مقاطع خمرية
أهدي هذه الترجمة المتواضعة إلى صديقي وأخي المترجم نزار سرطاوي شاكرا له مسعاه في التقريب بين الثقافات عبر الحرف ومتمنيا له كذلك مزيدا من التألق والعطاء والصحة والعافية وطول العمر.
مثار الأعصاب لكن من دون ألموبصوت متحشرجألتمس من الحشد كلهالصفح و الرضى عني.بوجه النعشوفراشتي الباليتينأسجل حضوريفي هذا الحفل العظيم.أتساءل، أيوجد شيءأشرف من زجاجة خمرفي غمرة الحديثبين روحين توأمين؟للخمر فعيليعجب و يربك في ذات الآنإذ يحول الثلج إلى ناروالنار إلى حجر.الخمر هو كل شيء، هو البحرهو حذاء بطول عشرين فرسخا،هو بساط سحري، هو الشمسهو ببغاء بسبعة ألسن.البعض يعاقر الخمرة كي يروي عطشهوآخرون لينسوا ديونهمأما أنا فأحتسيها لأرى السحاليوالضفادع مرتسمة في النجوم.المرء الذي لا يستطيع أن يحتسيقدحه و فمه مدمى لا يمكنأن يكون في اعتقاديمسيحيا أصيلا.يمكن أن يحتسى الخمر من وعاء قصديرأو زجاج أو طينلكن يكون احتساؤه أفضل في زهرة الكوبيهويأو الفوشيا أو النرجس.يحتسي الفقير جرعته من الخمركي يسدد ديونهالتي لا تسدد لا بالدموعولا بالإضرابات.لو خيروني بين الماس و اللؤلؤكنت لأختار غصنأعناب بيض و سود.بكأس يبصر الأعمىشرارة وبريقاأما المقعد فيشرع في أداءرقصة الكويكا.عندما يحتسى الخمريكون ذاك أشبه وفقطبتقبيل فتاة عذراء.من أجل كل هذا أرفع قدحيإلى شمس الليلو أحتسي الخمرة المقدسةالتي تؤاخي بين القلوب.
*ينحدر نِيكَانُورْ بَّارَّا من عائلة بارا التشيلية المعروفة بكثرة مبدعيها من موسيقيين وفنانين وكتاب. وتعتبر شقيقته فيوليتا بارا أشهر مغنية شعبية تشيلية.ولد بارا قرب مدينة شيلان، جنوب تشيلي في 5 أيلول / سبتمبر عام 1918. كان والده يعمل في سلك التدريس. في عام 1933، دخل بارا المعهد التربوي التابع لجامعة تشيلي، وتخرج عام 1933 بعد أن تأهل كمدرس للرياضيات والفيزياء.
بعد أن عمل معلماً في المدارس الثانوية في شيلي، سافر بارا عام 1943 إلى الولايات المتحدة لمواصلة دراسته في الفيزياء في جامعة براون. بعد ذلك توجّه إلى انكلترا لدراسة علم الكونيات في جامعة أكسفورد، ليعود إلى تشيلي ويعمل أستاذاً جامعي. ومنذ عام 1952، عمل أستاذاً للفيزياء النظرية في سانتياغو. خرج بارا على اللغة الشعرية المتأنقة السائدة في معظم بلدان أمريكا اللاتينية، واعتمد لهجة أقرب إلى العامية. وتعتبر مجموعته الشعرية الأولى التي صدرت عام 1954 بعنوان "قصائد وقصائد مضادة" (Poemas Y Antipoemas) واحدة من كلاسيكيات الأدب في أمريكا اللاتينية، ومن الأعمال الشعرية الإسبانية الأكثر تأثيرا في القرن العشرين. وقد كان لها تأثير ملحوظ على بعض كُتّاب الجيل الغاضب الأمريكيين. ومن الجدير بالذكر أن الشاعر بابلو نيرودا عبّر عن إعجابه بها.
أطلق بارا على نفسه اسم "الشاعر المضاد"، وعلى شعره اسم "الشعر المضاد" و"القصائد المضادة." ولعل ذلك يرتبط ولو بصورة جزئية بدراسته وتدريسه للفيزياء. فانشغاله في المسائل العلمية جعله يرفض فكرة أن للشعر قوة خارقة. بل إنه رأى أن الشعر يجب أن يتعامل مع الحياة اليومية وأن يعالج قضايا ترتبط بالواقع بأبعاده الثقافية والسياسية والدينية. في 1 كانون الأول / ديسمبر 2011 قررت وزارة الثقافة الاسبانية أن تمنح بارا جائزة سرفانتس، التي تعتبر أرفع جائزة أدبية في العالم الناطق باللغة الإسبانية. و بالرجوع إلى هذه القصيدة المترجمة أعلاه فإن المطلع على الشعر العربي الكلاسيكي و الخبير به قد يعتبرها ترجمة إسبانية لمقاطع و قصائد لشعراء عرب بارزين في الخمريات لعل أبرزهم أبو نواس الذي يقول في هذا المضمار:
و مقعد قوم قد مشى من شرابناو أعمى سقيناه ثلاثا فأبصراو أخرس لم ينطق ثلاثين حجةأدرنا عليه الكأس يوما فهمرا.كما يقول أبو محجن الثقفي:إذا مت فادفني إلى جنب كرمةتروي عظامي بعد موتي عروقهاو لا تدفنني في الفلاة فإننيأخاف إذا ما مت أن لا أذوقها.
أما النبذة عن هذا الشاعر فمأخوذة عن المترجم الكبير و الأديب الأريب و الصديق نزار سرطاوي و ذلك في معرض تعريفه بهذا الشاعر الذي سبق أن ترجم له عشر قصائد إلى اللغة العربية.