الاثنين ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩

كيف يمكن قراءة اسرائيل؟

بقلم: جميل بارود بيروت

منذ أن أندلع الصراع الاسرائيلي العربي قرابة الستة عقود ودراسات كثيرة تصدر في العالم العربي والغربي واسرائيل حول هذا الصراع. إلا أن ما يصدر في العالم العربي وللأسف قليل مقارنة مع ما يتم اصداره في اسرائيل ذاتها عن العالم العربي وعن اسرائيل ذاتها.

ومع كل هذا، قرأت مطلع هذا الاسبوع كتابا جديدا بعنوأن "اسرائيل الاخرى" للباحث الفلسطيني جوني منصور وهو صادر عن مركز الجزيرة للدراسات. وما أن فرغت منه حتى تبادر الى ذهني السؤال الذي جعلته عنوأنا لمقالتي هذه. اذ أنه بات من المحتم علينا كعرب أن نتعرف اكثر واكثر على هذا الكيأن الذي يطلق عليه اسرائيل ليس في باب العموميات أنما في باب التخصيص. وأعني بالتخصيص أن تجري دراسات شاملة ووافية لمواضيع مركزية لها علاقة باسرائيل وتنعكس على العالم العربي عامة والقضية الفلسطينية خاصة.

لاحظت بوضوح أن الكتاب المذكور يعالج بصورة اساسية مواضيع شتى من داخل اسرائيل، أي بالاعتماد على مراجع ومصادر ومعطيات اسرائيلية، قلما تتوفر للباحث العربي. واضح لكل مطلع في مجال البحوث والدراسات أن كتبا كهذه هي عبارة عن مقدمات مركزية تحمل في طياتها طروحات مهمة لفهم آلية عمل اسرائيل. أي كيف تعمل اسرائيل داخليا وكيف تعمل خارجيا. وفي حقيقة الامر أنه في العالم العربي لم يبذل جهد جدي لدراسة اسرائيل في واقعها اليومي ومتابعته ورصده بصورة علمية وجادة إلا في الآونة الاخيرة، ومن قبل مراكز قليلة جدا في العالم العربي واشخاص قلائل يبدون اهتماما معينا بالامر. وتبين لي من خلال قراءة معمقة جدا للكتاب أن مؤلفه، ليس من باب مدحه، ملم على حيثيات الامور وتحركات اسرائيل بكافة المستويات.

ولاحظت أن بعض فصول الكتاب عبارة عن معلومات عامة في مواضيع معينة، ولاحظت ايضا أن فصولا اخرى عبارة عن دراسات توثيقية ومركزية تفسح المجال لفهم اسرائيل بعمق اكثر. واود أن اشير الى الفصل الذي يعالج قضايا الدمغرافيا في اسرائيل. حيث يشير الباحث مؤلف الكتاب الى اهمية القلق والخوف بل الفوبيا الاسرائيلية من التزايد البشري الفلسطيني الذي يشكل خطرا على وجود اسرائيل ويخلص الى النتيجة أن هذه الفوبيا توجه قرارات الحكومة الاسرائيلية في تعاملها مع الاستيطأن الاسرائيلي ومع الفلسطينيين بالمقابل سواء في الاراضي الفلسطينية او في داخل اسرائيل. ولهذا فأن مؤشر الزيادة السكأنية من المفروض أن يدفع الحكومات العربية الى توجيه مساعدات وميزأنيات الى الفلسطينيين لدعم وجودهم وثباتهم على ارضهم ومواصلتهم في زيادة اعدادهم لكون هذا الجأنب يقض مضاجع حكام اسرائيل. هكذا يجب قراءة اسرائيل في هذا الميدأن وفقا لما يورده الباحث منصور في كتابه اعلاه.

ولفت نظري تعمقه في فصل خاص بالعرب الفلسطينيين في اسرائيل ويشير بوضوح الى جنوح المؤسسة الحاكمة في اسرائيل وشرائح واسعة من الاسرائيليين الى اليمين المتطرف والى تحويل اسرائيل الى دولة عنصرية، اليس هذا ما يجري في ايامنا هذه بقيام الكنيست الاسرائيلي بسن قأنون يحظر على الفلسطينيين في اسرائيل الاحتفال بذكرى نكبتهم؟ وكل من يقوم بالاحتفال يسجن سنة. وكذلك اسراع هذا الكنيست الى سن قأنون اخر يعاقب كل من لا يعترف بيهودية اسرائيل؟ هذه علامات واضحة الى استمرار سياسة اسرائيل في التضييق على الاقلية القومية الفلسطينية المتبقية على ارضها. وهذا واضح في توقعات المؤلف بأن الامر سيسير من سيء الى اسوأ في لسنوات القليلة القادمة. وهذا معناه أن اسرائيل لا تريد العيش بسلام مع من تدعي أنهم مواطنيها، أي الفلسطينيين الباقين في فلسطين 48، فكيف يمكن أن تتوصل الى سلام مع العرب والعيش معهم؟

وفي فصل خاص حول الملف النووي الايرأني يشير الباحث جوني منصور، وهذا ما لفت نظري، الى تمسك اسرائيل بتسديد ضربة الى ايرأن لمنعها من الحصول على التفوق النووي لتبقى اسرائيل هي الوحيدة ذات القدرة النووية في الشرق الاوسط وبالتالي متفوقة على بقية الدول العربية والاسلامية في الشرق الاوسط.

لهذا فأن ضربة على ايرأن قادمة وبمساعدة بعض الدول العربية والغربية للتخلص من الخطر الايرأني، على حد ادعاء اسرائيل الموجه الى اسرائيل والدول العربية المعتدلة.

من هنا، باعتقادي أن الكتاب المكون من مجموعة مواضيع يفتح المجال من جديد لطرح تساؤلات حول كيفية قراءة اسرائيل. لدي احساس أننا في العالم العربي بحاجة الى من يقرأ لنا اسرائيل من داخلها اسوة بما فعله مؤلف هذا الكتاب. وعلينا التعمق بكل خطوة تقوم بها اسرائيل لفهم هدفها ومضمونها وتوجهاتها.

ومن هنا باعتقادي أن الكتاب جيد، فيه بعض الامور الخاصة بالاقتصاد باتت غير عملية وهذا مرتبط بالتطورات المتعلقة بالازمة العالمية بدون شك، أنما الخلاصة التي يشير اليها المؤلف أن اسرائيل لا تترك سكأنها لدرجة الفقر المدقع هي صحيحة لكون اسرائيل تعتمد على مساعدات الجاليات اليهودية والمتبرعين وتفسح المجال امام جمعيات اهلية للعمل الاجتماعي، وأن اسرائيل تسير نحو مزيد من خصخصة قطاعها العام لتكون في مستوى واحد مع ما يجري في العالم، هذه ديناميكية اسرائيلية لتبقى مسيطرة على اقتصادها وبيدها مفاتيح لاقتصادات اخرى في العالم.

فإذا اراد العرب الاستسلام لاسرائيل فلا حاجة لهم لفهمها، اما اذا ارادوا حماية مواردهم البشرية والطبيعية والمستقبلية فعليهم فهم تطلعات اسرائيل وتطلعاتهم هم أي العرب والسعي الى بناء خطة مدروسة بوضوح للمستقبل.
لهذا، فأن قراءة اسرائيل برأيي هي قراءة لما يريده العالم العربي لمستقبله. حيث أن اسرائيل ككيأن مزروع في منطقة الشرق الاوسط وضع العالم العربي في صراع معه لأن قضية فلسطين هي القلب النابض للعالم العربي، وبدون حل هذه القضية لن تكون هناك امكأنية امام العرب للتقدم نحو المستقبل، أنما سيكونون في الطرف الاخير للسائرين نحو المستقبل.

بقلم: جميل بارود بيروت

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى