الأحد ٣ آذار (مارس) ٢٠١٩
بقلم فاروق مواسي

عندما خطب جَدّي أمام السلطان عبد الحميد

ألح صديقي الشاعر سعود أن أروي لقرائي هذه القصة التي أعجب بها، وبالطبع فسبب مناشدته وإعجابه هو أن نعتز بآبائنا المميزين، فأولئك آبائي فجئني بمثلهم!

كنت أتردد على كوخ بناه جدي موسى حامد شايب (من جهة الأم) في أرض "خلة زيتا"، وغالبًا ما كنت أجده يعد الشاي أو القهوة على الحطب، فيدعوني لتناوله.

كان جدي قد شارك في (سفر بَرْلِـك)، حيث حارب مع العثمانيين أسوة بعدد كبير من الفلسطينيين- رعايا الخلافة.

قال:

"كنت في فيلق كان جنوده من بلادنا، وكان أن أصابنا الفقر المدقع، والجوع الكافر، وكنا في أردأ الأحوال، ولا نعرف ما هو المآل، وكنا قريبين من عاصمة الخلافة.

اجتمعنا وقر قرارنا أن يتوجه وفد منا إلى القصور في الآستانة ليقابل المسئولين، ويعرض عليهم شدة أحوالنا، وتفانينا في خدمة الدين.

ألفت خطبة بالتركية لمخاطبة الخليفة دعوته فيها لأن يشفع ويرفع من شأننا".

بعد أن سمع قائد الفيلق خطبتي طلب مني أن ألقيها وأن أكون في الحضرة.

وهنا وقف جدي وأخذ يقرأ الخطبة، وهي كثيرة حروف اللام، وكان يلفظ الكلمات والحروف بفخامة وجهارة، ويحرك رأسه، ويغير من درجات صوته، وكأنه يقرأ للمقامات العلية.

لم يكن أيامها تسجيل، ولا عهد لمجتمعنا في سنوات الخمسينيات بالتصوير الحي أصلاً، وليت ذلك!

قال جدي:

"لم نكن ندري أن السلطان نفسه يريد أن يستمع إلى شكوانا، فكان أن طُلب مني أن أتقدم مع ثلاثة من الوفد، وكلنا نتزين بالرتب العسكرية.

مررنا بين صفين من الجنود والحرس، وكنت ألاحظ شدة الخوف والرعب، وأن للسلطان هيبة عظيمة، ومهابة شديدة، فكنت ألاحظ على بعض من أرى ارتجافهم، وصك الركبتين، ورجفة اليدين، والخوف المريع.

قرأت بعض الآيات في سري، وقلت: لا يخذلني الله أبدًا!

قرأت كلمتي بجرأة واتتني".

لم يكمل جدي ماذا كانت النتيجة، وما هو رد الفعل، وهل تحسنت الأحوال، بل وقف يلقي على مسامعي خطبته مرة ثانية.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى