الخميس ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٥
بقلم حسام صبري

مندوب مبيعات

يطيل النظر إلىّ , لا.. إن عينه تقتحم جسدى كله اقتحاما من خلال الثقبين الصغيرين فى أعلى وجهي. والقاعدة ترن فى أذنى: حين ينظر إليك .. يجب أن تثبت عينيك فى عينيه حتى يبتعد هو..

لكن تبا لهذا الشخص إنه لم يبتعد..

إنه حتى لم ينظر إلى الأباجورة ولو نظرة عابرة رغم أن يده تقلبها وتعبث بأزرارها وتفرد السلك الطويل وتثنيه..

لقد اعتدت نظرات الناس – أو العملاء كما أحب أن أسميهم – لكنها عادة تحمل التساؤل أو الدهشة المختلطة بالإعجاب لقدرتي على تتابع الكلام السريع والمنظم، وأغلبها تحمل الكثير من الشك، وربما حملت بعض التعالى أو حتى الاشمئزاز، مع أنى لم أكن أبدا لزجا فلو أشاح العميل مجرد إشاحة بوجهه ستجدني أنصرف سريعا قائلا: شكرا لسيادتك...ألف شكر

لكن هذه نظرة جديدة أستطيع أن أصنفها بأنها ثقيلة
أنا أتجاهلها وأواصل الشرح وأبذل مجهودا جبارا كى أشد عضلات وجهي وأصنع ابتسامة خفيفة أمنعها من الارتعاش كي تبدو واثقة وأنا على وشك الانهيار أمام هذه النظرة التى بدأت تثير ضيقا كبيرا في نفسي كأن أحدهم يضع ثقلا كبيرا على صدري. حتى أن الكلام بدأ يأخذ رنة آلية وكأني أستظهر وردًا قديما من المحفوظات أقوله دون تفكير.
لكني لم ألبث أن تجاوزت بسرعة هذه الآلية، وعادت يدي لحركتها حيث انتزعت منه الأباجورة –كما تعلمنا– حتى يشعر العميل أنه فقد شيئا..
لكنه أطبق يده عليها .. فلم تفلت منه .. وهنا فقط سكتُّ لحظة..
وقد أطبقت أنا أيضا يدي على الأباجورة .. وخلال هذه اللحظة الصغيرة من الصمت كانت عيني مثبتة إليه بطريقة لم تحدث لي مع شخص من قبل قط.
وقبل أن تنتهي اللحظة وجدته يبتسم –لدهشتي- لأول مرة ويرخي الأباجورة فجأة، ثم يقول لي بود كبير وكأنه يعرفني منذ زمن: أنا لا أحتاجها فعلا... شكرا.

كنت أود أن أنفعك .. لكن ... شكرا

وبالمناسبة.. أنت ..
ثم تردد قليلا وتابع قبل أن يطرق برأسه وينصرف: أنت تمتلك شخصية قوية.

النقد والتعليق:-

يقول الناقد والسينارست عماد مطاوع:

أفرزت مشكلة البطالة -التي يعاني منها قطاع عريض من شباب مصر، والعالم أيضا– عدة ظواهر تؤثر ولا شك في وضعية هذا المجتمع، وأبرز ظاهرة تقابلنا صباح مساء هي كثرة عدد الشباب الذين يعملون في تسويق المنتجات المختلفة، والذين تحركهم ظروف وملابسات بعينها. وفي قصة "مندوب مبيعات" للقاص د.حسام صبري نجده يرصد لحظة قصصية بعينها؛ تلك اللحظة التي يعرض فيها مندوب المبيعات بضاعته على "عميل". إن القاص يحلل ببراعةٍ الدوافعَ النفسية التي يعتمد عليها هؤلاء الشباب في تسويق بضاعتهم، والاعتماد الأساس على التركيبة الشخصية للطرفين، واعتمد الكاتب على البطل "مندوب المبيعات" لنجده راويًا لأحداث عمله، وقام هذا الراوي/البطل بتحليل التصرفات وفرض تأويلات بعينها، واستطاع الكاتب الغوص داخل ردود الأفعال ومنطلقاتها النفسية، واستطاع عمل لحظات قصصية جيدة مثل... "لكنه أطبق يده عليها.. فلم تفلت منه.. وهنا فقط سكت لحظة"، وهي اللحظة التي كاد فيها مندوب المبيعات أن ينجح في بيع "أباجورة" للرجل مستخدمًا قوة شخصيته.

واللحظات القصصية المتناثرة هنا وهناك بالعمل والمتسمة بالتكثيف والسرعة تؤكد أن د.حسام صبري يمتلك وعيًا فنيًا، وأيضًا مجتمعيًا ظهر في قصته هذه.. لكنه مطالب بالبحث عن مدارات متجددة في كتاباته؛ لأنه بالفعل يمتلك موهبة، يجب عليه الاستفادة منها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى