كَأَيِّ غُراب
كَأَيِّ غُرابٍ
تَرَكتَ الذِّئابَ وَراءَكَ تَنهَشُ لَحمَ الغُرابِ
لَبِستَ السَّوادَ عَلى جُثَّةٍ أَورَقَتْ بِالذُّبابِ
وَأَشرَعتَ عَورَتَكَ المُستَباحَةَ
كَي لا تُوارِيَ سَوءَةَ أُنثاكَ
في بابِ غَزَّةَ يَومَ استَعاذَت
مِنَ الرَّقصِ حَولَ البَنادِقِ حَجْلاً
وَغارِ التَّمائِمِ
وَالأُمنِياتِ
وَسِفْرِ الضَّحايا
بِنارِ التُّرابْ
كَأَيِّ غُرابٍ
كَأَيِّ غُرابْ
كَأَيِّ غُرابٍ
تَرَكتَ المَدينَةَ تَحرِقُ سِرَّاً ضُلوعَ السَّفينَةِ
والأُغنِياتِ
وَتَنسِجُ ثَوباً مِنَ القارِ وَالشَّوكِ
وَالذِّكرَياتِ
لِتَستُرَ في العُرسِ – حَفلِ البُكاءِ – حِدادَ الدِّماءِ
وَغِبتَ
نَسيتَ الجِهاتِ
نَسيتَ الصَّلاةَ إلى مَنسَكِ الحُزنِ
أَوَّلِ مَوتٍ
وَأَوَّلِ دَينٍ
وَأَوَّلِ سِجنٍ
وَأَوَّلِ غَزَّةَ يَومَ استَراحَتْ
عَلى بابِكَ الحَجَريِّ وَناحَتْ
كَآثارِ مِلحٍ تَكَلَّسَ بَينَ
مَسامِ المَساميرِ فَوقَ الصَّليبِ
سَتُشعِلُ في الصَّمتِ عودَ الثِّقابِ
مِنَ الرُّوحِ وَهناً لِميقاتِ وَهنٍ
وَتَرفَعُ في القَحطِ أَكفانَ قَشٍّ
فَتَحجِبُ لَونَ السَّماءِ وَتَبكي
وَتَشرَبُ ماءً يَفيضُ أُجاجاً
مِنَ البُرتُقالِ الحَزينِ وَتَبكي
وَتُطفىءُ ناراً تَمورُ نَشيجاً
" بِآخِ " الحَنينِ الدَّفينِ وَتَبكي
وَتَصرُخُ حَتّى إذا استَيأَسَتْ في الزَّفيرِ الأَخيرِ
وَظَنَّتْ بِأَوَّلِ ريحِ الظُّنونِ الظُّنونَ
وَهَزَّتْ إليها بآخِرِ أَغصانِها البَشَريَّةِ
غامَتْ
وَحُمتَ بَعيداً عَلى تَلَّةٍ في الغِيابِ
وَنُحتَ
كَأَيِّ غُرابٍ
كَأَيِّ غُرابْ
كَأَيِّ غُرابٍ
تَرَكتَ المَدينَةَ تَجتَرُّ إرثاً لَها في الشِّعابِ
وَلَم يَبقَ مِنها سِوى حائِطٍ واقِفٍ في الخَرابِ
وَجَيشِ القُرادِ
و " باسمِكَ..... " وَشماً
عَلى شاهِدٍ شاهِدٍ في الكِتابِ
وَجَمرِ السَّفافيدِ
كَم أُتخِمَ المَوتُ مِن لَحمِنا
وَاستَضاءَتْ بِزَيتِ الدَّمِ النَّبَويِّ المُقَطَّرِ مِنّا
جُيوشُ القَبائِلِ
وَالمومِساتُ
وَكُلُّ غَريبٍ
وَكُلُّ بَعيدٍ
وَكُلُّ قَريبٍ
وَكُلُّ الطُّغاةِ
وَكُلُّ الزُّناةِ
وَكُلُّ الشُّهودِ
وَكُلُّ القِفارِ
وَكُلُّ البِحارِ
وَكُلُّ الذِّئابِ
وَكُلُّ الكِلابِ
وَكُلُّ جَناحٍ يَرِفُّ عَلى جُثَّةٍ يَبِسَتْ
فَوقَ وَحلِ الحِرابِ
لأَيِّ غُرابٍ
لأَيِّ غُرابْ!!
كَأَيِّ غُرابٍ
تَرَكتَ الذِّئابَ وَراءَكَ تَنهَشُ في الجُرفِ جِسمي
وَلَم تَخلَعِ الأَرضُ أَشجارَها بَعدُ
في لُجَّةِ الشَّوقِ وَالإحتِراقِ الطَّويلِ لِلَحمي
وَما كُنتُ إلا رَسولاً يَموتُ بِلا مَوعِدٍ
في الصَّهيلِ الأَخيرِ
دَليلاً لِكُلِّ قَتيلٍ يَنامُ عَلى دَكَّةِ الأَرضِ
دونَ دِثارٍ
وَدونَ اعتِذارٍ
لأَيِّ غُرابٍ
لأَيِّ غُرابْ