

عيناكِ أصل الحضارة
قلتُ لها:
العصافيرُ لا تحتاجُ إلى سُلَّمٍ
كي تنسجَ من القشِّ عشَّاً لفراخِها
العصافيرُ لا تحتاجُ إلى سُلَّم
كي ترسو فوقَ أغصانِ الشَّجرِ لتُغنِّي
وأنا أحتاجُ ألفَ سُلَّمٍ
لأرتقي إلى أقصى عينيكِ
ما أبعدَ المسافةَ بين عينيكِ وبيني!
عيناكِ حضارةٌ
قبل أن تكونَ الحضارةُ
دمعُكِ حفرَ أوَّلَ نقشٍ على الصُّخورِ
فكان كالنُّصوصِ الإلهيَّةِ مُقدَّساً
يُعلِّمُ النَّاسَ أوَّلَ طقوسِ العشقِ
وأوَّلَ طقوسِ الغفران ..
عيناكِ يا حبيبةُ
أوَّلُ أبجديَّةٍ
رَسَمَت على صفحةِ اللَّيلِ
صورةَ امرأةٍ من كحلٍ
ورُمَّان ..
هذا الضُّوءُ
الذي يخفقُ في صمتِ عينيكِ
كان منذُ الأزلِ مهدَ القمر
من موجِه
وُلِدَ المدُّ والجَزر
ومن مدِّهِ
رُسِمَت أوَّلُ لوحةٍ على الرَّمل
وكُتِبت أوَّلُ قصائدِ الغَزَل ..
أطلقتُ مراكبَ لغتي
لتُبحرَ في عينيكِ
وكلَّما اقتربتُ من أمواجِها أكثر
اكتشفتُ أوَّلَ أسرارِ الثَّورةِ
وأوَّلَ رسالةٍ كتبَتها الرِّيحُ
على متنِ العواصفِ
ووجهِ الشُّطآن ..
عيناكِ يا حبيبةُ
حين فاض دمعُها
انشقَّت أوَّلُ الأنهارِ
وصارت المياهُ أوَّلَ المرايا
وأصلَ الحياة ..