الجمعة ١٤ آذار (مارس) ٢٠٢٥
بقلم آدم عربي

في اليوم العالمي للمرأة

ما زالت المرأة العربية عبدة للعبيد!

في فترة حكم مبارك، وعلى ما أذكر، أصدر مفتي مصر والذي لا يحضرني ذكره فتوى تتعلق بمسألة "تولّي المرأة رئاسة الدولة". وفي فتواه، التي وُصِفَت بأنها "رسمية"، أشار إلى أنَّ هذا الأمر غير جائز من الناحية الشرعية، مبرراً ذلك بأنَّ من صلاحيات رئيس الدولة إمامة المسلمين في الصلاة، وهو أمر لا يمكن أنْ يؤديه سوى الرجال.

ولإظهار بعض "المرونة الحضارية" في فتواه، صرح المفتي في فتوى "رسمية" بأنه إذا كانت الحقوق السياسية، وفقاً لفهمها الشائع، تشمل حق الانتخاب والترشح وتولي المناصب العامة، فإنَّ الشريعة لا تعارض تمتُّع المرأة بتلك الحقوق، بما في ذلك حق الترشح والانتخاب وتولي المناصب العامة، باستثناء منصب رئيس الدولة. وبالتالي، أقر المفتي بأنَّ الشريعة تتيح للمرأة أنْ تصبح قاضية، بناءً على تفسيره الشرعي الذي لا يحيد عنه حتى اللحظة وليس له مصحة بغيره.
في فترة حكم مبارك، كان "الرجال" في مجلسي "البرلمان"، أي مجلس الشورى ومجلس الشعب، لا يمتلكون من السلطة السياسية ما يفوق ما تملكه المرأة في "بيت زوجها" أو "بيت أبيها". بناءً على ذلك، أفتى المفتي بجواز ترشح المرأة لعضوية أحد المجلسين، على أنْ تتوازن بين دورها العام وحقوق زوجها وأولادها. كما اشترط أنْ تلتزم بالحشمة، وأنْ تتجنب التبرج والسفور، وألا تلتقي رجالاً في خلوة غير شرعية.

كانت تلك لحظة تاريخية استثنائية في العالم العربي، حيث تجسّد الصراع بين "القديم" و"الجديد"، وبين "الماضي" الذي تلاشى و"المستقبل" الذي بدأ يشق طريقه بهذه الصورة.

فيما أذكر أيضاً، أجرت صحيفة "السياسة" الكويتية مقابلة مع الناشطة الكويتية سلوى المطيري، التي كانت قد ترشحت سابقاً لعضوية مجلس الأمة. في هذه المقابلة، دعت هذه "المُصلِحة الاجتماعية"، التي تستلهم أفكارها الإصلاحية من الدين والتراث الإسلامي، إلى الإسراع في إصدار قانون (عصري) يخص الجواري، بهدف حماية الرجال من الفساد، ووقاية الأبناء من آفة الزنا، وحماية المجتمع من الأمراض والمعاصي.

هذه دعوة واضحة لإحياء ما يُشبه "عصر الجواري والإماء" في زماننا الحالي، القرن الحادي والعشرين، وإنْ كانت هذه الدعوة تُركّز بشكل خاص على الكويت كهدف لهذه "الإصلاحات الأخلاقية والاجتماعية". الفكرة الرئيسية التي تسعى هذه "المُصلحة" لمعالجتها هي أنَّ الرجال الكويتيين، بحسب هذه الرؤية، يفرطون في العلاقات غير الشرعية مع النساء، حيث يتخذون صديقات أو عشيقات دون عقد زواج شرعي. هذا السلوك، وفقاً لهذه الدعوة، يؤدي إلى انحرافهم عن تعاليم الدين، وارتكاب الذنوب، وإنجاب أطفال من علاقات غير شرعية، بالإضافة إلى انتشار الأمراض نتيجة هذه الممارسات.

"المُصلحة" تسعى إلى إيجاد حل "يتوافق مع تعاليم الدين" وفي نفس الوقت يُلبي رغبات الرجال. وبعد تفكير عميق، توصلت إلى ما يشبه اكتشافاً حاسماً، حيث رأت أنَّ الحل الأمثل يكمن في "إعادة تفعيل نظام الجواري"، مع فرض "قيود قانونية" لتنظيمه.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من أين يمكن الحصول على "الجواري" اللاتي، كما أوضحت، وُجدن أصلاً لإشباع رغبات الرجل الجنسية، واللاتي أجاز الدين الإسلامي امتلاكهن "بشرط أنْ يكنّ سبايا في حروب المسلمين ضد الدول غير الإسلامية"؟.

رداً على هذا التساؤل، قدمت "المُصلحة الاجتماعية" حلاً يقترح استيراد الجواري من دول مثل روسيا وغيرها من الدول غير الإسلامية، داعية إلى تحويل "سبايا الروس" في حروب الشيشان في ذاك الوقت إلى جواري تُقدَّم للرجال الكويتيين. واقترحت أنْ يدفع الرجل الكويتي الراغب في امتلاك جارية (روسية على سبيل المثال) مبلغ 2000 دينار كويتي كسعر لها.
واستندت في طرحها إلى "شرع الله"، مؤكدة أنَّ للرجل الكويتي الحق في امتلاك أي عدد من الجواري يرغب فيه. كما استشهدت بـ "المثل الأعلى" المتمثل في الخليفة هارون الرشيد، الذي كان متزوجاً من امرأة واحدة فقط، لكنه امتلك في نفس الوقت مئتي جارية.

ما أثار استغرابي وحيرتي ليس مجرد الدعوات التي تنادي بإعادة إحياء عصر الجواري بالطريقة التي تم طرحها، بلْ "المفارقة" الغريبة التي تبدو واضحة فيمن يتبنون هذه الأفكار ويدافعون عنها. كيف يمكن أنْ نرى أشخاصاً ينتمون إلى فئة العبيد (أو الجواري والإماء) هم أنفسهم من يسعون لامتلاك عبيد وجواري؟ أليست هذه مفارقة عجيبة تستحق التأمل؟!.
إنهم ينتقدون الغرب بشدة بسبب ما يصفونه بـ"فسقه" و"فجوره" و"انحلاله الأخلاقي"، ويشيرون إلى "المادية المفرطة" التي تسيطر على حضارته، فضلاً عن انتشار "البغاء" و"الدعارة" هناك، ووجود أماكن تبيع فيها بعض النساء أجسادهن. ومع ذلك، فإنهم يحاولون مواجهة هذه "الرذائل الغربية" بما يسمونه "فضيلة"، وهي الدعوة إلى "عودة عصر الجواري والإماء".
لكنني، إذا اضطررت إلى الاختيار بين أمرين سيئين، أُفضل بائعة الجسد على أولئك الذين يدعون إلى "إحياء نظام الجواري". ففي نظري، الدعوة إلى استعادة مثل هذا العصر هي أمر أكثر سوءاً ولا أخلاقي.

في إحدى المرات، صادفت مشهداً أثار دهشتي واستغرابي. كنت أشاهد إحدى القنوات الفضائية، وإذا بشاب صغير السن، بلا شارب أو لحية، يرتدي بدلة أنيقة، أي زياً يُعتبر "غير إسلامي"، يقف ليُصدر فتاوى دينية تتعلق بأمور ديننا ودنيانا. كان يتحدث أمام مجموعة صغيرة من الرجال والنساء، بالإضافة إلى جمهور أكبر من المشاهدين عبر الشاشة على ما افترض.
وبكل ثقة، وكأنه يحمل الحقيقة المطلقة ويملك معرفة شاملة بكل شيء، أعلن في فتواه أنَّ المرأة التي تخرج من منزلها متعطرة هي "زانية"! هذا التصريح جعلني أتساءل عن مصداقية مثل هذه الأحكام التي تُطلق بكل سهولة ودون أي اعتبار لظروف أو نوايا الأفراد.

لا أُوجّه اللوم إليه شخصياً، ولا إلى تلك القناة الفضائية، بلْ أُحمّل الحكومة المسؤولية. فبالرغم من اتجاهها المتزايد نحو تقييد الحريات الديمقراطية والاقتصادية في المجتمع، فإنها تسمح بمنح مساحة واسعة من حرية الإفتاء لأشخاصٍ كان عليهم أنْ يفكّروا بعمق قبل الإجابة حتى على سؤال بسيط مثل: "هل الساعة الآن التاسعة صباحاً أم التاسعة مساءً؟". هذه المفارقة تثير التساؤل عن مدى جدية التعامل مع مثل هذه الأمور الحساسة.

تمنيت لو كانت لدي إحصائية توضح عدد النساء في مجتمعنا اللواتي يخرجن من منازلهن متعطرات، حتى أستطيع معرفة حجم الاتهامات التي ألصقت بهن بـ"الزنا". هذه التهمة الخطيرة، في رأيي، يجب أنْ يعاقب عليها ليس "المُتهَم"، بلْ "المُتهِم"، خاصة إذا كنا نحرص ولو قليلاً على حقوق النساء في مجتمعنا.

من يستمع إلى مثل هذه الاتهامات قد يظن أنَّ المرأة، بحقوقها التي ما زالت مجرد حبر على ورق، هي العدو الوحيد الذي يجب مواجهته. وكأنه لا توجد قضايا أخرى تستحق أنْ نوجه لها جهودنا ووقتنا، سوى قضية "ترويض" المرأة، والاستمرار في محاولة "ترويضها"، وكأنها تمتلك قوة اجتماعية تهدد مملكة الرجال. هذا النهج يظهر وكأننا نبالغ في تضخيم دور المرأة، بينما نغفل عن قضايا أخرى أكثر إلحاحاً.

يكفي أنْ نعرف السبب حتى تزول الدهشة، فذلك التشويه الذكوري لمكانة المرأة وحقوقها وإنسانيتها هو، إلى حد ما، النتيجة الطبيعية لمجتمع يزيد فيه عدد الذكور عن عدد الرجال الحقيقيين، إذا ما أدركنا معنى الرجولة بشكل صحيح.
المأساة الحقيقية تكمن في الرجال أنفسهم، فهم قاموا بتشويه مفهوم الرجولة قبل أنْ يبدأوا في تشويه "نصفهم الآخر" الذي يرونه أقل أهمية. الرجولة التي يمارسونها اليوم هي رجولة مشوهة إلى درجة تجعل حتى ساحرات الإغريق عاجزات عن تخيل مثيل لها.

أعتقد أنَّ أهم ما يجب تذكير الرجال به، وهم يستمرون في حربهم الذكورية ضد المرأة، هو أنَّ الرجولة تفقد قيمتها الحقيقية عندما يزداد فيها منسوب "الأنوثة السياسية". فالرجال في مجتمعنا يصرون على محاربة الحقوق الإنسانية للمرأة، بينما يخسرون المزيد من حقوقهم السياسية في الوقت نفسه.

هل نحتاج إلى برهان إضافي لنثبت أنَّ مجتمعاً يضم عدداً كافياً من "الرجال الأحرار" و"الرجولة السياسية" لن يسمح أبداً باضطهاد المرأة؟ اضطهاد المرأة في مجتمعنا هو من أسوأ أنواع الاضطهاد؛ لأنه اضطهاد يأتي من عبدٍ لعبدة، مما يجعله أكثر إذلالاً وانحطاطاً.

عبارة "تكريم المرأة" لا تُفهم من قِبَل المرأة الحرة، أو التي تسعى إلى الحرية والمساواة الكاملة مع الرجل في الحقوق والواجبات، إلّا كشكل من أشكال "الإهانة". فهي إنسانة لا تحتاج إلى "التكريم"، بلْ إلى المساواة والحرية الحقيقية.
لذلك، لا تحتاج إلى عبارات مثل "النساء شقائق الرجال"، أوْ "المرأة هي حصن الأمومة"، أو حتى وصفها بأنها "نصف المجتمع". فما الفائدة من أنْ تُوصف بأنها "نصف المجتمع" بينما هي، في واقعها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي، ما تزال تُعامل كـ"أقلية" ضمن "أقليات" المجتمع؟! هذه العبارات التكريمية تبدو فارغة عندما لا تترافق مع تغيير حقيقي في وضعها.

العالم يتحدانا لنُظهر له أنَّ مجتمعنا يمتلك الإرادة القوية والرغبة الصادقة في إصلاح أوضاعه بكل جوانبها، مما يسمح له بأنْ يفتح لنفسه طريقاً نحو القرن الحادي والعشرين بكل ما يحمله من قيم سياسية واجتماعية وثقافية وحضارية. لكن بدلاً من ذلك، نقدم لأعدائنا المزيد من الأدوات التي يستخدمونها ضدنا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى