الاثنين ٣١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٨
بقلم رواء الجصاني

عراقيون من هذا الزمــان (2)

وليــد حميد شلتاغ: بين السياسة والقانون، والنضال المسلح.. والعمل الدبلوماسي

منذ ايام الصبا، والفتوة، وريعان الشباب، كنت أشعر بتقارب ومحبة استثنائية لأبناء (وبنات) الصابئة المندائيين، ولعلّ من دوافع ذلك الصداقات القديمة معهم، وما طفحت به مزايا شخصيات باهرة من رجالات ونساء تلك الطائفة العراقية العريقة.. ولربما ايضا بسبب ما عشته في البيت، ومع الاهل، وتأثيرات تساميهم عن النعرات القومية والدينية وغيرها من موبقات..

وما زلت قد بدأت التطرق الى العلاقات، أتذكر هنا صداقاتي القديمة، الحميمة مع أكرم غضبان الرومي، ومع منصور خلف منصور، وأفراد عائلتيهما المندائيتين الكريمتين، بنات وبنينا، منذ الستينات، حيث مطالع الفتوة ومجالاتها المتعددة الاشكال والأنواع!.. ثم لاحقا مع الاصدقاء والمعارف الاخرين: عصام الناصري وعزيز خلف وربيع مظفر وليلى جبار وملاك مظلوم، وبهجت صبري واحمد الجاري، كما بنات وابناء عوائل: جاوي وسيـّف، وآل حيدر، والشيخ والناشئ، وكلهم من الطائفة الاصيلة في النبل والقيم الطيبة والخيرة في الحياة...

أما الوجوه والشخصيات الصابئية المندائية التي بقيّت – وتبقى – في الذاكرة والى اليوم، وأغلبهم لا يحتاجون لتعريف، لأنهم معروفون اصلا بنبوغ وعلم وأدب وثقافة وعطاء وفي المقدمة منهم: عبد الجبار عبد الله وغضبان الرومي وستار خضير ونعيم بدوي ولميعة عباس عمارة وعزيز سباهي ورضا جليل، ويحيى الشيخ.. وكذلك عبد الرزاق عبد الواحد (حين كان!)....

وكل هذا التقديم يأتي لأصل الى ما يحمله عنوان هذه الكتابة عن وليد حميد شلتاغ، سليل العائلة المندائية الجليلة المناضلة، باسلة التضحية، وكنت قد نويّت ان اكتب عنه، منذ سنين، ثم ترددت الى ان انتهت مهمته سفيرا للعراق لدى براغ، وتقاعد (وظيفياً وحسب) فزال الحظر الذي"فرضته"للنشر عنه، وحوله، لزوال الموانع والأسباب !...

وصاحبنـا – وليـد – تعرفت عليه، وعائلته في بغداد أوائل السبعينات، ثم التقينا في موسكو اواسط عام 1972 لنتجاور دراسة وسكناً لنحو عام كامل، نتعلم اللغة الروسية في جامعة"لومومبا"الموسكوفية.. وكانت سنة حافلة بالنشاطات الطلابية والسياسية والاجتماعية، تشاركنا فيها شؤونا وشجوناً، مع أحبة اعزاء ما برح الكثير منهم في"معمان"العطاء ولو تغيرت الاشكال والمحاور، والمسميّات..

ومنذ ذلك الحين كان"وليـد"غير تقليدي على أقل وصف!. مشاكساً قليلا، باحثاً عن الجديد والتغيير، ولكل من تلكم الصفات تفاصيل وتفاصيل!. دعوا عنكم تميز انتسابه المندائي الكريم، وانتماءه لأسرة مناضلة جميعها، وبلا اية مبالغة.. وهل ثمة مبالغة بأن يسمو الاب والأم شهيدين في اواخر – مطالع الثمانينات الماضية، مخلفين بنات وبنينا نشطاء ومناضلين شيوعيين ووطنيين، بأمتياز؟!.

... تنقطع العلاقة المباشرة بيني ووليـد، أذ"فررتُ"بعد عام دراسي واحد وحيد، هارباً من موسكو، وبردها ومشاكلها، الى بغداد. وقد تيسرت لي فرص وظروف عمل سياسي وغيرها، لأسمع وأتابع عن الرجل ديمومة الحيوية و"اللاتقليدية"في النشاط الطلابي- الديمقراطي، والسياسي الوطني- الشيوعي، والفعاليات الجماهيريو والاجتماعية، وهو يكمل دراسته الجامعية والعليا في موسكو، حتى اوائل الثمانينات الماضية، ثم يبادر ملتحقا بنضال حزبه الشيوعي داخل البلاد، وكردستانها تحديدا لسنوات وسنوات، وحتى عام 1988... وعن تلك الفترة يتحدث اقران وليـد ورفاقه عن مهام الرجل وعطائه وإيثاره وعلاقاته المنسجمة مع الذات والمبادئ..

وبعد الخروج الاضطراري من الوطن، آواخر الثمانينات، وتغيّر اساليب النضال ضد الطغمة البعثية، يتنقل وليد في بلدان عربية، منها الكويت وسوريا، سياسيا وخبيرا قانونيا رفيعا، وناشطا في الأطر المندائية العامة، وحتى سقوط النظام الدكتاوتوري عام 2003 فيعود الرجل مع أول العائدين، ولينغمر في مهمات حزبه السياسية الجديدة، ثم عضوية لجنته المركزية لسنوات.. كما ينغمر ايضا في المهام العامة: في لجنة كتابة الدستور، والجمعية الوطنية التأسيسية، ثم ينتقل للعمل في وزارة الخارجية، ومنها سفيرا في وارسو، لأربعة اعوام، وبعدها مسؤولاً في مقر الوزارة ببغـداد..

وفي عام 2015 يصل وليـد الى براغ سفيرا للعراق، وحتى اواخر عام 2017.. وتتوثق العلاقة أكثر فأكثر، بعد ان كانت تمتد عبر لقاءات بعيدة، ومتابعات متناثرة. ولنقل تتعمق العلاقات وتترسخ، وتتنوع في اشكال وأطر مختلفة، دعوا عنكم الاجتماعية، والعامة. وفي جميع ذلك بقي الرجل على سجاياه الطبيعية، غير المفتعلة: ودودا حريصاً، متواضعا - ولكن حاسماً - مهنيا سياسيا... ولعل من النادر – بالنسبة لي على الاقل- ان لا أشهد وأسمع عن الرجل سوى المحبة له، والاحترام والاعتزاز من المحيطين به، والقريبين، وحتى الآخرين هنا وهناك. وتلكم سمات ربما لا يتمتع بها غير قليلين في رواهن اليوم، وفي ظلّ تعدد المعايير وتشتت االقيم والمفاهيم.

أن كل ما سبق ليس سوى خلاصات وحسب من سيرة ومحطات مديدة ومتنوعة عن وليد حميد شلتاغ، متنوع العطاء والمثابرة. وكما اسلفت في الحلقة الاولى من هذا التوثيق عن شخصيات عراقية (*) فهو مطالب وبدون تواضع أو وجل، ان يكتب - ليس لليوم فقط، وانما للاجيال – عن تجربة وطني وشيوعي على مدى نصف قرن، فهل سيفعلها ويتوكل؟!.

(*) كانت الحلقة الاولى عن المناضل على جواد الراعي، ونشرت في صحف ومواقع اعلامية عديدة، خلال ايلول / سبتمبر 2018 وضمّها الجزء الاول من كتابيّ الموسوم"شهادات وتاريخ ورؤى"الصادر عن دار"بابيلون"في براغ، قبل فترة وجيزة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى