الخميس ٢٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٨
بقلم محمد جمال صقر

من منظار التحليل العروضي

ينداح الشعر اندياحا، في كتاب أشعة ملونة لأحمد الصافي النجفي الشاعر العراقي الكبير؛ فلا يستقل عمل شعري فيه بصفحة ولا بعنوان ولا برقم، إلا مساحة سطر من الفراغ بين السابق واللاحق! ولن يخفى عن المتأمل أنها أعمال نُشرت أولا مُنجَّمة، ثم جُمعت على ذلك، ثم نُشرت في الكتاب؛ إذ تتوالي مجاميعها شيئا فشيئا، متقاربة المعاني، كسولا صاحبُها عن عنونتها!

لقد كان منها البيت اليتيم، كقوله هذا أول يَتاماه التسعة والثلاثين:

تخذتها أمة حتى غدوت لها
عبدا وها أنا أفنيها وتفنيني

والبيتان الاثنان (النُّتفة)، كقوله هذا أول نُتَفه الثمانين والثلاثمئة:

قد صعدنا كبخار
نحن من بحر الوجود
ثم صرنا كالسواقي
ثم للبحر نعود

والثلاثة الأبيات (القِطعة)، كقوله هذا أول مُثلَّثاته الإحدى والستين:

الناس سموا عصر نور عصرهم
جهلا كمن سمى الظلام النورا
فإذا هم بعلومهم يوما مشوا
فبخلقهم يتقهقرون دهورا
يتنافسون على الضلال كأنهم
يتسابقون إلى الوراء مسيرا

والأربعة الأبيات (القِطْعة)، كقوله هذا أول مُربَّعاته الثماني والثلاثين:

عندي عيوب بنفسي سوف أظهرها
لأن إخفاءها مكر وتدجيل
والعيب يجدر أن يبدو ليعرفه
كل الأنام فلا يعروه تضليل
إني وإن كنت في جهل له صغرت
نفسي فأجهل مني العصر والجيل
بعوضة أنا في الدنيا وحين أرى
بعض الورى فكأني بينهم فيل

والخمسة الأبيات (القِطْعة)، كقوله هذا أول مُخمَّساته التسع:

صرت في الحب دخانا
ناسيا عهد لهيبي
ملأ الحب فؤادي
وضلوعي وجنوبي
عبث الحب بعقلي
وبحدس لي مصيب
صرت إن أبصرت وجها
من بعيد أو قريب
قلت ذا وجه حبيبي
أو رسول من حبيبي

طَويليّة 21.25%، فكَامليّة 16.88%، فوَافريّة 14.80%، فبَسيطيّة 14.42%، فخَفيفيّة 12.71%، فسَريعيّة 6.07%، فمُتقاربيّة 4.17%، فمُنسرحيّة 2.84%، ورَمليّة 2.84%، فمُجتثيّة 2.65%، فرَجزيّة 1.32%، فقط، لا مَديديّة ولا هَزجيّة ولا مُضارعيّة ولا مُقتضبيّة ولا مُتداركيّة؛ قد استغنت عن هذه بتلك!

ولكننا إذا قسمنا عدد أبيات الكتاب (1179) -وما سبق من أنها 1140، خطأ واجب التصويب- على عدد قِطَعه ونُتَفه ويَتَاماه (527)، خرج (2.23)، ليكون متوسط طول الواحدة منها بيتين عموديين تقريبا، المقدار الذي خرجت به 380 نتفة بـ760 بيت من أبيات الكتاب، أي 64.46% -وهو أقل مقدار تُشرِق منه القافية، فأما فيما دونه فتظل رهينة الاحتمالات الجائزة والأصوات الحائرة- ثم جعل منه شعار الكتاب:

كل بشعري واجد نفسه
ففيه أسرار الورى مودعه
شعري ينمو مع سن الفتى
ينمو حجاه وه ينمو معه

وفي حاشية صفحة 124، سَمَّى النجفيُّ النُّتْفَةِ "شَظيَّة"، وهي في المعجم المعاصر: "الفِلْقَةُ تَتَنَاثَرُ مِنْ جِسْمٍ صُلْبٍ (...) وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ الْآنَ فِي فِلَقِ المُتَفَجِّرَاتِ"؛ فكأن نفسه تتفجر شظايا، ولكنه سَمَّى الكتاب كله أخيرا "أَشِعَّة مُلَوَّنَة"؛ فكأن شمسه تشع ألوانا- يُغلِّفه بالتفاؤل، وهو المشحون بالتشاؤم!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى