الأحد ١ أيار (مايو) ٢٠٠٥
بقلم سلمان ناطور

مفاتيح، أبو سلمى وزنزانة

تداعيات ما بعد النكبة

ليس هناك جسم جامد كالمفتاح يحمل المشاعر التي يحملها، فالبصمات التي تبقى عليه ولا يمحوها قانون التقادم هي رسم خفي لأحاسيس الناس الذين حملوا المفتاح واخترقوا عالمهم أو خرجوا منه، كالرسم البياني على جهاز تخطيط القلب، يسجل الغضب والحزن والفرح والسكينة، فكيف يكون المفتاح حين يحمله شاعر غادر البيت حاملاً مفتاحه وديوان شعر وشحن على ظهر قارب في البحر أقلع به من حيفا إلى عكا، ثم إلى بيروت وإلى.. وإلى.. إلى ان التقينا في صوفيا.

في طفولتي لم يقل لي أحد شيئًا عن أبي سلمى.. لا في المدرسة ولا في البيت.. وحين كنا صغارًا نحفظ الشعر ونتبارى فيه، كنا نبدأ المبارزة الشعرية بما أسميناه "المفتاح"؛ أي البيت الذي نفتتح به وكان :

أنشر على لهب القصيد

شكوى العبيد إلى العبيد

وكان يصر على هذا المفتاح معلم اللغة العربية، لكنه لم يقل لنا من هو قائله، والحقيقة أننا لم نسأل لأننا كنا نبحث عن أبيات ذات قافية صعبة، و"الدال" هو واحد منها، وأما معلم التاريخ الذي كان يستجيب إلى إلحاحنا لتمضية درس التاريخ الناشف بمبارزة شعرية فقد كان يصر على مفتاح آخر، وهو :

العرب أشرف أمة

من شك في قولي كفر

ولا أعرف حتى اليوم من هو قائل هذا البيت، لكن معلم التاريخ لم يكمل السنة الدراسية، فقد افتقدناه يومًا وقيل لنا أنه يكتب الشعر وقد طرد من المدرسة وسمعنا فيما بعد أنه غادر البلاد وصار يتنقل بين مصر وليبيا والأردن ولم يعد إلى وطنه، بل تركنا نسخر من أنفسنا ونحن نسأل:

هل حقًا، العرب أشرف أمة ؟

قد يعود إلينا يومًا ويحكي عن العرب، مؤمنًا أو كافرًا، ويعلم الله أنه بعد أن تعرف على حالة العرب في الخارج فسيأتينا معتذرًا ليس على كفره بل على يقينه في تلك الأيام.

أبو سلمى

بعد أن أنهيت المدرسة الثانوية في حيفا سمعت لأول مرة عن أبي سلمى (عبد الكريم الكرمي)، ويحز في نفسي اليوم أنني كنت أمر يوميًا، ولأربع سنوات متتالية، قرب بيته ولا أعرف أن في ذلك البيت عاش وكتب "شاعرنا القومي".

لم أعرف في ذلك الوقت ما معنى "الشاعر القومي" لأن معلمة اللغة العبرية، غرزت في رؤوسنا أن حايم نحمان بياليك هو شاعر قومي، ولا يجوز أن يكون هناك شاعر قومي لأمة إلا بياليك للأمة العبرية.

عندما كبرت صرت أسأل كطفل صغير :

لماذا لا يكون لنا شاعرنا القومي، مثلما أن لهم شاعرهم؟

وكم أردت ان يكون أبي ومعلم التاريخ شاعرًا كهذا.

التقيت أبا سلمى في صيف 1980، في صوفيا مدينة البلقان.

جاء ليلقي الشعر وذهبت لأدرس الشيوعية.

هناك تحدث عن حيفا، وإذا بها مدينة غير التي تعلمت فيها وأعرفها وأقضي معظم ساعات نهاري في غرفة صغيرة من غرف جريدة "الاتحاد" التي احتوت بين جدرانها على طاولة خشبية عريضة، هي طاولة أبي سلمى.

احتفظنا نحن بطاولة مكتبه واحتفظ هو بمفتاح البيت.

كنا نتحدث إليه عبر طاولته وكان يتحدث إلينا عبر المفتاح.

مناجاة عشاق لقمر لا يغيب، ولكنه بعيد، بعيد.

سأل عن شارع الملوك وساحة الحناطير وقال أن بيته في شارع البساتين، في حي الألمانية.

سأل:

هل تعرفون البيت؟

هل هناك أحد يحرسه ؟

كان أبو سلمى يعاتبنا لأننا اكتفينا بطاولته ولم نحرس البيت، حتى أننا لم نعرفه، ولم نجرؤ على السؤال:

"لماذا ذهبت؟"

غجر

بين حيفا الأمس وحيفا اليوم درج من حجر.

الماضي من تحت والحاضر من فوق.

بحرها يتراجع وقممها تفقد خضرتها يومًا بعد يوم.

أصبحت مدينة شاحبة مشحونة بدخان المصانع وزعيق البواخر في الميناء.

بكى وهو يحكي وبكينا نحن على بكائه.

"خرجت مع مفتاح وقصائدي.

وقعت قصائدي في البحر وظل المفتاح لأنني ربطته بخاصرتي.. "

في طريقي اليه في فندق البلقان جلست على الارض امرأة غجرية وضعت في حضنها رضيعا وإلى جانبها وقف طفل في السابعة ماداً يده للتسول. أردت أن أعطيه لكن مرافقتي البلغارية قالت:

"لا.. إنهم ليسوا بحاجة، فالدولة توفر لهم كل شيء وهم يرفضون هذه النعمة!

الغجر يرفضون النعمة ويفضلون التسول! هذه هي حياتهم! لقد بنينا لهم المساكن وسلمناهم مفاتيح الشقق، فباعوا المفاتيح وتركوا البيوت فارغة وانتشروا في الشوارع.. يغنون ويرقصون ويتسولون..

(شو هالحكي؟)

لماذا تضحك يا رفيق ؟ "

 خذيني إلى فندق البلقان واتركيني هناك مع الشيخ الغجري الفلسطيني !

إنه شاعرنا القومي؟ هل للغجر شاعر قومي ؟

"لبلغاريا شاعرها!"

قالت الرفيقة نانا، وودعتني عند مدخل الفندق، ولما عانقت أبا سلمى لم يتسلل إلى أذني إلا شهقاته وطقطقة صرة المفاتيح التي حملتها موظفة جميلة وغابت في الردهات الطويلة.

تلة رضوان

رحلة البلقان كانت كالخرافات الموروثة، لا يحيكها سوى القضاء والقدر والمصادفات الجميلة، وفي صميمها إنسان تتقاذفه الأقدار، كهذا الشاعر العجوز الذي يحلم بالعودة إلى بيته ويصفه حجرًا حجرًا، ويسأل عن الدرج وعن غرفة "سعيد "وعن الحديقة ويعاتبنا لأننا لم نحرسها. وحين يبدأ رحلته يختار الأسطورة:" يحكى عن راع في تلة رضوان كان يغني لجواميسه ويعزف على الناي، أحب ابنة شيخ القبيلة وأحبته فبعث يطلب يدها.

غضب والدها على هذا الراعي "الوقح "الذي يجرؤ على مجرد التقدم إليه بطلب كهذا، فأمر بقطع أصابع يديه عقابًا له.. وكان هذا أقسى حكم ينزل على شاب ترقص أنامله الجواميس في المراعي.. في اليوم التالي رفضت الجواميس الخروج لأن الراعي لم يأت ولم يعزف.. وما كان من أهل القبيلة إلا أن قصوا اعواد القصب وركبوها في مكان الاصابع وعاد الراعي ليعزف على الناي فخرجت الجواميس إلى المراعي وتزوج ابنة الشيخ..
قال ابو سلمى انه تأثر كثيرًا بهذه الحكاية وظلت ترافقه ومنها بدأ يكتب الشعر، كانت هي المفتاح للالهام، مثلما كانت اصابع الراعي المقطعة المفتاح للموسيقى التي اطربت الجواميس، وهل هناك اقتحام لعالم روحاني أو مادي دون مفتاح؟

في عام النكبة فقدت عشرات ألوف المفاتيح، منها ما ظل في الأبواب المشرعة ومنها ما وقع على الطريق الوعرية او في البحر، إذا لم يربط في الخاصرة، وها هم أصحابها ينتظرون أكثر من خمسين عامًا صابرين على فراقها مؤمنين "أن الصبر مفتاح الفرج "مستبدلين مفتاح البيت الحديدي بمفتاح الأمل الذي تبدد بعد أن قامت الجرافات وأخذت البيت والمفتاح..

البيت

مات أبو سلمى بعيدًا بعيدًا عن وطنه، بعد شهرين من لقائنا في البلقان.

مات في أمريكا ودفن في دمشق وترك المفتاح لأبنه سعيد..

عدت إلى البيت في شارع البساتين، لأبحث عنه ولأسأله أن كان هو أيضًا يشتاق إلى أهله مثلما يشتاق أهله له، وقد كنت أمر يوميًا بجانبه ولا أراه، وربما لأن معلمة المدنيات اليهودية قالت لنا:

"العرب في حيفا هربوا خوفًا من البراميل التي دحرجناها في نزلة ستيلا مارس وعلى الدرج الذي يفصل بين حيفا من فوق وحيفا من تحت ففكروها طائرات ودبابات.. وتركوا بيوتهم وهربوا، ويقال أن امرأة حملت وسادة بدلا من أن تحمل رضيعها الذي نام في السرير.. وعندما دخلنا كان الطبيخ على النار.. "

عدت إلى حيفا بعد رحلة البلقان وذهبت إلى حنا نقاره، صديق أبي سلمى، وطلبت منه أن يأخذني إلى البيت..

وقع خطانا على السلم الخشبي لم يوقظ أهل البيت..

انتظرنا ان يفتح احد بابًا ويقول:تفضلوا !

كنا كمن يتحرك في كهف مهجور.
"هذه غرفة النوم "..

وضرب حنا بكفه على جدار اهتز هزات خفيفة واختفى رجع الصدى، وفي عينيه علقت دمعتان.. أما السقوط على أرضية "الكوريدور "الخشبية واما البقاء في عناق طويل مع الرموش الذابلة.

طرقنا على الباب.. لم يسمع صوت.
"
ربما أنه مهجور "

طرقنا مرة اخرى.
"
من هناك؟"

ردت علينا امرأة كأننا أيقظناها من سبات عميق.

لم نعرف كيف نعرف عن أنفسنا، ولو عرفنا لأثرنا خوفها في مدينة عندما يطرق غريب وصل بلا موعد على أبواب منازلها، فإما أن يكون حراميًا وإما أم يكون شرطيًا وكلاهما يثيران أشد أحاسيس الخوف.

"سلام عليك أيتها السيدة "
وجوم..

"هل تسكنين هنا منذ زمن بعيد؟ منذ عام1948 ؟

عجوز في الستينات وقفت خلف بابها المشقوق وحدقت بنا حيرى ومرتبكة ونحن ألقينا بنظراتنا إلى باطن الغرفة.

"أسكن هنا منذ عام 1949 "

أشار حنا إلى الغرفة الواسعة وقال، هذا هو الصالون.. كان يستقبلنا هنا.. وسألنا السيدة :

"هل تعرفين من كان يسكن الدار قبل مجيئك "؟

فأجابت السيدة :

"لا أعرف! عائلة بولونية.. قبلها سكنت عائلة ألمانية.. "

قال حنا نقارة :

"هذا البيت لقريب لي توفي قبل شهر.. نزح عنه قبل 32 عامًا..

سألت السيدة :

"هل هو عربي ؟ "

امرأة عجوز قدمت من رومانيا عندما كان صاحب هذا البيت يحمل المفتاح وقصائده ويركب قاربًا أبحر به في محاذاة الشاطئ من حيفا، إلى عكا، إلى طرابلس..

"هل تعلمين أن صاحب هذا البيت هو شاعر فلسطيني كبير توفي قبل شهر ؟

هل تعلمين أنه ظل يحتفظ بمفتاح البيت على أمل العودة؟ "

حركت رأسها كأنها تقول:

مسكين هذا الشاعر!

ثم واصلت :

"البيت قديم وقد طلبت من البلدية أن تعطيني بيتًا آخر، ولكن لا يوجد فلوس.. أسكن في غرفة واحدة، هنا مطبخ وهنا حمام وهنا غرفة مسدودة بالباطون.. سدتها البلدية، إنها تدلف، جدرانها مشققة وشبابيكها محطمة..

مد حنا يده وصافح السيدة العجوز..

الدمعة التي تراخت على الرموش الذابلة انقسمت وتساقطت على خده..

عدنا إلى السلم الخشبي.. والكوريدور.. وخرجنا من المدخل.. هناك بيت فوزي بندر.. كان وكيل شركة تأمين.. وهذا بيت زكي التميمي.. وهذا لحسين عبد الصمد.. وهذا للدجاني وهذا للعنبتاوي، وهناك نصار الفرمشاني.. وهذا بيت المحامي عيسى هزو..

هل حملوا مفاتيح بيوتهم التي بنيت من حجر وما زالت قائمة حتى اليوم ؟

زنزانة

رهيبة صكصكة المفاتيح حين تجتمع وتتراقص على خاصرة راهب يمشي في دهليز إلى غرفة معتمة في الأديرة القديمة، أو حين تصطك في يد سجان تسمع وقع بسطاره عندما تكون منقبضا في زنزانة، وتعلو شيئا فشيئا إلى أن يتوقف، فتقف على رجليك لتصغي بترقب وتوتر إلى معركة حشر المفاتيح في الثقب الوحيد الذي يربطك بالعالم الخارجي، وعندما تسمع "طقة "وتتلوها أخرى أقوى منها تتنفس الصعداء لأن السجان يفتح الباب ويأمرك بأن تخرج إلى أن يعيدك ثانية.

ليس بيني وبين المفاتيح علاقة عشق , وقد جاء مفتاح أبي سلمى ليحررني من حقد على المفاتيح كان اشتد في نفسي في ليلة من ليالي أيلول 1977.

في منتصف تلك الليلة حرقت كل سجائري، ولم يكن من عادتي أن لا أبقي سيجارة لقهوة الصباح، لكنني فعلتها في تلك الليلة، فتبين لي فيما بعد أن السيجارة في البيت كالحجاب يطرد "الوسواس الخناس "ويبعد الشياطين وأولاد الحرام وإلا كيف حدث أن في تلك الليلة وبعد أن أقفلت الباب واسترخيت على سريري وما كدت أغمض عيني حتى سمعت طرقا شديدا على الباب وهرجا ووقع خطى أيقظ طفلي وزوجتي فقاموا مذعورين وأنا معهم، ولما فتحت الباب وإذا بثلاثة رجال وأربعة وخمسة وعشرة تجمعوا في المدخل بلباس مدني وبوليسي وقال أولهم:
"جئنا لنفتش البيت! "

وناولني ورقة لم أقرأها، ودخلوا بقوة وانتشروا في أركان البيت وفتشوا في المكتبة وفي الخزائن وفي الثلاجة وتحت الفراش، ووصل عددهم إلى أكثر من ثلاثين رجلاً ضاع بينهم طفلاي وهما يبكيان ولا يفهمان ما يدور في البيت.. كان على طاولتي مفتاح كبير لبوابة قديمة ورثته عن جدي.حين كنت أتأمل فيه وأقرأه كان يعيدني إلى تلك الأيام وذلك الجيل وإلى الحالة الفلسطينية التي تجمعني بهذا الجيل المعذب، ويبدو أن ضابط العملية بذكائه المخابراتي الخارق أدرك عمق العلاقة بيني وبين هذا المفتاح فبدأ يحقق:

من أين لك هذا؟

وأمرني بأن آخذه إلى البوابة الكبيرة، ولما أقنعته أن مثل هذه البوابات كان في زمن البيوت الحجرية الكبيرة التي هدمتها جرافاتهم، عندها سحبه بعصبية وقال:

سيكون شهادة ضدك، وأمرني بأن أصعد إلى السيارة واختفى المفتاح...

أمضيت ليلتين في زنزانة "الجلمة "ولم تكن المرة الأولى التي أعرف فيها السجن والزنزانة، ولكنها المرة الاولى التي شعرت فيها أن السيجارة تصبح في السجن وسيلة تعذيب، قلت للسجان: أعطني سيجارة!

نظر إلي وابتسم ابتسامة خبيثة عبر الفتحة المربعة في وسط الباب وقال: " بعد قليل"، واصطكت مفاتيحه وغاب.. وكانت هذه "البعد قليل "ساعتين وأكثر عاد بعدها وفتح الطاقة وناولني سيجارة وقال: نسيت علبة الكبريت، سأذهب لأحضرها بعد قليل.

وكانت "البعد قليل" الثانية أطول من سابقتها, وأدركت أن طقوس التعذيب قد بدأت... ولم أشعر بالانفراج إلا عندما كان السجان يفتح الباب ويقودني إلى غرفة التحقيق...

ثلاثة محققين كانوا هناك:

طيب وشريروبشع..

الطيب عرض علي سجائره والقهوة وكان مؤدبا وحاول إقناعي بأن أرتدع عن خطي السياسي المناهض للسلطة وعرض علي المال والوظيفة وحتى عضوية الكنيست.. وفتح ملفا كبيرا وقال: كل ما كتبته ونشرته وقلته محفوظ عندنا... وهو مترجم حرفيا...

قلت له:

أنا سعيد أن هناك من يهتم بما أكتب... وسعيد أكثر أن كتاباتي تترجم.. حبذا لو تقومون بنشرها بلغتكم...

إغاظه هذا الكلام "الصقع", فهب من مكانه وغادر الغرفة وتركني وحيدا ثم دخل علي الشرير وقال إنه يستطيع أن "يخرب بيتي "وأن يجعل حياتي جحيما وأن الدولة التي انتصرت على مائتي مليون عربي لا تحسب حسابا لواحد مثلي...

قلت له:

أعرف أنكم أقوياء وأنا لا أتحدى دباباتكم..

قال:

إذن ستظل مشاكسا ؟

وغادر الغرفة وتركني وحيدا ثم دخل البشع. شاب طويل وضخم ومفتول العضلات صار يبرم حولي ويلف ويدور وينظر إلى نظرات مرعبة , وقال :

من أنت؟ ماذا تساوي؟

أنت لا تساوي الرصاصة التي ستخترق دماغك..

لا.. لن نخسر عليك رصاصة..

نحن سنطلق سراحك..

سنقول لك أنت حر, اذهب أينما شئت، وستركب سيارتك.. وتسافر وفجأة تأتيك سيارة شحن كبيرة.. سيمترلر.. وتدوس عليك كما يدوس الفيل على النملة.. وبعدها ستركض زوجتك خلف شركة التأمين لتدفع التعويضات ..

وتكررت هذه الجولة الثلاثية... لمدة 48 ساعة.. تعلمت منها درسا واحدا: أن لا أنام ليلة دون أن أترك سيجارة لقهوة الصباح..

أطل عليه..

وصرت أكره المفاتيح وصكصكتها.. إلى أن كان ذلك اللقاء مع أبي سلمى في فندق البلقان في صوفيا..

صار للمفتاح معنى آخر في حياتي..

علمني مفتاحه أن ليلتي ويومي في سجن الجلمة كانت المفتاح إلى عالم من المواجهة ليس فيه تنازل ولا مساومة ولا التفاف على الحق..
"
سنلتقي في حيفا "

قلت لأبي سلمى..

بعد شهرين رحل تاركا المفتاح.. وقد أشبعت قصائده الضائعة بملح البحر...

بعد سنوات قليلة أخلت العجوز الرومانية البيت، ربما انتقلت إلى بيت آخر أو إلى العالم الآخر..

ظل البيت مهجورا لعدة سنوات أخرى. لم يقم أحد بزيارة البيت..

مررت يوما من هناك، كانت الجرافات قد أنهت عملها، والبيت تحول إلى ركام صارت الجرافات تحمله على شاحنة كبيرة وتطاير غبار كثير..

لم يبق لبيت شاعرنا القومي أثر ، هناك في حيفا، حي الألمانية ساحة كبيرة هي موقف سيارات.. أطل عليها من مكتبي في "معهد اميل توما"، فتأخذني بعيدا إلى فندق البلقان وإلى مفتاح على خاصرة شاعر لم يقدر على حماية قصائده فسقطت في البحر ولم نقدر على حماية بيته فمسحتها الجرافات..

تداعيات ما بعد النكبة

مشاركة منتدى

  • Sorry but my PC dosen’t suport arabic, I’m nefew of Abu Salma, my name is Ghasoub Ghadban, my mother is Hend Al Karmi, my father is Sami Ghadban, the comrade and life friend of Abu Salma, Emil Tuma, Tawfiq Tubi, Emil Habibi, Taufiq Zaiadin.........etc. I have my pain that I live abroad (by my choic..!!!!!) excatly in Bulgaria, where is the Balkan.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى