حموات 2005.. وداعا للحماة التقليدية
كأى أم تخشى على إبنها أو إبنتها تحاول الحماة، وبدون قصد فى أغلب الأحيان أن تقدم الدعم للطرف الذى يخصها فى العلاقة الزوجية.. فهى مع إبنها ضد زوجته، أومع إبنتها ضد زوجها.. وهى فى الغالب تقف فى صف إبنها أو إبنتها على نفس قاعدة: "إنصر أخاك ظالما أو مظلوما"..وإذا كان الدين يطالب نصرة الأخ ظالما بمنعه عن ظلم الناس فإن الحماة تمارس تلك القاعدة على أساس نصرة الإبن أو البنت ظالما أو ظالمة بالدفاع عن ظلمه لزوجته أو ظلمها لزوجها وفى عالمنا اليوم لا نجد إلا القليل جدا من الحموات اللواتى يحرصن على استقرار العلاقات الزوجية بين أبنائهن وبناتهن بشكل سليم، وبأقل قدر من التدخل أو بالتدخل الإيجابى.
وإذا كانت وسائل الإعلام قد عالجت قصية الحماة بنماذج متعددة من أبرزها نموذج الفنانة الكوميدية العظيمة الراحلة "مارى منيب"، وأظهرتها بشكل متسلط، وأنها سبب المشاكل الزوجية، إلا أن الواقع يقدم لنا نماذج مختلفة من بينها ما ترويه لنا منار عدلى وهى زوجة وأم لطفلة عمرها خمس سنوات. تقول منار: "تزوجت منذ حوالى خمس سنوات من زميلى فى العمل، ونظرا للظروف الاقتصادية التى نمر بها أن وزوجى وخصوصا أننا فى بداية حياتنا العملية أقمنا مع والدته فى نفس الشقة. ويبدو أن طبيعة عمل حماتى كموظفة فى إحدى الهيئات الحكومية قد جعلت منها شخصية متفتحة تقدر ظروف عملى أنا وزوجى.. وبالفعل قامت بمساعدتى كثيرا فى تحمل أعباء الحياة الزوجية. وكانت تساعدنى فى أعمال المنزل.. لدرجة أنها فى الكثير من الأحيان تعود قبلى إلى المنزل وتقوم بتحضير الغداء لنا. وعندما أنجبت طفلتى الوحيدة.. ساعدتنى حماتى كثيرا سواء بالنصيحة أو عمليا فى تربية إبنتى ورعايتها خصوصا فى الفترات الأولى من الحمل وعندما كان عمر طفلتى صغيرا وتحتاج إلى عناية شديدة. وقد إنعكست تصرفات حماتى إيجابيا على علاقتى بها وبزوجى فساد التفاهم حياتنا.. وعاملتها كأم ثانية لى.. ولم أشعر إطلاقا بأنها تمارس الدور الذى سمعت عنه فى وسائل الإعلام. وفى أحيان كثيرة تعاملنى كأننى إبنتها الحقيقية وتقول لى إن الله عوضها بى عن عدم إنجابها للبنات، حيث أن زوجى هو إبنها الوحيد. وكانت سعادتها بى تزداد كلما رأت زوجى سعيدا بحياته معى ولم تشعر إطلاقا بالغيرة من علاقتى بزوجى".
أما سامية (موظفة) فتقدم صورة مختلفة لحماتها، وتؤكد أن معظم خلافاتها مع زوجها بسبب حماتها رغم أنها تقيم فى مدينة الإسكندرية. وتقول: "تعودت حماتى على القدوم إلى منزلنا فى القاهرة للإطمئنان علينا، وتقضى معنا أياما وأسابيع فى بعض الأحيان.. وفى كل مرة تأتى تبدأ فى التدخل وإبداء الملاحظات على أسلوب حياتى وعلى منزلى وتعيب ذوقى فى ترتيب أثاث المنزل، وتتدخل فى شئوننا الخاصة. كما أنها تتدخل حتى فى إختيار نوع الطبيخ الذى ننوى إعداده، وحتى فى التفاصيل الصغيرة المتعلقة بنظافة المنزل، ومختلف التفاصيل الأخرى.. وبالطبع أبديت ضيقى من هذا الأسلوب، وحاولت مرارا إقناع زوجى بالتدخل لوقف تصرفات والدته، وإقناعها بعدم التدخل فى شئون حياتنا، ولكنه كان يقنعنى بأن هذه والدته وعلينا تحملها حتى لا نضايقها، وأنه لا يستطيع إغضابها. وحاولت أن أتحمل تصرفاتها، ولكننى كنت أنفجر غضبا فى أحوال كثيرة، وأطلب منها التوقف عن تصرفاتها، وبدأت فى تجاهل كلامها وتوجيهاتها، وكان الأمر يصل فى بعض الأحيان إلى العناد من جانبى حتى أثبت أننى سيدة المنزل وليست هى. وبالتالى بدأت هى تشكو لزوجى من تصرفاتى، مما كان يغضب زوجى منى، وبالتالى تصاعدت حدة الخلافات بينى وبين زوجى. وطبعا كانت الخلافات تقل بشكل كبير عند عودتها إلى منزلها. وتحولت الأوقات التى تزورنا فيها والدة زوجى إلى أيام قلق وإرهاق نفسى وعصبى لي".
ولا ترى هبه (موظفة) عيبا فى زوجها سوى أنه مرتبط بوالدته أكثر من اللازم على حد قولها.. "زوجى تاجر ناجح، ويمتلك محلا لبيع الأقمشة، ومستوانا المعيش جيد، وزوجى يوفر لى كل ما أحتاجه كزوجة وأم. ولا أرى فيه أى شىء يعيبه سوى أنه مرتبط بوالدته أكثر من اللازم.. وعلى العكس من أخوته فهو يصر على زيارتها يوميا، وبالتالى فكل أسرار حياتنا الزوجية وعمله معروفة لوالدته، وحتى خصوصيات عمله التى لا أعرفها عنه تعرفها والدته. وإذا حدث أن تغيب يوما عن زيارتها فهو يتصل بها تليفونيا أكثر من مرة يوميا. وهذا الارتباط بين زوجى ووالدته لا يؤثر مباشرة على حياتنا الزوجية.. ولكننى أشعر كأنثى وزوجة أنه يختص والدته بأسراره التى لا يقولها لى ومن هنا أشعر بالغيرة عليه منها. ومع ذلك فإننى لم أسع للتدخل فى هذه العلاقة لأن والدته لا تتدخل فى حياتنا مما يجعلنى أتحمل الامر إلى حد كبير ولا أشعر أن ارتباطه بوالدته قد تحول إلى خطر يهدد حياتى الزوجية".
وحول رد فعلها إذا تطورت الأمور لحد تدخل حماتها فى علاقتها بزوجها تقول هبه: "لا أعرف.. ولكننى سأحاول أن أقنع زوجى وقتها بأن لا يخلط الأمور ببعضها.. وسأحاول أن أتحمل لأن علاقتى بزوجى وثيقة ولا يمكن أن أدمرها لأى سبب مهما كان. وخصوصا أن لدينا طفلان فى سن الدراسة أحدهما فى المرحلة الإعدادية والبنت الصغرى فى الصف الخامس الإبتدائى. والأطفال فى هذه المرحلة يحتاجون إلى رعاية الأبوين، وأنا لست على استعداد للتضحية بسعادة أطفالى واستقرارهم النفسى حتى ولو كان ذلك على حساب سعادتى الشخصية.. كما أن زوجى شخص عاقل ومتفهم ولا أعتقد أن الأمور يمكن أن تتطور بيننا لهذه الدرجة".
أشرف سعيد المحامى يؤكد أن" "الصورة التقليدية المعروفة عن الحموات لم تعد موجودة بالشكل الذى نعرفه لأن ظروف المجتمع المصرى تغيرت فى الفترة الأخيرة، ومعظم الناس أصبحت لديهم ثقافة، وهناك نسبة كبيرة من السيدات العاملات من الحموات والأمهات. وظروف العمل تشغل هولاء الأمهات عن القيام بدور الحماة التقليدية.. ولم يعد هناك وقت للمشاكل.. لا الزوج ولا الزوجة تريد المشاكل ولا الحماة.. وطبعا هذه هى القاعدة العريضة من المجتمع ولكن لكل قاعدة شواذ، ولكن الصورة تتضخم لأن تعداد سكان المجتمع المصرى كبير.. وأعتقد أن النسبة الأقل من الحموات اللواتى نسمع عنهن تنتشر بشكل أكبر بين غير المثقفين أو النساء غير العاملات. وفى بعض الأحيان التى يلجأ فيها الزوجان للسكن مع والدة الزوج أو والدة الزوجة تحت ضغط الظروف الاقتصادية تزيد نسبة المشاكل أكثر فأكثر.. لأن الاحتكاك اليومى، ورغبة الزوجة فى الاستقلال ببيتها وأن تكون ملكة متوجة لا يشاركها أحد فى بيتها تزيد من حساسية الزوج أو الزوجة تجاه أى تصرف من جانب الحماة حتى لو كان بحسن نية. ولكن الصورة التقليدية لم تعد موجودة بالشكل الذى رأيناه فى الأفلام. ولا بد أن يسعى كل طرف لتفهم مشاعر وظروف الطرف الآخر لأن الأم تشعر أن الزوجة قد استولت على ابنها منها وأن الإبن تحول باهتمامه وحبه تماما إلى زوجته. وبالتالى تشعر الأم أن الزوجة منافس لها على قلب إبنها.. ومن هنا تحدث المشاكل التى نسمع عنها. وعلى الزوج بالذات أن يتحلى بالحكمة والصبر والتصرف بهدوء وموازنة علاقاته الاجتماعية حتى لا تتطور الأمور بين الزوجة والأم إلى مشاكل خطيرة تنغص الحياة الزوجية وتؤدى –لا سمح الله- إلى الطلاق. وينصح أشرف سعيد الزوجات بتفهم الظروف النفسية للأم – الحماة حتى تستطيع أن تتعامل معها بدون أن تتخذ هذه العلاقة بينهما الشكل العدوانى. ويمكن للزوجة أن تعمل بكل بساطة وكذلك الزوج أن يسعى لكسب ود حماته بالكلمة الطيبة، أو هدية بسيطة من وقت لآخر، والتعبير عن السعادة بوجود الارتباط العائلى بين الزوج ووالدته أو الزوجة ووالدتها، والاتصال بالحماة من وقت لآخر تليفونيا للاطمئنان عليها، وإشعارها بالاهتمام.. ومن المؤكد أن أم الزوج ستسعد عندما تجد إبنها سعيدا وستعمل من جانبها على إسعاده أكثر.. والعكس صحيح.. أى أن معاملة الزوجين لبعضهما البعض وعلاقاتهما الزوجية غير المستقرة يمكن ان تكون عنصرا حاسما فى بروز دور الحماة التقليدية.