على عتبة العام الجديد
مثقلًا، يجرّ ذيوله نحو الغياب، حاملًا بين طيّاته ما كان من الحلوّ والمُرّ ليرحل. وأنا، مشغولة عن وداعه بطقوس استقبالٍ، تليق بعام جديد مجهولة ملامحه. أسمع صوت نقراتٍ خفيفة تقرع باب ذاكرتي، توقظني من لحظة انشغالي عن اللحظة، وكأنها تنبّهني ألّا أنسى. فأعترف أمامها بأني، لا أخنق صوت الماضي فأدفنه الى لا رجعة، لكنّي أتطلع الى المستقبل دومًا، على أمل أن يكون القادم أجمل. أحاول أن أقنع نفسي بأن الليل مهما طال واشتد سواده، فإنه سينسحب مودعًا، وينبلج نور الفجر مقبلًا بإشراقته البهيجة، حاملًا في ثناياه تباشير الفرح.
أستقبل العام الميلادي الجديد كغيري، عند منتصف ليل الحادي والثلاثين من ديسمبر، وأحتار، كما كلّ مرةٍ، فيما إذا كان جديرًا بأن نرحب به ونهلّل لقدومه، أم ندعه يدخل باب أيامنا خلسة دون طبل وزَمر. فكم من عام جديد هلّلنا له واستبشرنا بقدومه خيرًا، لكنّه صفعنا بقسوة على خدّنا ولم يرحمنا، فاستفقنا من وهمنا، ورحنا نحصي خساراتنا، ونلتقط أذيال الخيبة المعشّشة بين ثناياه. لكن مهلًا، هل نحن محقّون باتهامنا للعام الجديد، بل وللزمن بالمطلق، بما آلت إليه أوضاعنا؟ هل نحن محقّون بتحميله كامل المسؤولية عن سوء حالنا، ووزر أفعالنا؟ ألا ندرك أن الزمن في الحقيقة لا يتغير، وعجلته تدور الى الأمام، دون إمكانية الرجوع الى الخلف؟ ألا ندرك أنّنا نحن البشر الذين نتغير؟ وأن مفاهيمنا، وسلوكياتنا، وظروفنا هي التي تتغير؟!
على أيّ حالِ، ولأن الانسان يحيا بالأمل، ويحب أن يعيش الحلم، فهو يأمل دومًا بأن يكون القادم أجمل، وبأن يكون العالم خاليًا من المشردين، والجياع، والحزانى، وأطفال محرومين من الطفولة. ويأمل بأن يكون العام الجديد عام خير وسلام، وأمن وأمان، وعدل وهدوء بال لجميع البشر، كل البشر.