السبت ٢٣ شباط (فبراير) ٢٠١٩
بقلم جمال سلسع

كلمةُ في مهرجانِ القدسِ الحادي عشر

لا حياديَّةُ أمامَ كَلِمَةِ الأرضِ، إمَّا أن تكونَ بلونِ تُرابِها،
وعشقِ شَذاها. أو أن تُغلَقَ على الذاتِ فوقَ ضبابِ الدُّخان!
أتخونُكَ الكَلِمَةُ وهي مبتَلَّةٌ بعرقِ جَبينِكَ، وآهةِ قلبِكَ؟ لا
فرقَ بينَ شذا الكَلِمَةِ وعطرِ العَرَقِ، كِلاهُما يَحِنُّ إلى جدائلِ
السنابلِ وخبزِ الوطنِ.

والكلِمَةُ تحومُ حولَها فراشَةُ الأرضِ، فكيفَ يرحَلُ عنها
ضياءُ حُروفِها، وما رحلَ عنْ سُطورِها بئرُ النورِ؟ وكيفَ
تَنْتَظِرُ قافِلَةً تسيرُ في نسيانِ ذاتِها؟ ولم تُشعلْ فراشَةً خَبأَتْ
نورها في ساعِديكَ!

عندما يطوي الغروبُ قبلَ أنْ ينامَ خيوطَ الشمسِ في ثوبِهِ الداكِنِ،
نجِدُ الحجارةَ على سقفِ غيمةٍ لا تنامُ. فهل عليكَ أنْ تموتَ كحَبَّةِ القمحِ في حنايا الأرض، لتولَدَ ثانيَةً كسنابِلِ الصباحِ؟ أمْ عليكَ انْ تحيا كسنديانَةِ الثَّرى، تحمِلُ عُشَّ الطيورِليعشْ فيكَ الهديلُ؟ وما

بينَ حبَّةِ القمحِ وسنديانَةَ الثَّرى، لا تزالُ طريقَنا عنقاءٌ بعدِ كلِّ كبوةٍ جارِحَةٍ، لأَنَّنا لنْ نجدْ في قُبَّعَةِ الليلِ وردةً. فلماذا ينسانا الوقتُ طَريدةً بينَ المنافي، وفي سواعِدِنا ألفُ سنبلَةٍ؟

لم يَعدْ أحدٌ يسمعُ ما تبوحُ بهِ الأرضُ إلَّا أنت...فلا تدعِ الوقتَ يَترُكُكَ وحيداً على كوَّةِ الليلِ، فيمسي صوتُها بلا صدىٍ! ولا تّدَعِ البحرَ يهربُ من بلادَةِ الموجِ، فأنتَ الموجُ كيفَ لمْ تصحو بَعد؟ وأنتَ وحدَكَ منْ ينسِجُ من قَلقِ الوقتِ نافِذّةً لِشمسٍ تضعُ عَليها خطوةَ النهارِ، لأنَّ دورةَ الأرضِ لمْ تُكتَمَلْ، والليلُ يُحاوِلُ إكمالَ دورةِ العَتْمَةِ.فهل يكفي الانتظارُ على وجَعَ المَرحَلَةِ؟ ألمْ نَعُدْ نعرفُ الطَّريقَ

وكأَنَّنا نُعيدُ عَقاربَ الهزيمَةِ؟ أصبَحَ المنفى يُلاحِقُنا ليأخُذَنا إلى منفاً آخرَ، يَسكنُ كلُّ واحِدٍ منَّا وحيداً، فكيفَ لا نُلاحِقُ استيطاناً يُبْعِدُنا عن تَفاصيلِ وجودِنا، ونحنُ الخارِطَةُ ونحنُ التاريخُ.
أقفُ على مفتَرَقِ الطريقِ، لا الزيتونُ يقرأُ لُغَةَ السلامِ، ولا البرتُقالُ ينسى دَمْعَةَ أُمِّهِ، وأنا وحدي كيفَ أخطو؟ وماذا أكتبُ؟ وما بينَ الخطوةِ والكتابَةِ تاهت الطريقُ بينَ حروفٍ خانَها حارسُ الوقتِ!

والليلُ يَكتُبُ في حبرِهِ الأسودَ عُذرَهُ، ويمضي إلى حاضِرٍ تَرَكَ أمسَهُ على ساحَةِ النسيانِ, فهلْ أقبَلُ عذراً في يَدِهِ دمي، وفي الاخرى دَمعَةُ أمَّي؟ لا أستطيعُ أنْ أعودَ إلى قَرَنْفُلَةِ الروحِ، قبلَ أنْ أُعَمِّدَ دمي بغيمةِ جدي! فلا شيءَ يوجِعُ القلبَ سوى هروبِ اليمامِ منْ هديلِهِ، وعودة النايِ منكسِراً على ذاتِهِ!

تَقَدَّمَ جنديٌّ اسرائيليٌّ نحو خطوي صائِحاً:

"لماذا تحمِلُ يمامَةً لا تَعرِفُ لُغَتَها؟"
صاحتِ اليمامَةُ:
" هو منْ حَمَلَني منذُ أوَّلِ الدربِ وعَلَّمَني الهديلَ"

فالاحتِلالُ يَخافُ منَ الثقافَةَ والابداعِ، لأنَّهُ يُدرِكُ أنَّ للكَلِمَةِ سرَّها وللحبرِ شَفَّافِيَتَهُ، وللأصابِعِ إبداعُها، تُفَتِّشُ عنْ لُغَةٍ تَضَعُ فوقَ أوراقِها
جماليَّةَ الكَلِمَةِ وبوابَةَ الشَّمسِ.

في دمي صوتُ جدِّي، لا أُشَكِّلُهُ على طقسِ الذِّكرَياتِ، فما زالَ يمشي أمامي كبوصَلَةِ الصَّباحِ، إلى قَلْعَةِ تاريخي... إلى وطني فِلَسطينَ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى