
مؤانسة جاحظ الجزائر
وهل نال بالفعل كبار أدبائنا وعلمائنا حقهم من الإهتمام والدراسة والتكريم؟.. كم هي البحوث والأطروحات الجامعية التي أنجزت حول حياتهم وأعمالهم؟.. ولماذا لا نبادر بإطلاق أسمائهم على المؤسسات الثقافية مادام هم أو هن على قيد الحياة؟.. تساؤلات مثيرة للنقاش الجدي، واجهتني وصافحتني إثر تأملاتي في الحوار الشيق والهام الذي أجرته أديبتنا المتألقة: رجاء الصديق مع والدها الكريم الأديب العلامة محمد الصالح الصديق ونشر أواخر نوفمبر المنصرم بموقع أصوات الشمال الذي يستقطب أقلام واهتمام عامة الكتاب والمثقفين.
وأستاذنا الفاضل محمد الصالح الصديق، أو كما يطلق عليه جاحظ الجزائر، نموذج المثقف الوطني الدؤوب على البحث والتحصيل والتأليف عبر حوالي ستين سنة، منذ صدور كتابه الأول بتونس سنة 1951 بعنوان: أدباء التحصيل، وكان يومئذ ما يزال طالبا بجامع الزيتونة، إلى أن وصل العدد إلى مائة كتاب وكتاب، بالإضافة إلى كتاباته العديدة في الصحف والمجلات، وبرامجه الإذاعية ما بين 1964 و1977، وأكثر من 300 حديث ديني للتلفزيون ما بين 1971 و1997.
ورغم ثقل السنين، وضغط الجهود المكثفة المبذولة، فإن أستاذنا المبجل يشتغل حاليا حوالي ثمان ساعات يوميا في مكتبه الخاص، وقد أصدر معظم كتبه كما يقول في نفس الحوار، دون أن يتقاضى دينارا واحدا..
وأعود إلى مكتبتي الخاصة لأتصفح من جديد ما توفر لدي من كتبه النيرة مثل: عميروش، رحلة في أعماق الثورة، وقفات ونبضات، شخصيات ومواقف، أنيس المجالس، السراج المنير، الرافضون عبر التاريخ، أضواء وظلال.. ومن هذا الكتاب الأخير نقرأ معا بالصوت المسموع والمكتوب: مكانة القلم في نشر العلم والمعرفة مكانة فذة، حسبنا أن الله تعالى نوه به في قوله: علم بالقلم.. وأقسم به في قوله: والقلم وما يسطرون.. ولم يقسم باللسان مع أنه الأصل، وما ذلك إلا لأن آثار اللسان لا بقاء لها، إلا إذا قيدها القلم..
وعندما أعيد قراءة الحوار الشيق والمفيد الذي نشر لأول مرة بموقع أصوات الشمال، أشعر بسعادة تغمرني، لأنني كنت أتمنى أن أنجزه لأضيفه إلى رصيد حواراتي العديدة مع ألمع وأبرز أدبائنا وعلمائنا، من مفدي زكريا وعبد المجيد مزيان وعمار بلحسن، رحمهم الله، إلى الدكتور أبو القاسم سعد الله والطاهر وطار ورشيد بوجدرة، أطال الله عمرهم، لكن صديقتنا الشاعرة المتألقة: رجاء الصديق كانت أقرب إلى قلب وعقل الوالد الكريم والعالم الجليل، وسبق لها أن عبرت لي مشكورة منذ شهرين عن رغبتها في أن نشترك معا في إجراء هذا الحوار الهام، لكن الرغبة الجميلة المشتركة لم تكتمل، نظرا لبعد المسافة وكثرة انشغالاتي في المدة الأخيرة، وكم أتمنى لو تحرص صديقتنا النبيلة على نشر الحوار كاملا مع الأصداء والتكريمات ضمن كتاب أنيق، تعميما للمتعة والفائدة.
وأجمع أوراقي، وأضع القلم جانبا، في حين لا يزال التساؤل المثير يهمس في قلبي، ليستفز لب عقلي: وهل نال بالفعل كبار أدبائنا وعلمائنا حقهم من الإهتمام والدراسة والتكريم؟