قراءة في مجموعة القاصة «الهذال»
انتهيت من قراءة المجموعة القصصية (هي من اتخذ القرار) للقاصة السعودية زينب الهذال. والمجموعة القصصية الجديدة التي صدرت مؤخرا عن دار الفكر العربي للنشر والتوزيع تحتوي على سبع من القصص غير القصيرة. فقد تراوح طول القصة من عشر إلى عشرين صفحة للقصة الواحدة. وهو بلا شك طول فاحش لقصة قصيرة، تتكئ في الغالب على حدث وحيد، بسيط، يهدف هذا الحدث لبلورة حالة وعي تنويرية، في نفسية المتلقي.
أولى قصص المجموعة كانت بعنوان (انهيار جبل جليدي ساخن) وهي حكاية امرأة تكتشف بمحض الصدفة خيانة زوجها. فتتخذ المرأة قرارها من الرجل - الزوج - بالهجر و التجاهل. حتى يعتذر الزوج في نهاية الأمر عن تلك الخيانة. يتخلل القصة بعض الحوارات القصيرة، بين الزوج وزوجته. وفي القصة بعض الترهلات والزوائد التي يمكن قصها.
القصة الثانية جاءت بعنوان (أميرتي النائمة) وهي تحكي قصة المرأة المريضة التي تتخذ قرارا بالموت. وهي اقصر قصص المجموعة. أما قصة (هناك من له رأي آخر) فتتناول المرأة الشكاكة التي تشك في أمانة زوجها، فتتخذ قرارا بالصد والهجر. والقصة كتبت بشكل تقليدي، بها الكثير من الزوائد، التي يمكن تشذيبها. وفي قصة (بعض الأحلام ثمنها باهظ) قصة المرأة العاملة التي تقرر إن العمل أهم من الحياة الأسرية، فتتخذ قرارا بالانفصال عن زوجها وأولادها، و التفرغ لعملها. وهي قصة طويلة جدا. انتهجت أسلوبا تقليديا في سردها. وهناك قصة طويلة أخرى جاءت بعنوان (من دنيا الأكابر) وهي قصة المرأة التي تقرر الانفصال عن زوجها بسبب شذوذه الأخلاقي. وفي (حرب باردة) تقرر الفتاة العانس الزواج رغم عدم موافقة إخوتها. وهي من القصص الطويلة جدا، ويتجلى فيها بساطة السرد. أما في قصة (العاطفة بمقياس مختلف) فالفتاة المتعلمة تقرر العمل في إحدى الشركات الأوربية، فرارا من البطالة، حتى مع عدم موافقة والدتها على هذا العمل. والقصة أقصر بكثير من سابقتيها من قصص. تلك هي قصص المجموعة، وموضوعاتها باختصار شديد.
قصص المجموعة تدور حول المرأة، أو بالتحديد إرادة المرأة. فالقاصة الهذال دللت في ثنايا سردها أن المرأة قادرة على إدارة ذاتها، وتصريف حياتها دون تدخل الآخرين. بل أن عقلانية المرأة - وان أخطأت - تبقى أفضل بكثير من شخص آخر يتخذ قرارا عنها. وأظن أن أجواء تلك القصص هي أجواء منتصف القرن العشرين المنصرم. لان المرأة والفتاة الخليجية عموما، والسعودية خاصة، قطعت أشواطا طويلة في مضمار اعتمادها على نفسها، وقدرتها على اتخاذ قراراتها بنفسها. بل العكس تماما، فهذه المواضيع القصصية أصبح مادة صحفية ثمينة للصحافة المحلية، لما به من غرابة وندرة وتعجب.
وأوحت لي قصص المجموعة أن القاصة زينب الهذال، جاءت بنوع جديد من السرد. إلا وهو السرد التسجيلي. فقد كان العمل التسجيلي مقتصرا على السينما. فهناك الأفلام التسجيلية والوثائقية والتاريخية. ولكننا لم نسمع بالسرد التسجيلي. وأظن أن القاصة زينب الهذال، يمكنها ان تبرع في هذا النوع من السرد التسجيلي، الذي يحاكي الحياة الحقيقية، وينقل الواقع كما هو، مجردا بلا رتوش. والحقيقة أن الأفلام التسجيلية هي نوع من الأعمال الإبداعية. فلا يمكن ان نصف المخرج السينمائي للفلم التسجيلي، فان مجرد حامل كاميرا. بل أن للأعمال التسجيلية تقنياتها العالية، وضوابطها الفنية المعروفة. إلا أن زينب الهذال حملت كاميراتها السردية وسجلت كل شيء في حياتها اليومية ن دون ضوابط أو معايير فنية. فجاءت العديد من هذه النصوص طويلة، ومملة، وبسيطة.
وعلى الرغم مما أرادته القاصة من أن تعطي وحدة موضوع لنصوصها، كنوع من الإثارة والتميز، إلا إنني اعتقد انها بهذه الوحدة في مضمون القصص قد فقد الإثارة والتميز. فجاء السرد مكررا وبسيطا وبه الشيء الكثير من التكرار و السذاجة.
فالتكرار نابع من وحدة الموضوع (اتخاذ القرار)، أفرز سردا بسيطا في تناول موضوعات اجتماعية، وهموم معيشية، تتعلق بذاتية الفتاة من القرن المنصرم. أما السذاجة فذات صلة بالتناول السردي. فلو تناولت قاصة أخرى، نفس الهموم، لربما استطاعت عبر أدواتها السردية أن تضفي عليها طابع الآنية.
من جهة أخرى اعتقد إن القاصة زينب الهذال تملك قدرة تصويرية عالية، تمكنها من توظيفها مستقبلا في أعمال سردية قادمة. كما يمكن للقاصة أن توظف هذه القدرة التصورية، في عمل روائي جديد. وبالإضافة إلى ذلك فان طول القصص في هذا المجموعة، ينبئ عن النفس السردي الطويل للكاتبة، الذي يمهد لها دخول التجربة الروائية. ولكن على الكاتبة إلا تتسرع في إنهاء عمل روائي سريع، يسبب لها نكسة سريعة.