عن المشيب وعن الترحيب به!
الشيب عادة علامة الكبر، ومن الطبيعي ألا يكون هناك ترحيب به، بل هناك من يحزن على شبابه، فيا ليت الشباب يعود يومًا!
قال الشاعر العباسي دِعْبِل الخُزاعي:
لا تعجبي يا سلمُ من رجلضحك المشيب برأسه فبكىقد كان يضحك في شِيبتهفأتى المشيبُ فقلما ضحكا
ذم كثير من الحكماء والشعراء الشيب، فهذا أكثم بن صَيفي يقول
"الشيب عنوان الموت".
وعلى غراره نُسب للحجاج: "الشيب بريد الموت"،
وقال مالك بن أنس: الشيب توءم الموت.
بل هذا أبو تمام يذم الشيب:
غَدَا الشيبُ مُختطًا بفَوْدَيَّ خُطَّةُسبيلُ الرَّدَى مِنها إلى الموتِ مَهْيَعهو الزَّوْرُ يُجْفَى والمُعاشِرُ يُجتَوَىوذُو الإلْفِ يُقْلَى والجديدُ يُرَفَّعُله منظَرٌ في العينِ أَبْيضُ ناصِعٌولكنَّهُ في القلبِ أسْودُ أسْفَعُ
وقال آخر:
من شاب قد مات وهو حييمشي على الأرض مشي هالكلو كان عمر الفتى حسابًالكان في شيبه كذلك
وهذا المعنى ورد في شعر المتنبي، فقد أراه المشيب روحًا أخرى، كأنه مات وانتقلت روحه إلى آخر:
وقد أراني الشباب الروح في بدنيوقد أراني المشيب الروح في بدلي
وهناك من دافع عن مشيبه كما قال الخليفة العباسي المستنجد بالله (ت. 1170 م) وغنى ناظم الغزالي:
عيّرتني بالشيب وهو وقارليتها عيّرت بما هو عارإن تكن شابت الذوائب منيفالليالي تزينها الاقمار
ومثل هذا التسويغ نجد لدى ابن هِفّان، وهو يخاطب حبيبته دُرّ:
وزادها عجبًا أن رحت في سَمَلوما دَرَتْ (دُرُّ) أن الدرَّ في الصدف
يقول شاعر آخر:
لا يرعك المشيب يا ابنة عبد الــله فالشيب حلية ووقارإنما تحسن الرياض إذا ماضحكت في خلالها الأنوار
ترحيب بالمشيب!
أما أن أجد من يرحب بالمشيب فهذا هو الأمر العجيب، فيقول شاعر:
أهلاً وسهلاً بالمشيب فإنهسِمة العفيف وهيئةُ المتحرِّجوكأنّ شيبي نظمُ درٍّ زاهرفي تاجِ ذي مُلْكٍ أعزَّ متوَّج
يقول بديع الزمان الهَمَذاني:
من يعللُ نفسه بالباطلنزل المشيب فمرحبًا بالنازلإن كان ساءك طالعات بياضهفلقد كساك بذاك ثوبَ الفاضل
يقول البُحتري:
عذلتنا في عشقها أمُّ عمروهل سمعتم بالعاذل المعشوقورأت لِمّة ألمَّ بها الشيــب فريعت من ظلمة في شروقولعمري لولا الأقاحي لأبصرتَ أنيق الرياض غير أنيقوسواد العيون لو لم يملَّحببياض ما كان بالموموقأي ليل يبهى بغير نجوموسحابٍ يندى بغير بروق
وقال ابن الرومي في تشبيه ضمني:
قد يشيب الفتى وليس عجيبًاأن ترى النور في القضيب الرطيب
وللبديع الهمذاني فصل في مدح الشيب وذم الشباب: جزى الله المشيب خيرًا فإنه أناة، ولا رد الشباب فإنه هَنات وبئس الدار الصِّبا.
أما طُرَيح الثقفي فيقول:
لم ينتقصْ مني المشيبُ قُلامةولنحن حين بدا ألذُّ وأكيسُ
(في كتاب الثعالبي: اللطائف والظرائف ، ص 108 يجد المتابع أقوالاً وحكمًا مما قيل في المشيب).
والسؤال:
إذا اشتعل رأسك شيبًا،
فهل الشيب حلية العقل وسِمة الوقار؟
أم أنه نذير بالنهاية، وقد ورد في التفسير أن النذير هو الشيب، وذلك في الآية الكريمة أو لم نعمِّركم ما يتذكر فيه من تذكّر وجاءكم النذير- فاطر، 37.
ولا إخالك تجهل حكاية المثل (بين حانا ومانا ضيعنا لحانا)، والصراع بين المرأتين.
مشاركة منتدى
7 كانون الأول (ديسمبر) 2021, 00:16
لا يرعك المشيب يا ابنة عبد الـ
ـله فالشيب حلية ووقار
إنما تحسن الرياض إذا ما
ضحكت في خلالها الأنوار