زوجات نارونداري
هذه القصة بعنوان «زوجات نارونداري»
تأليف: دافيد يونابيون، وترجمة الدكتورة: نجمة خليل حبيب من أستراليا.
* * * *
نارونداري هو واحد من الأسماء الحسنى التي كانت متداولة بين مختلف قبائل السكان الأصليين الأستراليين (الأبؤريجينيين). وهو الآن أكثر شيوعاً بين قبائل "نارينيني" التي تقطن جنوب أستراليا في منطقة موراي وبحيرات ألكسندرينا وألبرت و"إنكاونْتَر باي". قبل مجيئه إلى جنوب أستراليا كان يعرف باسم "بوناه". منذ احتفالات سن البلوغ أصبح الرجل الصالح المكنى ب"نارونداري أو بوناه" الرجل المقدس الملهم والموجَّه بإرادة الروح العظمى "بيّامي أو نهييانهند"، والدنا كلنا، الرسول والمعلم. بعد نزوحه من شمال أستراليا عرّج على أماكن عديدة من ولايتي نيو ساوث ويلز وفكتوريا إلى أن استقر به المقام في الجنوب قاطناً، على الأعم الأغلب، شواطئ بحيرتي ألكسندرينا وألبرت. قد يزور مخيمات الناس الدائمة فيهرب بعضهم لدى رؤيته ويختبئون بين القصب. وإذ يرى الناس يهربون منه، ينادي صغار القبيلة فيبقوا صامتين. كان يزعجه هذا التصرف السلبي تجاهه فيجلس صامتاً منكسر الفؤاد. قد يغضب فيقول: حسناً يا أولاد إن لم تردوا عليّ، فعليكم اللعنة. كلكم ستتحولون إلى طيور وتبقون هكذا إلى الأبد. وهكذا كان، وبأمر من نارونداري تحوّل كثير من البشر إلى طيور. أما أولئك الذين ملكوا شجاعة كافية لتلبية ندائه، فإنما هم أبناء القبائل المتبقية إلى يومنا هذا حول بحيرة ألكسندرينا.
لقد قاربت رسالته على الانتهاء. لذلك اختار تلتين شبه جرداوين خلتا من الأشجار واقتصر ما فيهما من نبات على بعض الشجيرات الحرشية والنباتات الزنبقية. اما المناطق المحيطة فكانت مليئة بأشجار الملول وصرمة الجدي والبلوط وبعض أنواع شجر الصمغ وشجيرات أخرى. لقد اختار هاتين التلتين كي يتمكن من رؤية البحيرتين ولأنه كان ينوي أن يستقر هنا إلى أن تناديه الروح العظمى ليأخذ مكانه في السماء بين الرفاق العظام الذين سبقوه إلى هناك.
في إحدى رحلات صيده، وفيما هو في طريقه إلى بحيرة ألبرت، لفت نظره نبتتان من نوع الزنبق البريّ،طريتا الأغصان تتمايلان بدلال مع هبوب الريح الجنوبية. لقد رأى نفسه مشدوداً إليهما فوقف يتأملهما فإذا به يسمع لحناً غريباً ينبعث من أغصان شجرة البلوط. لم يكن اللحن يوحي بالطرب أو الغبطة، وإنما كان لحناً كئيباً فيه لوعة مصدره فتاتان ملتحمتان بجذع نبتة الزنبق التي كانت ملكة الأعشاب الأنانية قد حبستهما فيها. ولأنهما كانتا بالغتا الرقة، ولأن النبتتين أثارتا شفقته بأنينهما، فقد سرّه أن يدعو الطبيعة بنحلها ونملها وطيورها كي تشاركه طعامه. لقد سبق لهاتين النبتتين أن خلبتا قلوب رجال صالحين كثر وقعوا ضحايا فتنتهما الأخاذة وهم في طريقهم إلى دنيا الأرواح. ولهاتين النبتتين قصة تعود إلى ملكة الأعشاب الانانية التي ربطت (رصدت) فتاتين إلى جذع شجرة الزنبق. وما هذا اللحن المنبعث من أغصان شجرة البلوط إلا صدى أنينهما. لقد مرت الفتاتان قبل ذلك بعدة أطوار، فمرة كانتا فراشة زاهية الألوان وأخرى الزهرة التي تنبت في أعالي القصب. لقد جهدت معظم النباتات والأعشاب والأشجار على إبقاء الفتاتين مرصودتين بهدف جعلهما وسيلة لإغواء الرجال الصالحين الذين يمرون في المكان وهم في طريقهم إلى جزيرة النفوس (الخلود). كانت مملكة الاخضرار قد شارفت على نهايتها وقد راودها شك في قدرتها على نجاح محاولاتها في إغواء نارونداري وثنيه عن متابعة مسيرته. لذلك بذلت جهداً مضاعفاً كي تضمن لخطتها النجاح، فكان أن أوحت للرجل المقدس أنّ الغناء الحزين ينبعث من شجرة البلوط فيما هو في الحقيقة آتٍ من نبتة الزنبق البري.
لقد علمت الفتاتان الذكيتان أن سحرهما لإغواء هذا الرجل المقدس غير مؤكد، اما كسب عطفه فأمر محسوم. كما علمتا أن إرسال رسالتهما اليه عبر نبتة ضعيفة قد لا يثير انتباهه، لذلك، وعندما أرسلت ريح الجنوب أنفاسها إلى الطبيعة، نحبتا نحيب حزن وأسى كأنه رثاء شخص عزيز مات لتوه. وما أن سمع الرجل العظيم نواحهما حتى قال: واه! . . . إن قلبي ينفطر حزناً لحالتكما. فلماذا تبكيان. او بالأحرى من سبب حزنكما العميق هذا الذي جعلكما تنتحبان؟
– إنها مليكة الأعشاب الأنانية. لقد حبستنا (رصدتنا) في هذه الشجيرة العشبية فمات بذلك جسدانا وكل ما فيهما من حواس سمع وبصر وذوق ولمس، ولم يبق فينا أي شيء حي إلا حالة الحس الباطني التي تساعدنا على تقبل هذا السجن بيتاً لنا. لقد تحول جسدنا البشري إلى جسم نباتي. فرحماك أيها الرجل المقدس، إشفق علينا، خلصنا من سجننا فنصير لك خادمتين.
استعانت الفتاتان بكل ما كسبتاه من دهاء وحنكة في سنوات عمرهما المليئة بالغرائب، فأصغى وأصغى. . . وأخذ يفكر في سرِّه: كم هو جميل أن أرى شكل هاتين الصبيتين الملتحمتين في نبتة الزنبق!!. . لن يضيرني في شيء إن أنا نظرت إليهما، فهذا لا يتعارض مع ما هو محظور عليّ من معاشرة النساء. سوف أساعدهما للتخلص من أسرهما ثم أنظر إليهما قليلاً. هذا كل شيء. وهكذا كان. أمر النبتة أن تفك أسر الصبيتين. وفي لمح البصر برز من قلبها فتاتان هما آيتان من آيات الجمال. لقد بهره جمالهما وسحر نظراتهما افوقع أسير حبهما وقرر الزواج بهما فقال: ها أنا قد وهبتكما الحرية، فهل تقبلان الزواج بي؟ . . . وبدل ان يكمل طريقه لإتمام رحلة الصيد، عاد بهما إلى بيته. سألهما الجلوس واعطاهما شيئاً لتأكلاه. وبعد ان أكلتا وشربتا، راح يتلو عليهما القوانين والعادات المتَّبعة بين القبائل. صحيح أن بعض هذه العادات متطرفة جائرة ولكن لا مفر من سلوكها لأنها في النهاية تخدم المصلحة العليا. منها مثلاً ، عدم السماح للمرأة ان تنظر إلى الرجال وهم في مرحلة النضج (تكوين الشباب)، او تقديم أي شراب لهم. كما أنه لا يقدم لهم لحم الكانغارو أو الإيمو أو سمك "البوندي التشيري" وخصوصاً ذلك النوع الفضي المسمى "التيكوري". وحذرهما قائلاً: لا يسمح لأي امرأة أكل هذا السمك تحت طائلة عقوبة الموت.
كانت الأيام تمر وبمرورها تكتسب السيدتان خبرات جديدة. كما بدت تخـتلج في نفسيهما كل الميول والغرائز الأنثوية. بدا نارونداري قلقاً لهذا التطور الذي ينذر بقيام صراع بينه وبين زوجتيه. لذا لم يعد يسمح لهما بالبقاء في البيت وحدهما بل كان يطلب منهما مرافقته في جميع رحلات الصيد التي عليه القيام بها. حدث أنه في إحدى المرات، وفيما هم يصطادون في بحيرة ألبرت، كان هو في قاربه بينما كانت السيدتان تخوضان في الماء الضحل عند الشاطئ ومعهما شبكة مصنوعة من ألياف الأشجار التي تنبت على الشاطئ، مخروطة الشكل تشبه مطفأة الشمع ولكنها أكبر حجماً. كانتا تضعان الشبكة عند فوهة منبت قصب كثيف ثم تدخل إحداهما البحيرة من الطرف الآخر محدثة بلبلة واضطراباً مما يدفع بالسمك إلى الهروب باتجاه الفوهة فيقع في الشبكة. تفرغ السيدتان السمك الذي غالباً ما يكون متنوع الأجناس (تشيري بيلاكي كاماري أو توكوري) في وعاء. ولسوء الحظ فقد كان بين الأسماك هذه المرة ثلاث سمكات ذات لون فضّي جميل من نوع "توكوري". نحّتا السمكات جانباً وغطتاها بالأعشاب والألياف ثم عادتا لإتمام عملهما. لقد كانتا في حالة فرح غامر نسيتا معها التفكير فيما تعملان. أعيا الثلاثة التعب فقرروا العودة إلى المسكن. وفيما هما يتهيأون للرحيل، نظرت المرأتان إلى البحيرة فرأتا عمود دخان يتصاعد في السماء الصافية، فاستدعتا زوجهما ورئيسهما نارونداري. تطلعت الزوجة الكبرى صوب الدخان وقالت: أنظر!. . لعل القوى الكبرى تريد أن تنبئنا شيئاً. أو لربما هي مأثرة.
جلس الرجل المقدس منتظراً تلقي المأثرة. فجأة انتفض واقفاً وأخبرهما أن "نِبولّي Nebullie" طلب منه الذهاب إليه في مسكنه في "رُكْهوون". لذلك فهو سيذهب استجابة للرسالة، إما هما فعليهما البقاء في البيت.
قالت الصغرى: سنبقى هنا نراقبك حتى تعبر الضفة الأخرى للبحيرة ثم بعدها نعود إلى البيت. وهكذا كان. ذهب نارونداري الى غايته وقفلت الزوجتان عائدتان إلى بيتهما بعد ان اطمأنتا على أنه عبر البحيرة سالماً. اتجهتا فوراً إلى كومة العشاب والألياف وأزاحتا ما تحتها من كنز ثمين. وقفتا تتأملان السمكات وتقلبانها مرّات ومرّات بإعجاب شديد ثم قفلتا راجعتين إلى البيت، أو بالأحرى ركضتا مسرعتين. وما أن وصلتا حتى بدأتا بسرعة في إشعال النار من قشور شجر البلوط، وعندما تم احتراق الحطب وأصبح جمراً أحمر جميلاً، وضعتا السمكات بالقرب من النار بعد أن وضعتا طبقة من العشب لحفظ المادة الدهنية الضرورية لطبخ اللحم ثم أخذتا قضيبين جافين رفيعين، طوله حوالي ست عشرة بوصة وقطر دائرته نصف بوصة وأمسكتا بهما. وبحنكة خبير مدرَّب، أخذتا جمراً من النار، كما نفعل بالملقط، ووضعتاه على السمك وتركتاه لفترة من الزمن كانت خلالها تنحي الجمر جانباً وتقلب السمك عدة مرات إلى إن تم نضجه. كانت المادة الدهنية أثناء ذلك تذوب ويسمع لها هسيس كذاك الذي يسمع عند القلي في مقلاة.
سمع نارونداري هسيس الذهن وقال لنبوللي:
– اتسمع هذا الهسيس؟ كأن امرأة او بعض نساء يطبخن السمكة المحرمة!. لا يجدر بي البقاء هنا، يجب أن اعود قبل غروب الشمس. أما المرأتين فجلستا بعد طهي السمك فوق قمة التلة ليتسنى لهما استكشاف المنطقة حتى إذا ما تبين لهما قدوم شخص تقومان بتخبئة القسم المتبقي من السمك كيلا يكتشف أمر أكلهما للسمكة المحرمة. . جلستا تحت أشعة الشمس المشرقة تأكلان وتتكلمان بغبطة عارمة عن متعتهما بهذه الوجبة الشهية.
– حقاً إن الرجال دهاة، يعرفون أي الأطعمة أكثر جودة وألذ طعماً فيضعون القوانين لحرماننا منها، ولكننا أدهى منهم.
بعد أن أتمتا وجبتهما، اضطجعتا فوق العشب تثرثران ضاحكتين حيناً ومصغيتين لغناء الطيور المنبعث من الوادي القريب حيناً آخر، ولكن ما إن قاربت الشمس منتصف السماء، حتى جلستا ونظرت كل واحدة في عين الأخرى، ثم تكلمت إحداهما:
يا للمصيبة! ماذا فعلنا؟ إنه أمر غريب . . الا تشمين رائحة التكوري!؟ لقد امتصت الأعشاب الرائحة واكتنزتها. يجب ان نترك المكان. لا يجدر بنا البقاء هنا وتعريض نفسينا للخطر ولاستجواب سيدنا ومولانا. فلنهرب قبل ان يحل علينا غضبه
– ولمَ الهرب؟!. لنبق ونواجه غضب نارونداري. فخير لنا أن نبقى هنا ونعاد إلى نبتة الزنبق من أن يحل بنا عقاب أشد وأدهى في حال قبض علينا في هروبنا
– تعالي قالت الكبرى. لا وقت لدينا للتردد. بإمكاننا الذهاب إلى أرض أخرى غريبة وهناك نسعى لكسب عطف "موكنبولي Mookumbulli" فنصبح زوجتاه، عندها لا يستطيع أحد أن يحرمنا حريتنا.
هكذا وبصمت مطبق، جمعتا حزمة كبيرة من القضبان وحملتاها إلى ضفة النهر، ربطتاها ببعض الألياف فتشكّل لديهما ما يشبه الزورق. حملتاه إلى الماء، جلستا فوقه وجذفتا حتى بلغتا الضفة الغربية لبحيرة ألبرت، وناماتا في المكان الذي عرف فيما بعد باسم ت.ر. بومن T.R. Bowmen
هذا ما حدث للمرأتين خلال الليل. أما "نارونداري" فقد عاد متأخراً عند المساء. لقد كان على بعد مئة ياردة أو أكثر عندما صعقته رائحة التوكوري.
لقد أكلت هاتان الغبيتان من سمك التوكوري المحرم. يجب أن تعاقبا . . ونادى الصغرى: نهود . . . نهود. ولم يسمع جواباً .
_اين أنتما؟ اين ذهبتما.
لم يكن هناك إلا نعيب الغراب. وما نعيبه إلا دليل شؤم. المجرمتان هربتا. أوقد ناراً وجلس يفكر بالفعل الشنيع الذي اقترفته زوجتاه. بأي عذر سيبرر نفسه أمام الروح العظمى لإطلاقه هاتين المرأتين من سجنهما الذي فرضه عليهما الضحية السابق "الروح المرافقة للمواطن Spirit Native Companion". أي نوع من القصاص يجب أن أفرض عليهما؟ قبل أن أقرر، يجب ان أجدهما أولاً.
اضطجع نائماً، استفاق قبل شروق الشمس، أخذ سلاحه المعد لضرب الخطأة الذين يتمردون على شرائع القبيلة، (هو سلاح مخصص لجلد المذنبين، روعي عند إنشائه أن يحدث ألماً شديداً وموتاً بطيئاً لكي يتاح للمذنب وقت للتفكير والندم على فعلته). وأخذ أيضاً قذيفته ال"بومارينغ" وهي قذيفة مجوفة وموزونة بدقة بحيث تعود إلى راميها مباشرة بعد بلوغها غايتها. رمى بجلد السنجاب فوق كتفيه وشرع في رحلته: نزولاً باتجاه شاطئ البحيرة، متباطئاً في أول الأمر ثم ما لبث أن أسرع الخطى عندما ارتفعت الشمس في السماء. كان اثناء سيره يتفص المكان يتفحص المكان بحثاً عن آثار أقدام. عندما وصل إلى البحيرة قصد المكان الذي تركتا فيه الشبكة فرأى هياكل أسماك التوكوري. الآن تأكد له سبب غيابهما. ركب زورقه وأبحر عبر البحيرة وأرسى في نفس المكان الذي أرستا فيه ورأى الزورق الذي عبرتا به. طاف في المكان بين الشجيرات النامية على ضفة النهر، فرأى بقايا النار والمكان الذي اتخذتاه ملجأ لمبيتهما تلك الليلة. ثم راح يقتفي أثرهما إلى أن قاده البحث إلى برزخ من الأرض يقع ما بين الشمال الغربي والجنوب الشرقي في "انكاونتر باي" جنوب أستراليا. وعلم أيضاً أنهما أقامتا في مكان أخر وأنهما لم ترحلا إلا قبل ساعات قليلة من وصوله. لذا فكّر بأخذ قسط من الراحة يستأنف بعده مهمته في الصباح الباكر.
بدأ عمله باكراً مع بزوغ الشمس. بحث في كل اتجاه، ولكنه لم يعثر عليهما. وقف حائراً لا يستطيع أن يقرر أي اتجاه يسلك. بعد طول تردد قرر الاتجاه جنوب شرق. مشى بسرعة كبرى قاطعاً حوالي سبعين ميلاً. ارتاح قليلاً ثم قال في سره: لو أنهما كانتا تسيران بهذا الاتجاه لكنت لحقت بهما. وإذ ذاك نصب خيمة من أغصان الشجيرات والأعشاب ورقد نائماً. كان الليل قد انتصف وقد أرهقه طول المسير فسقط في نوم عميق لم يصح منه إلا وشروق الشمس قد سبقه بوقت طويل. لقد كان من المحتمل أن ينام وقتاً أطول لولا أنّ يداً لمسته وسمع صوتاً يناديه: "استيقظ أيها النائم. . . أصحُ من غفلتك. . . إعلم ان عدوك قريب". استيقظ ونظر حوله ولكنه لم يرَ احداً.
كان الزائر روح الأمومة الكبرى. الملاك الحارس الذي يسهر على سلامة الناس الأبرار ويبقى إلى جانبهم دائماً ليحذرهم حين يلوح صوبهم خطر. استجاب نارونداري. استعد لملاقاة عدوه المجهول مكملاً سيره في البحث عن زوجتيه.
بعيداً في قبيلة "البنبالي"Pumbbaallee"، يعيش رجل قاسِ، فظ الطباع، اتخذ الغراب سيداً وأمسى من أتباعه وهو، كمعلمه، أينما حلّ يكون نذير شؤم. ثم تحوّل من غراب إلى "وومْبَتْ". وفيما هو يتجول بين كثبان الرمال وحيداً، لمحه نارونداري عن بعد فرماه بسهمه وأصاب منه مقتلاً. طعنة في القلب مباشرة. استل السهم فتدفق الدم غزيراً فوق الرمل الأبيض. التقط نارونداري ال"وومُبَتْ" وحمله إلى خيمته وربطه بوتد. وعندما هم بالجلوس تذكر أنه نسي سهمه في المكان الذي قتل فيه ال"وومُبَتْ". عاد ليحضر السهم فرأى دم ال"وومُبَتْ" قد تحوّل إلى إنسان، فجلس يراقبه.
لقد رأى رجلاً منبطحاً على الأرض يتنفس كمن في سبات عميق. وارتأى نارونداري أن يترك له سهمه. قد يكون بحاجة إلى سلاح، أي نوع من أنواع السلاح.
سار متئداً بين الأشجار وصنع سهاماً "ياندية" وعاد مرة ثالثة إلى مقره. ومن هناك وقف يتأمل الرجل الذي انبثق من دم الحيوان: ما عساه يكون!!.. إنه بحكم كونه خادم للروح الكبرى، يعرف أن هنالك أرواحاً ورجالاً أشراراً يتلبسون الأشجار والنباتات، أما أن تحل الروح في دم حيوان، فهذا أمر لم يعهده من قبل!!.. من يدري ربما كان الأمر نذير شؤم. لذلك عاد يستطلع المكان عله يجد ما يدله إذا كان هذا الشخص عدواً أو صديقاً. ربما كان صديقاً أرسلته الروح الكبرى لمساعدته في البحث عن زوجتيه. عند وصوله إلى المكان، كان الشخص قد اختفى. تطلع حواليه عله يرى آثار أقدام فلم يحظ بشيء، وهكذا تأكد له أن الشخص عدو، فالصديق يترك دائماً آثار أقدام . هذه حقيقة يؤمن بها كل السكان الأصليين (الأبوريجينيين). قال في سره، يجب أن ابقى حذراً. وهكذا بقي طوال يومه متوارياً عن الأنظار.
في اليوم التالي، جلس نارونداري على قمة مرتفع من كثبان الرمال محدقاً مرة صوب الجنوب وثانية صوب الشمال وثالثة غرباً ثم شرقاً عله يهتدي إلى أي إشارة تساعده على تحديد وجهة سيره. ثم ما لبث أن سمع قهقهات. لم تكن قهقهات فرح أو ابتهاج، وإنما هي تحمل معاني الهزء والاستخفاف. هب واقفاً يستطلع مصدر الصوت، فتراءى له منظراً جمّد الدم في عروقه، وأحدث قشعريرة في عظامه.. لقد انتصبت أمامه قوس الشر المعادية لروح الخير، وبسرعة استل نارونداري سلاحه. قبض عليه بشدة واعتدل في وقفته متهيئاً لرشق الصورة المتقدمة نحوه. على بعد مئة ياردة من ناروناري، وقف "بارمِباري Parrimparie"" منادياً:
– يا نسيبي. . هلاّ عرفتني؟
عندما سمع نارونداري هذه اللهجة الودية، اتجه صوب الرجل المخادع ولكنه توقّف قبل بلوغه المكان بعشرين خطوة وقال: أيا نسيبي!!.. هل أنت الشخص الذي حرّرْتُه من جسم حيوان ال"وومبت"؟
اجل، انا هو.
– هل أنت نسيبي؟ (أخو زوجتي)
– أجل. أنا كذلك
– إذاً، فبإمكانك أن تخبرني عن مكان أختيك. إنني أبحث عنهما.
– كلاّ . لن أخبرك. . أنت غريمي. لقد انتظرت طويلاً لأظفر بك. ولكنّ وجودك الدائم بين الناس ، وتنقلك المستمر في طول البلاد وعرضها، صعّب الأمر عليّ ومكّن أتباعك من قوى الخير من القبض علي وحبسي في جسم حيوان ال"وومبَت" إلى ان أتيت أنت وأطلقت سراحي. الآن يجب ان تموت قبل وصولك إلى السماء.
– كل الرجال الصالحين (الأولياء) منحوا حق الذهاب إلى السماء من دون أن يعانوا تجربة الموت. . . وها أنت تدعوني نسيبك. . . فلماذا تـخالف إرادة قوى الخير أمثال "هووك" و"بروولجي" و"بنونونجي"؟! ألا يسرك أنني أطلقت سراحك في حين كان بإمكاني أن أذبحك؟ . . . لقد أتحت لك فرصة استعادة شكلك الطبيعي الذي أنت عليه الآن. . . ألست سعيداً بهذا؟! إعقل!. . . دعك من الشجار
وعاد نارونداري من حيث أتى. عندها بدأ الرجل يقهقه ويغني أغنية ما.
تابع نارونداري مسيرته معتقداً أنه قطع مسافة كبيرة إلا أن غناء غريمه كان لا يزال يضرب مسمعه فظن انه يتبعه. وقف وتطلع حوله فتبين له أنه لا يزال في نفس المكان. لم يتقدم بوصة واحدة. تطلع فرأى الرجل يرقص ويلوح بحربته متحفزاً يستعد لإطلاقها عليه. وقف ينتظر ما قد يكون من أمره. فجأة انطلق السهم بسرعة البرق. لقد كان من الممكن ان تصيبه في مقتلٍ لولا أن نارونداري تفاداه في الوقت المناسب، واقتصرت الإصابة على جرح في الفخذ، الأمر الذي جعل غريمه يظن أنه نال منه، فراح يرقص ويغني طرباً بفعلته.
أخذ نارونداري سهمه، أثبته إلى القوس، أسنده إلى كتفه، وككل المحاربين الأشداء تمتم صلاة متوجهاً بها إلى الرمح فقال: " أيها الرمح العزيز، إنني أثق بك وأعتمد عليك كل الاعتماد. ألسْتَ أنت ساعدي الأيمن؟ ألم أصنعك لتخدم أهدافي؟ . . . انطلق الآن . تصرّف بما يرضى مولاك وأطع أوامره". وبكل ما أُوتـِيَ من عزم وتركيز وبسرعة البرق الخاطف، انطلق السهم ليدخل صدر بارمباري ويخترق قلبه، فسقط صريعاً على الأرض مضرّجاً بدمائه. عندها، تنفس ناروناري الصعداء ثم تابع رحلته.
سار وسار طويلا غير آبه بما يحيط به إلى أن أحس روح "رتش إر رووكيتي" الذي يبدو وكأنه كان إلى جانبه طوال الوقت. وإذ نظر حوله رأى أنه لا يزال في مكانه ولم يتقدم خطوة واحدة. قال في نفسه، لا بد أني أواجه عدواً شرساً، ولعله من تلك الفئة التي يبقى تأثيرها فاعلاً رغم مفارقة روحها للجسد، وهي لذلك تمنعني من التقدم. جلس يأهذ قسطاً من الراحة قبل معاودة المسير. أثناء ذلك، لاحظ أن جميع الطيور والحيوانات التي تقترب من الجثة تبفى لصيقة بالمكان لا تستطيع الابتعاد عنه. فخلص إلى قرار: إن الطريقة الوحيدة للتخلص من هذا المأزق هي في حرق الجثة. . نهض وجمع كومة كبيرة من الأعشاب وأغصان الأشجار ثم كدس فوقها جذوعاً الواحد تلو الآخر إلى أن تم له كومة تساوي ضعفي طوله ثم أخذ الجثة ووضعها فوق كومة الحطب. ثم أخذ جذعي نبتين من الزنبق البري، أحدث ثقباً في إحداها ووضع فيه جذع النبتة الثانية وعالجهما طويلاً حتى تمكن من إحداث اللهب ثم أشعل النار وأحرق الجثة وعاود متابعة رحلته.
سار وسار طويلاً ، ثم توقف ليرى أين وصل فاكتشف أنه لا يزال في نفس المكان. فقال: يجب أن أبحث جيداً علّ هناك شيئاً من أثر غريــمي. التفت حوله فرأى دمه المتجمد لا يزال على الأرض. أشعل ناراً أخرى وعندما انطفأت حرك الرماد الساخن حتى ضاع كل أثر للدماء ثم تابع مسيرته. كان تقدمه سريعاً لا تعيقه اية عوائق. لقد قطع ما بين سبعين وثمانين ميلاً في الساعة، وما أحس إلا وهو في مواجهة نهر "موراي" يجري مندفعاً نحو المحيط.
كلّم الروح الكبرى طالباً منها أن تسّهل عبوره. استجيبت صلاته: ارتفعت الأرض وشكلت جسراً عِبـْر النهر. عندما وصل إلى الضفة الأخرى، رأى أثار أقدام زوجتيه اللتين كانتا هناك قبل ثلاثة أيام. وبتتبعه أثرهما اهتدى إلى مكان مبيتهما تلك الليلة ولاحظ أن في الرماد البارد بقع تراري التي هي كتلة دهنية داخل المولووي (التوكوري المبقع) أو ما يسميه البعض الملك. إن هذا الدهن من سمك المولووي وهو محرم تحريماً باتاً على النساء. عندما شاهد نارونداري هذا الدليل، انفطر قلبه حزناً وأسى. لقد تأكد له الان، وبالبرهان القاطع، وقوع زوجتيه بالخطيئة المميتة، فخيمت كآبة ثقيلة على صدره. جلس بجانب خيمته وبكى بمرارة خطيئة زوجتيه الشابتين. لقد أحب هاتين الغريرتين حباً كبيراً، وراح يفكر كيف أنه حررهما من العبودية ومنحهما نعمة العيش كباقي البشر. هو أيضاً من أوكلت له الروح العظمى رسالتها لتعليمها للناس وفوضته معاقبة المخالفين. لذا فقد وجب عليهما العقاب الذي يجب أن يكون اشد من عقابهما الأول.
تردد في أمر معاقبتهما إلى حين، ثم ما لبث أن حزم أمره. يحب أن يكون عقابهما قاسياً وتظلا عبرة لكل من تخول له نفسه مخالفة القوانين على مدى الأجيال. هاتان الزوجتان اللتان كانتا أثيرتين جداً على قلب أعظم نبي من انبياء الأبؤريجينيين لم تشفع لهما حظوتهما عنده. لقد صلّى للروح العظمى كي تسامحهما ولكن الإجابة كانت: على كل حيّ أن يجازى بأعماله. وهكذا، عقد العزم على أن يتتبعهما لتنفيذ العقوبة بهما. وباقتفاء أثرهما وصل إلى ما يُعرَف اليوم ب "بورت إليوت"جنوب أستراليا، المكان الذي حطت رحالهما به قبل يومين من وصوله. . تفحّص الرماد فرأى أنهما طبختا أصدافاً وأسماكاً وحلزوناً بحرياً. . . فبكى ثانية، وكان بكاؤه بقرب صخرة كبيرة . لقد بكى كثيراً ذلك النهار وانسابت دموعه نحو البحر، ولا زال الناس يشيرون إلى المكان ويقولون: هذا هو المقام الذي بكى عنده نارونداري بحرقة أسفاً على زوجتيه المغرورتين العنيدتين. . . إنه يشبه خزان ماء عذب منعش بجانب البحر، فالدموع المالحة المرة، والقلب المنكسر، أصبحت كأنها الماء العذب المنعش التي ترافق النفوس في رحلتها إلى أرض الأرواح. وعندما سيزور الأبؤريجينييون هذا المكان، ستنهمر دموعهم فوق خدودهم خشية لذكرى نبي عظيم رعى وعلّم رسالة الأب الأكبر، أب الجميع، الروح العظمى.
بعد ان امضى نارونداري ليلة قلقة مضطربة، استفاق باكراً وابتدأ رحلته مسرعاً في سيره إلى أن وصل إلى ما يعرف اليوم ب "فِكْتور هاربَر". جلس يأخذ قسطاً من الراحة مسرحاً نظره صوب الأفق الغربي، فتراءتا له. بكى مرة أخرى. بكى لأنه في رؤياه عرف ما سيؤول اليه حالهما، ولأنه هو الذي سيتولى تنفيذ ما سيحل بهما من ويل قبل وصولهما إلى أرض النفوس الخالدة، جزيرة الكنغارو. كان صراعاً داخلياً حاداً يدور في أعماقه. فطبيعته السمحة المحبة كانت تتمنى لهما السلامة وتأمل وصولهما إلى الجزيرة حيث بإمكانهما العيش بحرية وسلام متحررتين من أية قيود أو عقاب، في حين كان الواجب يدعوه للحاق بهما ومنع تقدمهما. الآن، وقت الأصيل، وصلت المرأتان إلى المكان المقابل لجزيرة الكانغارو. في زمن حدوث القصة، كانت الجزيرة متصلة باليابسة بشريط ضيق. ولكن إذا ما هبت رياح جنوبية عاتية يثور البحر وتغمر مياهه الشريط فينقطع ما بين الجزيرة واليابسة من اتصال .
لم تعبر المرأتان إلى الجزيرة حال وصولهما عصر ذلك النهار، بل تلهّتا بقطف الثمار وجمع العسل وكان في نيتهما العبور في صباح اليوم التالي. من ناحية أخرى، لم يكن العبور ليتم إلا بإذن من حارس نقطة العبور الذي كان يعرف بلقب"خُووّالّيKhowwalli وهو رجل قاس شرس الطباع ويصعب النقاش معه. يستعين على قضاء مهمته برمح حاد النصل، قد يحدث جروحاً خطيرة وبليغة عند استعماله.
اقترب نارونداري من المرأتين مسافة كافية لتتبع تحركاتهما. هو لا يبعد عن مكان تواجدهما إلا مسافة أربعة او خمسة أميال. ها هو يراهما واقفتين على صخرة تتطلعان إلى أرض الأرواح. نصب خيمة صغيرة ثم قصد الغابة فاصطاد سنجاباً أبيض. شواه وتركه يبرد قليلاً قبل الشروع في أكله. وهكذا فعلت المرأتان. نصبتا خيمة صغيرة مريحة وأشعلتا ناراً وقّادة ارتفع لهيبها بحيث استطاع نارونداري رؤيتها. كان نارونداي ينتظر الرسالة الثانية من الروح العظمى التي ستملي عليه ما يـجب فعله لتنفذ العقاب بالخاطئتين.
عند منتصف الليل، حمل اليه الرسول "كرولتومي Kroolthumie" الأمر الذي يقضي بأن يسمح للمرأتين بالسير على شريط اليابسة، هو جسر يجب أن يعبره كل حجاج أرض الأرواح. وعند وصولهما إلى منتصف الطريق، يجب على نارونداري أن يبدأ بإنشاد أغنية الريح. اولاً يجب ان يغني أغنية الريح الغربية الغاضبة لتهّب وتحضر مياهاً من بلاد غامضة خفية وتجعلها تدور بحقد وغضب. بعدها يغني اغنية الريح الجنوبية التي تدور وتدور وتجلب مياهاً من بلاد مجهولة. هذا ما سيجعلهما تتمنيان العودة إلى اليابسة. عندها يغني نارونداري أغنية الريح الشمالية، فتعلو المياه وتدور متلاطمة حتى تنهك قواهما. عندها يجب ان يأمر بأن تتحولا إلى صخرتين. استفاق نارونداري باكراً واقترب من مكان وجود المرأتين وجلس ينتظر بدء قيامهما برحلة الموت.
قصدتا الحارس وسألتاه إذناً بالمرور.فأذن لهما بكل طيبة خاطر. سرّهما الأمر وأخذتا تثرثران فرحتين لاقترابهما من أرض الأرواح. والأهم من كل ما كانت تتوقعانه من رغد وهناء عيش، هو تحررهما من الخطيئة التي اقترفتاها. لم يدر في خلدهما أنها ليست سوى لحظات وينزل بهما عقاب أشد من الموت جرّاء غرورهما وتمردهما على إرادة الروح العظمى.
اقترب نارونداري قليلاً من شريط اليابسة المؤدي إلى جزيرة الكنغارو، وجلس في مكانٍ عالٍ يمكِّنه من متابعة تحركاتهما. وعندما وصلتا إلى منتصف الطريق، بدأ يغني أغنية الريح:
– "إنزلي من عليائك أيتها الريح المعظّمة. أركضي مسرعة وامنعي هروبهما. يا مياه الأعماق تعالي كثيفة عارمة". وجاءت الريح الغربية مندفعة بغضب جارف فيما كانت المرأتان تصارعان بجهد في وجه العاصفة، فقد كانت المياه تعلو وتعلو وتغمر اليابسة من حولهما. ثم غنى نارونداري أغنية الريح الجنوبية. فهبت ريح وحملت مياهاً من المجهول مرتفعة كأنها جبال صغيرة واطبقت عليهما تتجاذبهما كالقارورة الفارغة. حاولتا المقاومة بكل ما استطاعتا من جهد، ولما أعياهما ألامر وفقدتا الأمل بالوصول إلى مبتغاهما،نادتا: "إننا آتيتان! إننا آتيتان". لقد ادركتا أن الروح العظمى تعارض وصولهما إلى جزيرة الكانغارو، فاستدارتا وفي نيتهما العودة إلى اليابسة، إلا ان "ولكوندميا Wallkunmia" كان حاضراً للقيام بواجبه وتلبية نداء نارونداري القاضي بإنزال العقوبة بهاتين الخاطئتين. وكان عنف الصراع قد أخذ منهما كل مأخذ، فسقطت مقاومتهما فغرقتا وغاصتا في الأعماق. فجأة سكنت الريح وصفا الجو، فبكى نارومداري بمرارة رغم إيمانه بأنه لم يعمل إلا ما توجبه عليه الروح العظمى. شعر بصدق أنه احب هاتين المرأتين بكل أخطائهما وعيوبهما. وهمس صوت له: "أعطِ امراً بتحويل جسد هاتين المرأتين إلى صخرتين لتكونا شاهداً وتحذيراً لكل النساء كي لا يأكلن الطعام المحرم مطلقاً.
تكلم، كانت عباراته ترداداً لما أُمِر به. انتصبت في المكان صخرتان لا تزالان حتى يومنا هذا تبدوان من اليابسة بمثل ما تبدو السفن العابرة وتعرفان اليوم بالصخرتين الأختين. قبل مجيء "الرجل الأبيض" كانتا تعرفان ولا زالتا عند بعض الأبؤريجينيين باسم الأختين "Rhunjullang". وفي ما سلف، كان الحجاج الأبؤريجينيون يؤمون المكان للتأمل والاعتبار بحكمة المعلم الأكبر نارونداري. بعد انقضاء الأمر، وبعينين تملؤهما دموع الحسرة والأسى، وبقلب أفطره الحزن، أمر نارونداري المياه بالتراجع ليتسنى له العبور إلى جزيرة الكانغارو. وعند الجانب الشرقي للجزيرة، تفيأ ظل شجرة كبيرة واستراح حتى أذنت الشمس بالمغيب، فاتجه غرباً وغاص في مياه البحر العميقة، ومكث وقتاً طويلاً يبحث في الأعماق عن روحي زوجتيه وانقذهما من القبر المائي البارد، وصعد بهما معلقتين على جانبيه. طار صعوداً صعوداً إلى أن وصل بهما إلى أرض الخلود، لينضم إلى جماعة الأرواح الطاهرة السعيدة "نابوللي"، "وِيوغاري"، "جيفيلانغ"، و"مَنْجُنْجي"، وليتطلع من عليائه ليبارك ويشجع "الكمنوكالدي"، ليستمر في حربه على قوى الشر، محافظاً على طاعة وتنفيذ إرادة الروح العظمى
زوجات نارونداري Naroondarie’s wives
تأليف: دافيد يونابيون، David Unaipon ترجمة: نجمة خليل حبيب
* * * *