سنديانة فلسطين في الذاكرة
في مثل هذه الأيام من العام المنصرم، وبالتحديد في السابع والعشرين من آب 2016، دعت رابطة الكتاب الأردنيين، كعادتها في تكريم رموز الوطن الفكرية والثقافية، إلى تكريم المفكر العربي الأستاذ الدكتور فهمي توفيق مقبل في حفل مهيب انتظم عقده في مدينة إربد عروس الشمال الأردني. لقد تعاقب على المنصة عدد من الأدباء والمفكرين والأكاديميين الأردنيين، الذين أشادوا بأبحاث البروفيسور مقبل، وأهميتها العلمية والأكاديمية. والبروفيسور مقبل — لمن لا يعرفه عن قرب — من مواليد السنديانة جنوبي حيفا عام 1944.
خلال تلك الفترة، كان المرض قد استفحل واستشرى في جسد العالم الجليل، حيث أسلم الروح إلى بارئها بعد مرور اقل من ثلاثة اشهر على الحفل، وقبل أن تصدر كلمات التكريم في كتاب تذكاري عن دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع في عمان.
تضمن الكتاب التذكاري أربع عشرة كلمة بالاضافة إلى تصدير بقلم الاستاذ الدكتور حلمي الزواتي بعنوان "فهمي مقبل سنديانة فلسطين"، تحدث فيها عن مكانة المحتفى به العلمية والأدبية، وعن خلقه الرفيع وحبه لوطنه، وصلته به على مدى أربعة عقود لم تنفصم عراها، كما نوه الدكتور الزواتي إلى أن التكريم يأتي في حقبة سوداء تمر بالأمة قاطبة، وهي أشبه ما تكون بالليل البهيم، وجهها كظهرها، ونهارها كليلها يلفهما السواد، حيث انقسمت الأمة على نفسها، وتعاظمت مصائبها، وكثر القتل والتهجير، وعم الخراب.
كما تضمن الكتاب التذكاري سيرة الدكتور مقبل الذاتية والابداعية، والتي شملت مؤهلاته العلمية بما فيها درجة دكتوراة الفلسفة من قسم الدراسات الشرقية بجامعة مانشستر البريطانية، ثم تدرّجه الوظيفي كأستاذ في عدد من الجامعات العربية كانت أخراها جامعة البترا الأردنية، ثم انتاجه العلمي بالعربية والانجليزية، وما حكـّمه من رسائل جامعية وأعمال ترقية لزملائه في الجامعات العربية، ثم المذكرات والندوات التي شارك فيها، وكذلك المنح والجوائز وشهادات التقدير التي حصل عليها خلال رحلة حياته، والمقررات الدراسية التي درَّسها في الجامعات العربية المختلفة، وعضوية اللجان التي شارك فيها، وأخيرا النشاطات الثقافية المجتمعية، سواء بشخصه أو من خلال الإذاعة والتلفزيون.
لقد ضم الكتاب كلمات تقديرية ألقاها في حفل التكريم كل من الدكتور زياد أبو لبن، رئيس رابطة الكتاب الأردنيين؛ الدكتور ربحي حلوم، أمين الشؤون الخارجية والناطق الاعلامي برابطة الكتاب الأردنيين؛ الدكتور نبيل علي حسنين، عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية، جامعة البترا؛ الشاعر محمد الحيفاوي؛ الدكتور هارون ربابعة من فسم اللغة العربية في جامعة البترا؛ الأستاذ الدكتور عبدالرؤوف خرابشة من كلية الشريعة بجامعة اليرموك؛ الأستاذ الدكتور أحمد موسى الخطيب، أستاذ الأدب العربي بجامعة البترا؛ الداعية الشيخ صابر توفيق مقبل نيابة عن آل مقبل وامتداداتها؛ الدكتور حسام اللحام، الأستاذ بجامعة الإسراء؛ الدكتورة فاطمة سليم الطراونة، أستاذة التأريخ الحديث بجامعة البترا؛ الدكتور عبدالمجيد عبيدات؛ الأستاذ الناقد محمد المشايخ، أمين سر رابطة الكتاب الأردنيين؛ وأخيرا كلمة الشاعرة عطاف جانم، عضوة رابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
وكما قال الدكتور الزواتي في تقديمه للكتاب "وأنا اتجول في ربوع ما سطره الأساتذة الأجلاء في تكريم الدكتور فهمي، مستمعا تارة وقارئا تارة أخرى، وجدتني أمام بحر زاخر بالحب والتقدير لشخصه وفكره. لقد ألقيت الكلمات مقطوعة موسيقية واحدة متناغمة وإن تعدد العازفون. هذا اللحن الجميل الخالد يريح النفس والعقل والقلب. ولهذا أعلن عجزي ثانية عن التعليق عليها، فالموسيقى العذبة كاللوحة الجميلة، تـُسمع... تـُشاهد.... ولا تـُشرح". نعم إنها شهادات مشرقة في الفكر العربي المعاصر، رصدت سيرة العلامة الجليل الأستاذ الدكتور فهمي مقبل. سيبقى هذا الكتاب شاهدا حيا على ما قدمه الفقيد للفكر والأدب على مدى العقود الخمسة الماضية، ولا أرى غنى عنه لكل من يحمل فكر الأمة وهمومها، وقضيتها المركزية فلسطين!