الأحد ٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم شادية عواد

ربان السفينة

تحملنا مخاطر الحياة من مكان إلى آخر وترمي بنا في أهواء الزمان لتجعل من دواهي ما توقف عثرة في سبيل سيرنا أينما ما نكون، إلى أن تأخذنا الرياح إلى حيث لا نريد، ولا نسمع سوى صوت يلاحقنا ليخيفنا وصوت أخر خفي يقول لنا لا تخف بل نقف وقفة الشجاعة والقوة أمام تلك المخاوف، ولكن صوت الخوف بشدته تجعل أبداننا ترتعش ويفوق ذلك الصوت ليجعلنا في رهبة وضعف أمام الشدائد بقلب يردد الحزن والشك، وفاه يتوسل النجدة والرحمة ليصل إلى بر الأمان من خلال جبروت الخالق، ويقول له الصوت الخفي بين تلك اللحظات العاصبة هاأنذا أمامك فلا تخف.

فذ كان هناك في وسط البحر سفينة عائمة يقودها شخص تقي لم يختبأ بين حنايا جسده سوى دماء تقطر الحب وقلب ينبض لمحبة الخالق، فقد اتخذ من البحر مصدر ووسيلة عيش يجني منها قوته وقوت عائلته فكان كل يوم يمطي سفينته ويذهب عبر البحر إلى مكان أخر،كما تهاجر الطيور إلى مكان أكثر أمن وفية قوتها التي تبحث عنة، ولكن لا تخلو حياتها من مخاطر تعترض طريقها وتقف سيرها.

و لا نقف إلى الرحيل إلى ذلك الأمكنة لنتخذ منها قوتنا؟، لا بل فإذ عندما تهان بنا الحياة ولا يطرق أبوابنا صديق أو قريب نروي له ما يملئ القلب من كأس الشقاء والبؤس والهوان نرحل في طريقنا إلى البحر ونتخذ منه صديق حميم نتحدث معه بكل ما بجعبتنا من أسرار نرمي بها في أعماقه خوفاً من البوح لما يختبأ في قلوبنا عن الآخرين، ولكن خوف الإنسان وشكة في وجود قوة عظيمة قد تحدد تفكيره وتجعله لا يتجاوز برهة من الوقت، فيتخذ كل شئ كبير مصدر قوة في حياته ليبقى في ظلاله و اتكاله علية، فكم الإبرة صغيرة سهل على ضخامة الجمل دخولها عن إنسان يشك في جبروت الخالق ويتخذ الطبيعة مصدر قوة له فيحول من دخوله جنة الله الفسيحة، فمهما كانت عظمة البحر وعمقه واتخذنا منه صديق وفي قد تأتي في تلك يوم أنوائه وتأخذ ذلك الصديق في لجته التي لا نعرف لها طريق.

فقبل أن ننظر إلى علو الجبال والأبنية الشاهقة والقمر في كبد السماء لنجعل أنفسنا على أمثالهن علوا وتكبراً وعمق البحار هروباً من واقع الحياة وأسرار القلب الذي تعود على الكتمان من عالم نجهل التفكير به والوصول إلى شروره من مجرد النظر إلى متاهاته كسمكة في وسط بحر يحيط بها أفواج من الحيتان، لا بل ننظر من صنع ذلك كله لنتخذ من العلو كرامة لنا وليس ذلنا، ومن الأعماق تواضع يرسو في أعماق القلب وصولا إلى المحبة التي تصنع المعجزات وتتخطى كل المخاطر التي لا بد أن تقف حجر عثرة أمام كل ما يصبو له الإنسان، كما نلمسها عند ربان السفينة في وسط البحر، ذاك الرجل التقي الذي تحدى العديد من مخاطر البحر، ولكن ليس من نسمة هواء باردة إلا و تأتي ورائها عاصفة ثلجية، فبينما كانت السفينة عائمة في وسط البحر والأمواج تتعالى شئ فشئاً والليل خيم دجاه وقناديل البحر تبدد نورها ورحل، ولم يبقى إلا السفينة هي وعواصف البحر العاتية تتبارز كما يتبارز مقاتلان في وسط المعركة وينتظر الآخرين من ينتصر في النهاية. فإذا لم يكن لنا أحد يساعدنا ويقف معنا أمام تلك عظمة البحر كما أصبح عليه ذلك الشخص العائم وسط البحر الهائج بين حياً أو غريق لا يعلم أين يذهب عندما ترك سفينته وأصبح على قارب صغير بين تلك الأمواج وحيد، ولكن رغم ضخامة البحر وعمقه الرهيب إلا أن هناك قوة عظيمة جداً تفوق كل قوة على سطح الأرض إلا وهي قوة الخالق الذي يسمع من بنادية في فاه وقلب واثق، كما ناداه ربان السفينة والأمواج ترمي به ولا يعلم إلى أين التقادير تأخذه، عندما رأى أنه لم يكن لدية أي قوى سوى أن يتوسل إلى الله ويستنجد به ويقول: الهي لا تتركني فأنا عبدك الخاطئ اللاجئ إليك بقلبي وفاهي دون شك بقدرتك وجبروتك على كل شئ،فأسمع صراخي أني في لجة البحر غارق أعطيني يداك لم يكن لي أحد سواك. وفي نظرة استنجاد إلى الله قد أضاء له ضؤ كالبرق لامع من وسط السماء كما ينزل الشهب إلى الأرض وكأنه يقول له: لا تخف سوف يقف كل هذا، وتسكن العاصفة الهوجاء وتضمحل، فبقيا شاخص نحو السماء و الأمواج تلاطم به في لهفة الانتظار أين تلقي به تلك الأنواء كعطشان ينتظر رشفت ماء. وفي برهة عين قد أصغى له الجالس في عرش السماء ولبى له النداء وبدد تلك العاصفة الهوجاء كما تتبدد الخراف إلى الجداء، وجعله يمشي فوق المياه، وعزف ليمطي سفينته تسبيحاً بفرح وولاء لعظمة الخالق، وكأنه ولد من جديد ولم يكن وحيد.

فهذه حياتنا يوم فرح والباقي ضجر، ويوم تذرف عيوننا بالدموع وقلبنا يندب الهموم والجروح ويوم تهتز الجفون فرحاً وتبلسم الجروح، وكذا البحر وكل شئ سير من أجل البشر فيترك في داخلنا أثر ليعلمنا أننا أضعف من ذلك القدر الذي صنعة رب الأرض والبشر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى