الثلاثاء ٢٢ آب (أغسطس) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

عن المشيب وعن الترحيب به!

الشيب عادة علامة الكبر، ومن الطبيعي ألا يكون هناك ترحيب به، بل هناك من يحزن على شبابه، فيا ليت الشباب يعود يومًا!

قال الشاعر العباسي دِعْبِل الخُزاعي:

لا تعجبي يا سلمُ من رجل
ضحك المشيب برأسه فبكى
قد كان يضحك في شِيبته
فأتى المشيبُ فقلما ضحكا

ذم كثير من الحكماء والشعراء الشيب، فهذا أكثم بن صَيفي يقول

"الشيب عنوان الموت".

وعلى غراره نُسب للحجاج: "الشيب بريد الموت"،

وقال مالك بن أنس: الشيب توءم الموت.

بل هذا أبو تمام يذم الشيب:

غَدَا الشيبُ مُختطًا بفَوْدَيَّ خُطَّةُ
سبيلُ الرَّدَى مِنها إلى الموتِ مَهْيَع
هو الزَّوْرُ يُجْفَى والمُعاشِرُ يُجتَوَى
وذُو الإلْفِ يُقْلَى والجديدُ يُرَفَّعُ
له منظَرٌ في العينِ أَبْيضُ ناصِعٌ
ولكنَّهُ في القلبِ أسْودُ أسْفَعُ

وقال آخر:

من شاب قد مات وهو حي
يمشي على الأرض مشي هالك
لو كان عمر الفتى حسابًا
لكان في شيبه كذلك

وهذا المعنى ورد في شعر المتنبي، فقد أراه المشيب روحًا أخرى، كأنه مات وانتقلت روحه إلى آخر:

وقد أراني الشباب الروح في بدني
وقد أراني المشيب الروح في بدلي

وهناك من دافع عن مشيبه كما قال الخليفة العباسي المستنجد بالله (ت. 1170 م) وغنى ناظم الغزالي:

عيّرتني بالشيب وهو وقار
ليتها عيّرت بما هو عار
إن تكن شابت الذوائب مني
فالليالي تزينها الاقمار

ومثل هذا التسويغ نجد لدى ابن هِفّان، وهو يخاطب حبيبته دُرّ:

وزادها عجبًا أن رحت في سَمَل
وما دَرَتْ (دُرُّ) أن الدرَّ في الصدف

يقول شاعر آخر:

لا يرعك المشيب يا ابنة عبد الـ
ـله فالشيب حلية ووقار
إنما تحسن الرياض إذا ما
ضحكت في خلالها الأنوار

ترحيب بالمشيب!

أما أن أجد من يرحب بالمشيب فهذا هو الأمر العجيب، فيقول شاعر:

أهلاً وسهلاً بالمشيب فإنه
سِمة العفيف وهيئةُ المتحرِّج
وكأنّ شيبي نظمُ درٍّ زاهر
في تاجِ ذي مُلْكٍ أعزَّ متوَّج

يقول بديع الزمان الهَمَذاني:

من يعللُ نفسه بالباطل
نزل المشيب فمرحبًا بالنازل
إن كان ساءك طالعات بياضه
فلقد كساك بذاك ثوبَ الفاضل

يقول البُحتري:

عذلتنا في عشقها أمُّ عمرو
هل سمعتم بالعاذل المعشوق
ورأت لِمّة ألمَّ بها الشيـ
ـب فريعت من ظلمة في شروق
ولعمري لولا الأقاحي لأبصرتَ أنيق الرياض غير أنيق
وسواد العيون لو لم يملَّح
ببياض ما كان بالموموق
أي ليل يبهى بغير نجوم
وسحابٍ يندى بغير بروق

وقال ابن الرومي في تشبيه ضمني:

قد يشيب الفتى وليس عجيبًا
أن ترى النور في القضيب الرطيب

وللبديع الهمذاني فصل في مدح الشيب وذم الشباب: جزى الله المشيب خيرًا فإنه أناة، ولا رد الشباب فإنه هَنات وبئس الدار الصِّبا.

أما طُرَيح الثقفي فيقول:

لم ينتقصْ مني المشيبُ قُلامة
ولنحن حين بدا ألذُّ وأكيسُ

(في كتاب الثعالبي: اللطائف والظرائف ، ص 108 يجد المتابع أقوالاً وحكمًا مما قيل في المشيب).

والسؤال:

إذا اشتعل رأسك شيبًا،

فهل الشيب حلية العقل وسِمة الوقار؟

أم أنه نذير بالنهاية، وقد ورد في التفسير أن النذير هو الشيب، وذلك في الآية الكريمة أو لم نعمِّركم ما يتذكر فيه من تذكّر وجاءكم النذير- فاطر، 37.

ولا إخالك تجهل حكاية المثل (بين حانا ومانا ضيعنا لحانا)، والصراع بين المرأتين.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى