الثلاثاء ٧ حزيران (يونيو) ٢٠٢٢

خبط الرأس

أحمد بن قريش

إنهما يقفان بجانب السرير الفارغ الآخر. ذو القامة القصيرة أكبر من صاحبه. خفيف مثل ورقة ولا يتوقف عن الحركة والابتسام. والآخر لديه سيجارة غير مشتعلة في فمه. طويل. كلاهما يرتدي بدلة و لكل منهما محفظة تحت ابطه.

البلوزة البيضاء تتحدث وتشير إلي. ممرضة شابة تتحدث طوال الوقت. بوجه قبيح، محفور كما لو أنها انتصبت أمام إعصار لموسم كامل. لكنها لطيفة جدا. تقترب مني.

–زيارة!
 "لا بأس"، قال الرجل العجوز الصغير.
يتحدث إلي. لا أقول شيئا. يفتح محفظته ويبقى لفترة طويلة ينظر داخلها.
 إنه واحد منهم، يقول أخيرا.
تمشي الممرضة إلى سرير آخر. تضع علامة على ورقة ثم تعود لتقول: لم يفتح فمه منذ وصوله.
 من أتى به إلى هنا، يسأل الطويل، الذي يكون في عمري، بصوت غير طبيعي.لم أكن في الخدمة، تجيب. وتضيف: سأحضر له فنجانا من القهوة.
الأكبر سنا يضع بين شفتي سيجارة ويقوم بإشعالها. فنجان القهوة الذي تضعه الممرضة بجانبي يجعلني أشعر بالغثيان.
– لا يسمح بالتدخين أيها السادة.
– ولا كسر، يسأل الطويل؟
 لا شيء! ولا حتى خدش.
 أكماد! أكماد! يهمس الرجل القصير. يضع كلتا يديه على السرير ويبتسم. فيسحق داخل عينيه الصغيرتين - بؤبؤ عينيه - لهبين صغيرين جدا. ألا تتذكرني؟ ها هو يستقيم.
 إنه لا يتذكر ولا شيء، يقول الطويل.
– أتركاه يرتاح الآن، تنصح الممرضة، بلطف.
ينحني الرجل العجوز على السرير مرة أخرى ويهمس: سنعود إلى المنزل يا أكماد
يغير لهجته: هل تريد العودة إلى المنزل؟ هل تريد العودة؟ سولانج في انتظارك... الصغيران أيضا...
 ماذا تعطون كعلاج، سأل الطويل بصوت مشبوه. تذكر الممرضة بعض الأدوية ثم تسحب السيجارة من فمي.
 ولكنكم تقتلونه بفاليومكم هذا...
 هذا هو المطلوب في هذه الحالات النادرة يا سيدي.
– اسم الطبيب الذي وصف هذه الهراء، يقول الرجل الطويل بغضب.
 في الساعة التاسعة سيكون هنا. هو أيضا يريد التحدث إلى مديري هذه الشركات التي تسمح في ضحاياها.
 أتظن أنه هو، يسأل الطويل ثم يغرس مرفقه في خاصرة الآخر. فنظرته إلي جانبية.
–أعتقد أنه هو’ قالت الممرضة التي لم تعد لطيفة...
إنه يبدو لي كذلك"، يقول الرجل القصير بصوت مشكوك فيه وهو يراقبني بشدة.

تدخلني المرأة داخل غرفة. تجلسني على سرير. الغرفة ريفية. الجدران متهالكة. تجلس على الجانب الآخر. أراها من الخلف. من الأرضية تصعد في الهواء رائحة. رائحة الغبار بعد هطول الأمطار. أرى ظهر المرأة. تتحدث إلي بين نشقتين. أبذل قصارى جهدي لفهم معنى ما تقوله. لكن لدي في ذاكرتي مشاهد أخرى تتقاطع وتختلط بهذه. أبذل جهدا - أغمض عيني - لإيقاف تشغيلها. ثم رائحة الطين. بعد هطول الأمطار. ينفتح الباب. شاب. فتاة.

 لا أعتقد أنني أتفاهم الأمر، يقول المراهق.
تسقط الفتاة على الأرض.
–حضن أباك، تقول المرأة. إنه والدك... قبله...
 أنا لا أقبل أحدا، يقول المراهق وهو يحدق في.
ثم تنتصب المرأة واقفة. ترتدي ملابس أخرى. بوجه مختلف. مغرفة في يدها. الغرفة أوسع. مع صور على الجدران. سريران صغيران. طفلان صغيران يحيطان بها. و أنا في زاوية مقرفص. تقول: لقد مزقت لأنني مزقت. ألتقط أطراف الرسائل وأتوسل: سولانج، ليس في غرفة الصغيرين...

يضرب النادل رأسه على العداد، فيقدم لي قهوة ثم يذهب ليعيد القرص القبائلي. يقول: أنا هو مقران فعلنا ما هو ضروري فيما يتعلق بالشركة. ضربة رأس على العداد. ستسافر الى البلاد. صلاح يرافقك. أنت نسيتني؟ نسيت صديقك مقران؟ ضربة رأس على العداد. (لفتيلة طول الليل بائته تقدي يغني الغراموفون واحميده ما جاش يغني الغراموفون في نسخته القبائلية ومقران ينطح برأسه العداد ويتردد الصدى على كل المناضد ويقول أحدهم تقتلك المناجم شيئا فشيئ الغبار الغبار وشخص اخر يقول هي الصدمة انهار المنجم فوجد مخرج لكنه لم يعد هو نفسه لفتيلة طول الليل بائته تقدي واحميده ما جاش)

Kنصل أنا و أحدهم إلى القرية. وتقول سولانج: ماكش حاجة... أتعرف؟ فتضربني ضربتين على جبهتي بالمغرفة. الأطفال، قولا: ماكش حاجة. وكلود و بياتريس يرددان: ماكش حاجة... أتعرف؟ نصل أنا و أحدهم إلى القرية. شخص ما يأخذني من يدي ونمر بين مجموعة من كبار السن.
أحد المسنين يحدق بي دون أن يرمش. ثم بدأت عيناه تبتل. فيجففها بطرف كمه. يقول أحدهم: والدك الله يرحمه أيام المولد العاشوراء... يشعل بنفسه الكانون... يقول انت عمار أنت أحسن أنت رابح وذراع على ذراع قبالة أربعة شبان نهلل:

يا بابانا
خلي يوسف
يمشي معنا
ما يبقاش
في الدكانا
مثل النسوة
المحجوين
ثم يدفعونني داخل رحبة فناء معبدة.
يقول صوت: رفيقه يسكن القرية المجاورة.
صوت أخر: هل فقد لسانه؟
....
أنت لا تتذكر، تنتحب المرأة. يكسر المراهق مزهرية ويسحب الفتاة من الشعر إلى الخارج.
في حانة القبائل، بعد ساعة معينة، يتقيأ مولاها على المنضدة وهو يستمع في نسختها البربرية لفتيلة طول الليل بائته تقدي واحميده ما جاش.

بعد ساعة معينة، تقول سولانج لبياتريس وكلود: الرجل على شاشة التلفزيون يطارد الفراشات بشبكة وليس بمضرب.

تحرك المرأة رأسها على الوسادة. لقد أتوا بك. تنتصب على كوعها. فتات المزهرية. كان عليك أن تبقي...!
سولانج في الحائط. بونيول! بأسنانها المصطكة. بعينيها اللامعة. يخرج صوت من بين كتفي: مادام مش مليح عليك عليك مادام و رأس النبي و الاولياء الصالحين والله لا اقول شيئ مادام مادام ما...

أحمد بن قريش (1952)
متخرج من معهد البترول الجزائري
عملت بالصحراء الجزائرية حتى التقاعد

لدي هنا بالجزائر كتابان بالفرنسية في القصة القصيرة:"السراب"و"مرساة-غاطسة"
وفي الخارج نشرت لي"إديليفر"ديوان شعر:"رماح المطر"وديوان ترجمة لقصائد فرنسية:"قصائد مترجمة"و رواية:"انسجام عشائري

أنشر من حين لآخر على صفحات الجرائد والمجلات العربية والفرنسية الشعر و القصة والترجمة
Les Ecrits، Revue Des Ressources، Algérie/Littérature/Action، Actualités de l’Emigration، l’Horizon ديوان العرب، أصوات الشمال، أدباء الشام، ايلاف، بيت الشعر اليمني، الميادين، كتابات هي بعض من المجلات والجرائد التي أتعامل معها....
Abahmed314@gmail.com

أحمد بن قريش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى