الثلاثاء ٢٤ آذار (مارس) ٢٠٢٠
بقلم محمد زكريا توفيق

كورونا، البحث عن لقاح

متى سيكون لقاح الفيروس التاجي، كورونا الجديد، جاهزاً؟ التجارب السريرية (البشرية) ستبدأ قريباً. لكن، حتى لو كانت هذه التجارب تسير على ما يرام، فهناك العديد من المشاكل التي يجب حلها قبل أن ينزل اللقاح للأسواق.

مع إعلان منظمة الصحة العالمية أخيراً عن جائحة فيروس كورونا الجديد وسرعة انتشاره، تحولت كل الأنظار تبحث عن لقاح، لأن اللقاح وحده هو الذي يمكن أن يحمي الناس من المرض.

تتسابق الآن حوالي 35 شركة ومؤسسة أكاديمية لاكتشاف مثل هذا اللقاح. أربع لقاحات تجريبية تجرى حاليا على الحيوانات. أحدها تنتجها شركة التكنولوجيا الحيوية، موديرنا، بمدينة بوسطن. سوف تقوم بتجربة لقاحها على الإنسان قريبا.

يرجع الفضل فى هذه السرعة غير المسبوقة الى الجهود الصينية المبكرة لرسم خريطة الفيروس الجينية، كورونا الجديد. لقد نشرت الصين هذه الخريطة على مراكز الأبحاث في جميع أنحاء العالم في يناير من هذا العام.

هذا ساعد العلماء على دراسة الفيروس ومعرفة أسلوب غزوه للخلايا البشرية. عامل مساعد آخر، هو الدراسات التي قامت في مراكز الأبحاث، لفهم وإيجاد لقاحات للفيروسات التاجية الأخرى.

لقد تسببت الفيروسات التاجية في انتشار وباءين حديثين آخرين يسببان الالتهاب الرئوي الحاد، أحدهما، "سارس" في الصين في الفترة 2002-م2004، والآخر كان قد ظهر في المملكة العربية السعودية عام 2012م. في كلتا الحالتين، بدأ العمل على إيجاد لقاحات، لكن تم وضعها على الرف فيما بعد، عند احتواء الفيروسات.

إحدى الشركات، نوفافاكس الأمريكية بولاية ماريلاند، تستخدم هذه الدراسات لإيجاد لقاح أو أكثر لفيروس كورونا الجديد، واسمه العلمي

(Sars-CoV-2).

هي تقول أن لديها أكثر من لقاح مستعدة لتجربتها على البشر هذا الربيع. في نفس الوقت، شركة موديرنا، مستعدة لتجربة لقاح سابق كانت قد أعدته للحماية من فيروس السعودية.

الفيروس كورونا الجديد، يشترك مع الفيروسات التاجية الأخرى، في تركيبة الجينات الوراثية بنسبة 90%. كل الفيروسات التاجية تتكون من شريط واحد من الحامض النووي الريبي (RNA)، داخل كبسولة كروية من البروتين، يخرج من سطحها تيجان مثل المسامير. هذه التيجان تعمل كمفاتيح لسطح خلايا رئة الإنسان.

عندما يخترق الفيروس خلية الرئة، يختطفها ويحولها إلى آلة إنجاب لمئات الفيروسات مثله. بالطبع تموت الخلية ويموت الفيروس المهاجم أثناء عملية الاغتصاب هذه.

جميع اللقاحات تعمل بنفس الطريقة. أنها تعطي الفيروس بشكل مخفف لجهاز المناعة في جسم الإنسان، في شكل حقنة أو تختيم. هذا لدفع الجسم لإنتاج أجسام مضادة.

الأجسام المضادة هي نوع من الذاكرة المناعية. بعد تكوينها أول مرة، يمكن تعبئتها بسرعة مرة أخرى إذا تعرض الجسم للفيروس في شكله الطبيعي.

اللقاح التقليدي يستخدم فيروسات حية أو ضعيفة، جزءا منه أو كله بعد تنشيطه بالحرارة أو بالمواد الكيميائية. هذا الأسلوب له عيوب. إنه يترك الفيروس الحي داخل جسم الإنسان، وقد يتطور فيما بعد ويصيبه بالمرض.

لكن استخدام الفيروس المعطل أو الميت بجرعات متكررة، تأتي بالنتيجة المرجوة بدون خطر تطور الفيروس داخل الجسم. بعض اللقاحات التي تجرى عليها تجارب الآن لمحاربة فيروس كورونا الجديد تنهج هذا النهج.

لكن هناك تقنية جديدة تتبناها شركة "نوفا فاكس". فهي تجري تجارب على لقاح، يأخذ جزءا من الشفرة الوراثية للبروتين من على سطح فيروس كورونا الجديد ويلصقها على سطح باكتيريا أو خميرة.

هناك طرق أخرى أحدث، تتجاوز البروتين وتبني اللقاحات من الجينات الوراثية نفسها للحامض النووي الريبي (RNA). هذا هو الحال بالنسبة لشركتي موديرنا و كيورفاك بمدينة بوسطن بالولايات المتحدة.

مشكلة هذه الأمصال، هو أنه لا يمكن توقع الآثار الجانبية للقاح. التجارب السريرية على الإنسان، هي مقدمة أساسية للموافقة على صلاحية المصل. وهي تتم على ثلاث مراحل.

المرحلة الأولى: يشارك فيها بضع عشرات من المتطوعين الأصحاء، يختبر اللقاح من أجل الأمان، وتراقب الآثار الضارة.

المرحلة الثانية: يشارك فيها عدة مئات من الأشخاص، وينظر في مدى فعالية اللقاح.

المرحلة الثالثة: يفعل الشيء نفسه في عدة آلاف من الأشخاص.

هناك أسباب وجيهة لذلك. فقد يسبب اللقاح الجديد مرضا لمن تجري عليهم التجارب أو يكون غير فعال. في هذه الحالة يجب معرفة لماذا. هذا هو السبب في أن التجارب السريرية لا يمكن تخطيها أو التعجيل بها.

يمكننا تسريع الموافقة، إذا كانت قد تمت موافقات مشابة على لقاحات مماثلة من قبل. لكن لقاحات فيروس كورونا الجديد لم تختبر بعد نسبيا. ولم تتم الموافقة على أي لقاح مصنوع من المواد الوراثية - الحمض النووي الريبي (RNA) أو الحمض النووي (DNA) - حتى الآن. لذلك لا يجب الإسراع بالوافقة على لقاح قبل إجراء التجارب السريرية عليه مهما كانت الضغوط السياسية.

من الأمثلة على ذلك، لقاح أنتج في الستينات ضد الفيروس المتزامن التنفسي، وهو فيروس شائع يسبب أعراضا ً شبيهة بالبرد لدى الأطفال. في التجارب السريرية، وجد أن هذا اللقاح يؤدي إلى تفاقم تلك الأعراض لدى الرضع الذين استمروا في التقاط الفيروس.

لوحظ تأثير مماثل في الحيوانات التي أعطيت لقاح فيروس سارس، في التجارب المبكرة. لذلك، تم تعديل اللقاح فيما بعد للقضاء على هذه المشكلة. لكن الان بعد ان اعيد استخدام اللقاح لكي يصلح لفيروس كورونا الجديد، سيتعين إجراء اختبارات سلامة صارمة بشكل خاص، لاستبعاد أي خطر يمكن أن يسببه اللقاح.

لهذه الأسباب، فإن أخذ الموافقة على استخدام لقاح ما، قد تستغرق عقداً من الزمن أو أكثر. لقد كان الرئيس ترامب متفائلا جدا عندما ضغط، في اجتماع في البيت الأبيض في 2 مارس، للحصول على لقاح ليكون جاهزاً بحلول الانتخابات الأمريكية في نوفمبر 2020م.

تقول أنليس وايلدر سميث، أستاذة الأمراض المعدية في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي: "أقول مثل معظم علماء الفيروسات، لا أعتقد أن هذا اللقاح سيكون جاهزاً قبل 18 شهراً. هذا تقدير سريع للغاية، بفرض أنه لم توجد هناك عقبات."


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى