السبت ٢١ تموز (يوليو) ٢٠١٨
الدكتورة عايدة نصرالله..
بقلم شاكر فريد حسن

كاتبة وأديبة وقاصة وروائية فلسطينية

الدكتورة عايدة نصرالله كاتبة وأديبة وقاصة وروائية فلسطينية جريئة وفنانة تشكيلية مميزة من ام الفحم، في اعمالها القصصية والروائية والفنية الابداعية نكهة الحلم والجسد والروح والضوء والمعاناة والصدق وشاعرية مرهفة الحس.

خرجت عايدة من رحم امها سنة ١٩٥٦ في ام الفحم، نشأت فيها وتعلمت في مدارسها وتتلمذت على يد الاستاذ والاديب الشاعر الراحل احمد حسين، وهي حاصلة على شهادة الدكتوراة من جامعة تل ابيب عن اطروحتها”تجليات الجسد والفن الادائي لدى الفنانات الفلسطينيات المعاصرات من سنة ١٩٨٩-٢٠١٠.

كتبت عايدة المسرحية والقصة القصيرة والشعر والرواية، ونشرت كتاباتها في صحيفة ”الاتحاد”العريقة ومجلة”الجديد”و”الغد”المحتجبتين، ومجلة”اتحاد الكتاب العرب ٤٨”المتوقفة عن الصدور، وترجمت اعمالها الى العيرية والاسبانية والانكليزية.

شاركت عايدة في مؤتمرات عالمية حول الأدب والفن، وفي معارض فنية عديدة سواءً في البلاد او خارجها، وعملت صحفية في صحيفة”الاتحاد”بمكتبها في ام الفحم الذي كان يديره آنذاك الرفيق توفيق حصري”ابو همام”، ومدرسة للفنون في كلية عرعر، وفي المدرسة الثانوية للبنات في ام الفحم، ومشرفة على ورشة عمل فني بمركز العلوم والفنون - الغزالي بام الفحم، ومدرسة للفنون في كلية تأهيل المعلمين في معهد بيت بيرل، وغير ذلك من المراكز والمؤسسات.

ونشرت اكثر من ١٢منجزاً ومؤلفاً في حقول المسرح والقصة والرواية، نذكر منها:”حفنات، انين المقاهي، عزيزي وراء البحار”بالاضافة الى مجموعة قصصية بعنوان”مهد من ورق”التي صدرت في الاردن عن”الآن ناشرون”وسواها.

وكانت عايدة في عدة لقاءات بالمانيا احتفاءً بصدور الترجمة الالمانية لروايتها”عزيز من وراء البحار”التي بادرت على تنظيمها على مدار اسبوع دار النشر”قيرلاج”التي تولت واشرفت على اصدار الرواية، التي يديرها الشاعر الالماني رومان كوفا الذي التقت به وتعرفت عليه في أثناء ورشة أدبية اقيمت في تل ابيب. وعادت عايدة من هذا اللقاء بانطباعات ايجابية حيث شعرت بمدى الاحترام والتقدير للابداع والمبدع، وبحفاوة الاستقبال وحرارته، وفي الوقت نفسه انتابها شعور بالإسف والحسرة لاننا في مجتمعنا - الا ما ندر - مثل هذه الاحتفاءات التي لها اهميتها في دعم مسيرة كل مبدع.

وتستحضر عايدة ايام صباها فتقول ؛”كان أبي يأخذني معه الى المقهى فيلعب مع أصحابه الشدة وطاولة الزهر، يريدني ان اتفرج على صراعاتهم اللعبية، وشتائمهم المخلوطة بالشوارعية والبذاءات احياناً.

اما عن نفسها فتقول:”أنا الغريبة، واحب هذه الغرابة اذا جاز التعبير عنها بالغرابة، احبها لأنها تمكنني من فتح بؤر لا ترضي الآخرين، ولو لم أكن كذلك لما كنت نفسي، فهي التي جعلتني كفيلة بأن أكون منتمية لجميع المهمشين والفقراء على هذه الأرض، امرأة التراب، وتفرغ في داخلي طبول غجرية وطنها حضن بربري، هذه هي الطفلة التي تريد ان تتسلق الاراجيح وتلعب بالدمى وعنها كتبت في مقدمتها البحث عن وميض:”عندما تحاولين سلبي مني، وأنا تائهة في جدل الرغبة في لي عنق النعاس لالتقيك تهربين في أوج الوهج.

والقاني غاضبة الانفلات ذلك العبق الذي انتشي محلقة كفراشة في طريقها للاحتراق؟ عندما اكره اقترابك مني واستسلم واجلس على حافة النعاس كالمدن المهزومة عندما يسكنها الصمت.

آه لو تعرفين كم هو جارح هو نعاسي عليك، نعاسي اليك، ونعاسي فيك.

استطاعت عايدة نصرالله ان تقدم نموذجاً جديداً للاابداع الذي يؤصل للثقافة الفلسطينية التي تأبى الذوبان او الضياع.

قصص عايدة نصرالله تطفح بالمشاعر الانسانية النبيلة، وتتضمن دفئاً انسانياً صادقاً واحساساً عارماً بانسانية الانسان، وشعوراً مفعماً بهمومه وآلامه وعذاباته، وتستلهم الواقع الجماعي والسياسي القهري بقدرة تصويرية هادئة بارعة، وهي متنوعة المواضيع والتقنيات، وتمزج بين الواقع والخيال،انها تنفذ الى اعماق ابطالها وتعايش وتتلمس آلامهم، وتتميز بصفات اسلوبية واحدة تكثيف اللغة، اقتضاب الجمل لتكون متوترة، مميزة، ومركزة.

واقعية عايدة نصرالله قائمة على ابداع المخيلة، لكنها تحاول اقناعنا دائماً دائماً بصدق ما ترويه عن طريق الرسائل والمذكرات، وهي تعالج الموضوعات بذكاء واتقان ورهافة مميزة، موجهة اهتمامها خاصة نحو هموم المرأة العربية المكبوتة المظطهدة ونحو اسس الصراع الطبقي، والاستغلال والعنصرية والاغتراب الحياتي، والقهر السياسي، وجمود العاطفة وامتهان الكرامة الانسانية.

وفي مجموعتها”مهد من ورق”التي تحتوي على خمسة وعشرين قصة تخبئ أكثر مما تحكي، تطوف في أماكن كثيرة، تبحث عن شخصيات فريدة، حية، لها مواقف اصيلة وآراء عميقة في الحياة، شخصيات واقعية، تعيش بيننا، لكننا لم نكتشف في اي لحظة جمالها، الا من خلال ريشتها الفنية، ولغتها الشاعرية التي تتناسب مع حرارة الموضوع.

أما روايتها”عزيزي من وراء البحار”فهي رسائل موجهة لرجل خيالي تخاطبه عايدة وقد يكون الأب والصديق او حبيب، ومن خلال هذه الرسائل تنقل يومياتها عن معاناتها الذاتية كامرأة كاتبة وفلسطينية تعيش تحت الفراغ المركب اجتماعياً وسياسياً.

وتحاول الرواية ان تطرح أسئلة مهمة حول الهوية والانتماء على شرفة احدى العمارات في قلب تل ابيب تجلس كاتبة فلسطينية لا تكاد تستطيع ان تصدق نفسها.

عايدة نصرالله فنانة تشكيلية ورسامة ماهرة ومتمكنة، وعن ذلك تسهي وتقول:”عندما ارسم لأفكر، اضع الالوان امامي وانتعف فيها، اسبح فيها، امارس طفولتي معها، والرؤيا تبقى للمشاهد، الرسم هو البحر الذي اعشقه، وهو يعكس حالتي الغريبة احياناً، عندما اعجز عن التعبير بالكلمة اراني الجأ للرسم، فاللون هو مرتعي بلا مقولة ثابتة، بعض اللوحات بامكانك ان ترى فيها نساء غاضبات، نسائي هن اليغوريات، اي يعملن على مستوى الرمز وكيفية رؤية المشاهد وليس بحسب فكرة مقولية مسبقاً، فقد تراهن عاشقات وقد تتخيل بانهن يمارسن العادة السرية، كل ما شاء خيالك يمكنه ان يرى بتلك اللوحات، فلوحة المسبحة مثلاً، فسرها البعض انها رسماً ارو طيكا، والبعض رأها لوحة صوفية، كل يرى ما يريد وانا ارى ما اريد.
والجسد موضوع وموتيف مهم ومطروح بشكل جلي وواضح في قصص ولوحات عايدة نصرالله التشكيلية، وتصور ذلك بكل جرأة وشجاعة رغم انه يعتبر من الممنوعات والمحرمات في مجتمعنا، وعن ذلك تحدثتا قائلة ؛”الجسد هو النص وهو اللون، فلو لم يكن لدينا تماس مع اجسادنا كيف كنا سنعبر عن آلامنا، احزاننا، فرحنا، شبقنا.

وهي تتساءل: اليست الدموع تسكن الجسد، والحليب، والماء؟ ولو لم يكن للجسد حس بالموسيقى كيف كان يستطيع الرقص على ايقاع الطبول البربرية التي عبرت عن الروح منذ عمر.

وتضيف:”نحن نتعرف على انفسنا وعلى الآخر غير الجسد، وكما يقول العالم النفسي جاك لاكان فالطفل اول ما يعرف نفسه كوجود مستقل هو عبر جسده في مرحلة انعكاس نفسه بالمرأة ويتحسس نفسه يتعرف على يديه وعلى رجليه فمه وانفه، والى ما ذلك عبر الجسد، لم نكن نسطتطيع التعبير عن الحياة لولا تماسنا مع الجسد، ولم نكن نستطيع التعبير عن الموت لولا الجسد فعن طريق المؤشرات الجسدية والتي لا تتمثل في الموتيفات المادية نحن نكتب.

من لم يعش الشهقة الاولى لا يستطيع تصويرها، وان صورها سيكون كاذباً، ومن لم يشعر بدبيب النمل على جلده عند رؤية حبيب لن يصف هكذا وصف، ومن لا يقف شعر رإسه لمشاهد الدم والموت لن يخلق ايضاً الموت في نصوصه. الجسد هو اللغة ليس معبر عن اللغة بل هو اللغة ذاتها وحينما تعجز اللغة عن التعبير نعبر بالايماءات الجسدية، اذن الجسد هو سابق للكلمة، ولكي تكتب المرأة عليها العودة الى كتابة الجسد بمعنى”الاختلاف”البنيوي والشعوري الذي يحمله هذا الجسد، كمعنى وليس كحلم مجرد، عندما نكتب اجسادنا فنحن نكتب انفسنا ونؤسس لسياسة جديدة في محاولة فهم دينماكية للحياة.

عايدة نصرالله قاصة وروائية ورسامة تشدنا بلغتها المنسابة واسلوبها القصصي والروائي المشوق الممتع، وموضوعاتها الاجتماعية بكل جرأة ووضوح، والوان لوحاتها الزاهية، ونرى في قصصها وروايتها خليطاً ومزيجاً من الشعر والسرد والحوار، وهي لم تأخذ حقها من الاهتمام النقدي، ولم ينصفها النقد المحلي، فهل ينصفها التاريخ الادبي والثقافي.!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى