كاليكانتو
في نصف آخر من المعمورة ذهبت إليه طلباً للحياة في سانتياجو البعيدة وعند جسر يدعى كاليكانتو المار فوق نهر مابوتشي هناك بالتحديد رأيتها كنا نمشي في إتجاهين متضادين وعندما اقتربنا وقعت عيني في عينها وكل منا في مسيره، بعد عشر خطوات تعمدت أن أنظر خلفي فإذ بي أجدها تنظر خلفها هي الأخرى، ارتبكت واعتدلت بنظري مرة أخرى.
بعد عدة أسابيع مررت فوق نفس الجسر، أيقنت أنها كحلم من أحلام عدة نراها في المنام وما أن نستفيق حتى تتبخر، كنت أنظر يميني ويساري على جانبي النهر البديع وأشجار الفلامبوليا ذات الزهور الحمراء تثير انتباهي وما إن اعتدل نظري حتى لمحتها مرة أخرى كانت بصحبة رجل بدا وكأنه والدها لكبر سنه، لم يضعنا القدر على نفس جهة السير كما سبق كنت على يسار الطريق بينما هي على يمينه إلا أن القدر جعلنا كالمرة السابقة متضادين، تبادلنا النظرات وبعد نقطة التلاقي نظرت خلفي فإذا بها تنظر هي الأخرى وتشير بيدها، لم أفهم شيئا من هذه الإشارة لكن ما وقع في نفسي هو أنها ستأتي هنا في اليوم التالي وشعرت بأنها حركت يدها لتفتح باب سجن قلبي وتسعف قلبي الذي كاد يتآكل من الغربة.
جئت في اليوم التالي ومعي وردة، انتظرت حتى أغمضت الشمس أعينها ولكن دون جدوى هممت بالرحيل وتخلصت من الوردة عندما أهديتها لعشيقين لمحتهما على الجسر.
مضى أسبوعاً على هذا الحال وفي كل يوم أغادر أشعر بأن الغد هو اليوم التالي التي قصدته، تغيبت عن العمل طيلة هذا الوقت ولأن صاحب العمل هو عمي ولأني مهاجر لبناني أتى إليه كي يعمل فقد تغاضى عن فصلي واكتفى بتحذيري.
مرت أسابيع عدة خاب فيها أملي أن أراها مرة أخرى، فصلني عمي عن العمل لكني لم أنفصل عن الجسر شحت أموالي واقتربت على الإفلاس، في نهاية أحد الأيام أعطيت الوردة لعشيقين مبتسما ً وسعيداً فإذا بالشاب يبادلني الابتسام ويعطيني خمسين بيزو، نظرت إلى النقود مرتبكاً وعندما هممت أن أرد له النقود وجدته قد مضى
مرت سنوات عدة لا أعرف عددها، في الليل أبيت تحت الجسر وفي الصباح أصعد وأفرش الأزهار أمامي حيث أجلس، يأتي العشاق إلى ليأخذوا الورد ويعطوني ما تيسر لهم، صرت علماً من أعلام الجسر يألفه جميع العشاق، كان البعض يأتي لمجرد شراء الورود التي لم أضع لها ثمناً. لم أر نفسي في المرآة منذ أمد لكن شعري استطال وتشابك وتعذر تسريحه ولحيتي طالت، ربما استشعرت كينونتي عندما يأتي بعض العشاق ليعطوني نقوداً ولا يأخذون مني شيئاً كنت أظهر معهم مُبتسما في صور (السيلفي) والبعض منهم كان يُصر على أن أذهب إلى حفل عرسهم.
اليوم حدث لي شيئاً قلما أن يحدث، نظرت أمامي حيث أجلس فوجدت طفلاً في الرابعة من عمره جميل الملامح يشير بإصبعه إلى الورود إبتسمت له وأعطيته وردة وقبل أن يلمسها سمعت صوت إمرأة ناعم ينادي على الطفل قائلاً:
أليخاندروا.
نظرت إلى بحكم قرب إبنها منى ولكن في هذه المرة لم تعرفني ومضت