجاح المصالحة الفلسطينية الداخلية وتفضّل الانتظار. ورغم الجهود الفلسطينية الداخلية والعربية الخارجية، فهو مرشح ليكون (كونترا فلسطينية جديدة) بفعل الأحتلال والشقيق القريب، وهناك وضع ملتهب في العراق بالرغم من العمليات السياسية الأخيرة وخاصة الأنتخابات، يعاني(المحتل وصاحبه) فيه من وهن في الأدارة السياسية، يسعى فيه المحتل الى تحقيق انجاز بالتخطيط الإستراتيجي، ونظام عربي رسمي ضعيف جداً ومتهلهل إلاّ على الشقيق العربي فلسطين وسورية خير مثال، الأمر الذي يستدعي أن نكون أقوياء في الداخل الأردني، موحدين ومستعدين للنظام الأقليمي والدولي القادم في المنطقة والعالم، فلا أحد يرحمنا يا جماعة. ولنكن صريحين صادقين مع أنفسنا منسجمين مع امكانياتنا وقدراتنا في الفعل المؤثر، ولا نحلم كثيراً حتّى لا نبني قصوراً في الهواء، نحن لسنا دولة إقليمية، وطبيعة الجغرافيا، جغرافيا المملكة تجعلنا جيران لدول نتأثر بها ولا نؤثر، إلاّ أنّ عناصر القوّة موجودة في بلدنا وعلينا أن نوظف ذلك توظيفاً واقعياً موضوعياً موجهاً لخدمة مصالح دولتنا العليا، فها هو نظام حكمنا حالة ديمقراطية متقدمة، تستحق المتابعة والبناء عليها، وحال الحكم حال متسامح، له رؤية وجذور دينية وتطلع قومي وانساني وفعله في المسجد الأقصى صوناً ودفاعاً واضح للجميع كالشمس، ونظام الحكم لدينا ملاذاً لكل العرب ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، حيث أحسن الاستقبال والوفادة، بل قلّدهم مناصب متقدمة في الدولة، وانغمس في قضية العرب الأولى انغماساً عضوي فريد من نوعه، بمحطات إنشاء الدولة وباستقلال المملكة واعلان الوحدة وفك الأرتباط القانوني والأداري عام 1989 م، وبالإضافة إلى مجمل قضايا العرب الهامة واسناد دور الجامعة العربية، كمنظمة إقليمية، بسياسة واضحة ودائمة، رغم أنّ هذه الجامعة صارت أداة بيد القوى الغربية بفعل بعض العرب التابع والمتهالك، وهذه الجامعة لم تجمعنا يوماً واحداً على شيء يفيدنا، فعبرها تم تشريع الاعتداء على ليبيا الدولة العضو المؤسس لها، وحكاية ليبيا معروفة للجميع مثل حكاية تموز لبنان 2006م، وعبر الجامعة تم استهداف سورية وما زالت تستهدف، وعبر الجامعة من قبل نسفنا العراق، وعبر الجامعة(شلّت)الساحات العربية، إن لجهة الضعيف وان لجهة القوي منها، وعبر الجامعة تم(تمييع وتسييل الصراع العربي الإسرائيلي) وجعله صراع فلسطيني إسرائيلي. إنّ مشروع المملكة الرابعة تراخى في فلسطين، وتلكأ هذا المشروع وتباطىء وأنّ القول:(انّنا ندعم السلطة الوطنية الفلسطينية ولا شأن لنا بما يجري داخل فلسطين المحتلة)هو موقف متنحي وسلبي جداً حسب ما أعتقد، وأنّه لا يجوز أن نبتعد عمّا يجري داخل فلسطين المحتلة، كما يجب أن لا ندخل رأسنا في الرمال(كالنعامة)لأننا لنا الشيء الكثير الكثير، وقدّمنا أيضاً الغالي والنفيس من أجل هذه القضية، وعلى عتبات المسجد الأقصى قضى عبدالله الأول شهيداً شهيداً،وأنّ التخوف من مقولة:(مصادرة حقوق الممثل الشرعي والوحيد أو منافسته)مقولة فيها تخلي عن دورنا وادارة الظهر، ومسألة وضع البيض كلّه في سلّة واحدة، نعتقد أنّه خطأ استراتيجي، وأمننا الوطني القومي في المملكة الرابعة مملكة العبادلة له شأن وكل الشأن بما يجري في فلسطين المحتلة، وما يجري في العراق، وما يجري في أمّنا سورية الجريحة، وما يجري في مصر التي تعاني من حالات مخاض غير مكتمل، وما يجري في لبنان المصادر والمحتقن سياسياً، تأتي كل هذه الأرهاصات والمخاضات غير المكتملة متزامنة مع مشروع أمريكي للأقليم بمقتضاه تهاوت وقد تتهاوى دول وتتغير خرائط سياسية، إمّا بفعل أن نكون بصدد حالة من التناغم الروسي الأمريكي لحل الخلافات(وحسب القراءات والمعطيات هذا مستبعد، والمنطقة أقرب إلى حرب أكبر من إقليمية وأقل من دولية)، أو بصدد حالة اصطفاف تعيد ليس فقط أيام الحرب الباردة، بل أعمق من حرب باردة بأثواب متعددة. ومن هنا علينا أن نسعى وبكل قوّة لمكافحة الفساد،على كافة المستويات السياسية والأجتماعية والأقتصادية والأدارية والدبلوماسية والفنيّه التقنية، كون الفساد المالي والسياسي والإداري... الخ صار معوّقاً كبيراً للأنتقال للأحسن والأفضل وسيادة دولة القانون، ومرشحاً لخلق صراعات طبقية قوية داخل أطرالمجتمع الواحد، وانّ إبقاء محاربة الفساد كشعار بحيث، أنّ كل الإعلانات الحكومية وفعلها على محاربة الفساد، وبكل أدواتها لن تستطيع أن ترقى عن مستوى مواجهة هذا الغول في كلا القطاعين العام والخاص على حد سواء، وأسلوب الحكومات المتعاقبة في مواجهة الفساد والأفساد في الدولة، هو أسلوب دعائي انتقائي رغائبي ظرفي غير مؤسسي، بالرغم من وجود هيئة النزاهة الوطنية لمكافحة الفساد نعتز بوجودها ونشكر جهودها ونطلب الأفضل والأحسن في الأداء الكمي والنوعي، كذلك من هذا المنطلق لمحاربة الفساد والأفساد في الدولة، لا بدّ من تعزيز دور استقلال القضاء وإسناده، والتأكيد على دور وعمل البرلمان في التشريع والرقابة، بالارتكاز إلى إعلام قوي وفعّال، كل ذلك متوافقاً بالتأكيد على الثوابت الدستورية، نحو عقيدتنا الأسلامية وديننا السمح ونحو الوطن ونسقه السياسي الحاكم، والتي صارت كلّها ثوابت في وجداننا الفطري الشعبوي راسخة رسوخ الجبال، بحيث يتم تحرير الحياة العامة من القيود لدفع الناس للتنافس ضمن اطار تنافس سلمي مرتكز على العمل المؤسسي، حيث يتم إشراك الناس بالمشاركة في تطوير المملكة الرابعة، حيث يقبل الأنقسام الأفقي الصحي تحت الراية الأردنية ولا يقبل الأنقسام العامودي المرفوض، من جهة أخرى انّ الحديث الأعلامي المضخّم عن ديمقراطية موجودة في الأردن، ما هو إلاّ زعم، لأنّ ما هو لدينا هو حالة ديمقراطية ممتازة تستحق الدراسة والتقييم والمتابعة والبناء عليها، وعلى ما أنجز ومنذ تأسيس الأمارة وحتّى العودة في عام 1989 م، كما لدينا هوامش ديمقراطية تحتاج الى بناءات، فالأمن الأجتماعي والأمن السياسي والأمن الأقتصادي والأمن الأداري والوظيفي والقضائي، هو من فعل المجتمع و وحدته الواحدة - وحدة المهاجرين والأنصار بعلاوات وطنية وقومية تشق عنان السماء بعيدة عن المحاصصة اللئيمة، وانّ الأمن الإجرائي تابع لهذه المستويات من الأمن بمفهومه الشامل القاطع، وأن تجعل مواطناً ملتزماً مدافعاً عن وطنه ومكتسباته وأمن بلاده، هو الهدف المأمول والمنشود والمرتجى، هذا وقد تعلّمنا من التاريخ أنّ وطن الحريّة هو الوطن الأقوى والأشد مناعة، بحيث يكون الأمن في خدمة السياسي والعكس بالضرورة صحيح 100%، ويقظ وفاعل بتوازن مرسوم ومحكوم.

والدولة الأردنية تحتاج الى قادة حقيقين لهم علاقة بالرؤى والمشاريع، دون أن نقلل من شأن الأدارات الفنية والتقنية وكفاءاتها، ومن الملاحظ أن استمرار وذيوع وانتشار عدم ثقة المواطن بالسياسات والمؤسسات السائدة في الدولة، يستدعي بالضرورة إعادة بناء الثقة بينها وبين المواطن، وأنّ استمرار اختباء الحكومات والوزراء والمسؤولين خلف الملك، أضعف الثقة بها، بحيث جعل من بعض المفاهيم الدستورية تسود وبشكل مغلوط مسّ مؤسسة العرش، ومن هنا بالذات فانّ تعزيز التربية الوطنية وتعظيم الحس السياسي يدعمان الولاء والانتماء، الولاء للقيادة والانتماء للوطن مع معرفة المسافة بينهما للمملكة الرابعة، ومن قبلها المملكة الأولى والثانية والثالثة مملكة الحسين رحمه الله تعالى. فانّ تحقق الآنف ذكره، سيضعف كل خطر في مواجهتها(أي المملكة)، وأنّ مواطن فعّال مشارك يهتم بالخبز والحريّة والأمن الوطني وبالأنتماء الى الأحزاب السياسية الحقيقية، يقوّي الوطن ويبنيه ويعزّز الهوية الوطنية، بحيث تشكل الدرع الواقي من مخاطر الأحتراب والأنقسام ويستوعب التنوع والتعدّد والذي هو قوّة للمجتمع، كما قال الملك ذات مساء أردني صاخب. وأنّ سياسة الإقصاء وإفراغ الشعوب من محتواها الوطني، وتعبئة الناس بالطائفية والقبلية والعائلية، وتغريب المجتمع، هي سياسات ضارة بالمجتمع الأردني الواحد، وأنّه لا انفكاك ولا انفصام مابين تطور المجتمع وتحرير السوق، وبين تعزيز الهوية والأنتماء الوطني، ومع تطوير السوق واطلاق آلياته يترافق مع التنمية السياسية وتعزيز دولة القانون والمؤسسات. ففصل مسارات الأصلاح عن بعضها البعض، كان خطأ استراتيجي، حيث تحققت بعض الأصلاحات الأقتصادية على حساب السياسية منها، فكانت الطبقة الوسطى هي الضحية الكبرى حيث ما زالت تنزف في رمقها الأخير، وعندما رغبت وترغب الدولة الأردنية باصلاحات سياسية، لم تجد الأساس الذي تبني عليه ذلك، حيث تلاشت مع رياح الأصلاحات الأقتصادية المنفردة، وذابت الطبقة الوسطى التي تحافظ على الصراع الطبقي داخل المجتمع، فهي أيقونة التوازن الأجتماعي ومصدر القادة الحقيقين في الدولة، لا قادة مجتمع طارئين حتّى على أنفسهم(تحدث الملك في كتاب تكليفه لدولة الرئيس الدكتور عمر الرزّاز، عن ضرورة بناءات لعقد اجتماعي جديد بل ونسج لمفهوم العلاقات مع الرأي العام، وبناءات لما تبقى من الطبقة الوسطى الأردنية من جديد، ورعايتها فهي أس المجتمع ونواته)، وهنا من حقنا أن نسأل الجميع:أين البرجوازية الوطنية بمعناها الزمني في ثورة القائد أحمد عرابي ضد المحتل في مصر؟! مع التأكيد أنّه يمكن للوطنية أن تنمو وتزدهر داخل أسوار وأطر البرجوازية، عندّها وعندّها فقط: توسم البرجوازية بالوطنية الحقّة والتي تعين الدولة في كافة قطاعات ومستويات الحياة لأفرادها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى