
رحلات إلى مدن الجمال
.. وإلى أي حد يساهم أدب الرحلة في تنمية ثقافة ومعارف القارئ وتحفيزه على مواصلة البحث والإطلاع؟.. هل يدرس أدب الرحلة في جامعاتنا الجزائرية على غرار أدب السيرة والمقالة والرواية؟.. ماذا لو قام كل كاتب أو صحفي بتسجيل حقائق ودقائق رحلته ليستفيد منها الغير؟.. تساؤلات مثيرة للجدل، واجهتني وصافحتني أثناء مطالعتي لكتاب صديقي الحميم الأديب: رابح خدوسي المعنون: انطباعات عائد من مدن الجمال، وقد أهداني مشكورا نسخة عزيزة موقعة باسمه، خلال يوم اختتام المعرض الدولي للكتاب مطلع شهر نوفمبر الحالي.
يمتد هذا الكتاب الجديد عبر 182 صفحة من الحجم المتوسط، وهو صادر عن منشورات دار نور شاد، ومدعم من وزارة الثقافة، ويضم انطباعات المؤلف عن رحلاته إلى عدد من العواصم مثل: اسطنبول ودمشق وبغداد والقاهرة وعمان وبيروت وصوفيا وأثينا، ليختمها بمدينة مليانة بقلب وطننا المفدى.
وأثناء استمتاعي بأجواء هذه الجولات، عاد بي شريط الذكريات إلى أول رحلة ثقافية قمت بها لمدينة بغداد في شهر أفريل 1984 حيث نشرت سلسلة من الإنطباعات على مدى أربعة أسابيع متتالية بملحق النادي الأدبي، واستأثرت يومئذ باهتمام عامة المثقفين قبل أن تتوسط موضوعات كتابي المرتقب: مرافعات ومتابعات، الذي ينتظر صدوره في الأمد القريب.
وقد كتبت وقتئذ في مستهل تلك الإنطباعات ما يلي: ما أكثر الأدباء الذين يسافرون ثم يعودون سالمين منعمين إلى أرض الوطن، في ظل السرية والكتمان.. لماذا لا نطلع على أخبارهم وانطباعاتهم؟.. وبالتالي نستفيد من تجارب الآخرين؟.. ماذا لو تحدث كل منهم عن وقائع الرحلة، بعسلها وحنظلها، ما سمع ورأى، ما لمس وأحس؟..
وأعود من جديد إلى كتابي المفتوح: انطباعات عائد من مدن الجمال، لأستمتع بأسلوبه السهل الممتع وهو يحكي عن تلك الأيام الزاهرة في عراق المجد، في شهر جانفي 2001 عندما شارك أديبنا رابح خدوسي في فعاليات المؤتمر الحادي والعشرين للإتحاد العام للكتاب العرب وقدم مداخلة عن ثقافة الطفل وأدبه من خلال التجربة الجزائرية.. ثم ينتقل الكاتب ليتصفح أوراق الحضارة والمجد في العراق المعاصر الذي يحتوي على حوالي 1500 موقع أثري، ويتجول بنا ودليله قلمه عبر أجواء الكوفة والنجف الأشرف وكربلاء الجلال والجمال.
وأتوقف هنا بعراقنا المجيد لأفسح المجال للقراء الكرام لمتابعة بقية الرحلات، والإستمتاع بالمعلومات المفيدة وحديث الذكريات الممتعة.
إنها لحظات من أجمل ما في العمر كما يسجل المؤلف في مقدمة الكتاب، فهي جولات ظل وميضها يبرق في صفحات الذاكرة، تحاصره الرغبة في الكتابة، ولم يرتح من ذلك إلا بعد الكتابة، فيا لها من متعة وحرقة الكتابة..
وأطوي الآن هذا الكتاب الجديد الذي يعد إضافة نوعية لرصيد مؤلفه ولمكتبتنا الجزائرية، ومع ذلك يظل التساؤل قائما: وإلى أي حد يساهم أدب الرحلة في تنمية ثقافة ومعارف القارئ وتحفيزه على مواصلة البحث والإطلاع؟.. هل يدرس أدب الرحلة في جامعاتنا الجزائرية على غرار أدب السيرة والمقالة والرواية؟.. ماذا لو قام كل كاتب أو صحفي بتسجيل حقائق ودقائق رحلته ليستفيد منها الغير؟..