الثلاثاء ٢١ آذار (مارس) ٢٠١٧
بقلم هاجر العرباوي

موقف الالتزام والإلزام من الأدب

الملخص:

اهتمت الدراسة الأدبية اهتمامًا مطلقًا بمفاهيم الالتزام والإلزام، واستطاعت أن تجسد ذلك في الأدب، كما ساهمت التيارات المتعددة في رسم خطوط عريضة لكلا المفهومين، فكلا هما قائم على فكر واع خاص بالفرد والمجتمع، كما كان لهما تأثير واضح وصدى قوي في النقد الأدبي، واستطاعا ربط الأدب بقضايا العصر.

كما ارتبط مفهومي الالتزام والإلزام بتوجسات المجتمع. فالأول اعتمد فيه على الحرية والاختبار، أمّا الثاني فقد لجأ إلى الإكراه والتقييد، لكن كلاهما وضّحا مسار الأدب وعمل على توضيح أفاقه وتطلعاته.

الكلمات المفتاحية:

موقف- الالتزام - الإلزام- الأدب.

توطئـــــــة:

يرتبط الالتزام بالأدب التزامًا موضوعيا، وقد يرتبط بالحياة كذلك ارتباطًا وثيقًا مما قد يضفي على شعور الأديب والفنّان إحساسًا قويًا، وهكذا فالأديب ابن بيئته يسعى دائما إلى ربط معاناته بالواقع المعاش، بحيث يحاول جاهدًا استكشاف واستنباط الحقائق الجوهرية التي تعمل على إثراء الخبرات وإيقاظ الشعور، وتهيئة الإحساس ومحاولة إيجاد الحلول المبهمة وكذلك محاولة سبر أغوار الحياة ودراستها في صورة أوضح: إنّ الالتزام في الأدب يعنى: بمشاركة الشاعر أو الأديب بقضايا النّاس وتطلعاتهم وحتى رؤاهم السياسية والثقافية والاجتماعية، فيقف هذا الأديب أو الشاعر وقفة موضوعية فيها الكثير من الحزم لمواجهة تحديات المجتمع أما الإلزام فقد يتخطى فيه الأديب أو الشاعر الحرية والاختيار، فيتجه بفكره وتطلعاته إلى مواضيع خاصة لكن التطرق إليها أو دراستها يكون نوعا ما عن إكراه أو حتى إجبار، ولهذا ارتأينا بأن نعرّف الالتزام والإلزام من حيث اللغة والاصطلاح ونوّضح موقف الالتزام والإلزام من الأدب؟

- يعد مفهوم الالتزام والإلزام من المواضيع الهامة في الدّراسة الأدبية، ولتحديد المصطلحين يجب التّعريف بهما من حيث اللّغة الاصطلاح.

الالتزام لغة: باب الله وما يثلثهما (لزم) م والزّاء والميم أصل واحد صحيح يدل على مصاحبة الشيء بالشيء دائما يقال، لزم الشيء، يلزمه واللّزام العذاب الملازم للكفار.
التزم: يلزم التزاما الشيء: أوجه على نفسه والملتزم: من يتعهد بأداء قدر من المال لقاء استغلاله أرضًا من أراضي الدولة.

أمّا الإلزام لغة: من[ألزم إلزامًا]: الشيء أثبته أدامه، المال والعمل أو بالمال والعمل: أوجبه على نفسه. القرية أو العشر أو غيرها، ضمنها بمال معيّن يدفعه للحاكم بدل ريعها، واللاّزم: لازمة ج لوازم[المِلزَمة والمِلزَمُ]: خشبتان أو جديدتان، تشد إحداهما إلى الأخرى بواسطة مفتاح، أو يشبهه، يجعل ما بينهما ما يراد الضغط عليه ولَزِم: يلزم لزومًا ولزَامَا الشيء: ثبت ودام والأمر: وجب حكمه، وبيته أو فراشه: لم يفارقه والصّمت: أمسك عن الكلام، لزوم: اللّزوم هو ما وجب حكمه، ولزام: كان لَزَامًا عليه أن يفعل ذلك، كان من الواجب عليه أن يفعل ذلك، كان لابد له من أن يفعل ذلك.

أمّا اصطلاحا: فظاهرة الالتزام قد اكتسحت أغلب المجالات النّقدية الحديثة، بحيث اعتبرت جميعها وأضحت أي دراسة لا تخلو من هدا التيار العارم، بحيث هناك من الكُتَاب من يرى أن فكرة الالتزام لم تكن على شكل نظرية مبلورة في النقد الأدبي القديم حيث أنّ ظهورها ونموها لم يكتمل إلاّ في عصرنا الحالي وكلّ ذلك نتيجة التطور الثقافي والفكري والأدبي وحتى الفنّي وهناك أيضا من يرجح أنّ فكرة الالتزام نبتت على أرضية العلم، وعلى صخب المعامل وويلات الظلم والحروب ويضيف الدكتور أبو حاقة أنّ:«الالتزام قديمة في الاستعمال اللّغوي، لكن التطور الفكري الحديث قد أضاف عليها معنى اصطلاحيا جديدًا، وهي أكثر ما تطلق اليوم في معرض الكلام على الفكر الأدب والفن، حيث نجد في مضامينها مشاركات واعية في القضايا الإنسانية الكبرى، السياسية والاجتماعية والفكرية، وليس مقتصرا على المشاركة في هذه القضايا، وإنّما يقوم الالتزام في الدرجة الأولى على الموقف الذي يتخذه المفكر أو الأديب أو الفنّان فيها، وهذا الموقف يقتضي صراحة ووضوحًا وإخلاصًا وصدقًا، واستعدادَا من المفكر الملتزم لأنّه يحافظ على التزامه دائما، ويتحمل كامل التبعة التي تترتب على هذا الالتزام،من هنا كان الالتزام مرتبطا بالعقيدة، منبثقا من شدة الإدمان بها، صادرًا في جميع أشكاله وأحواله عن إيديولوجية معنية يدين بها المفكر الملتزم.»

نستشف من القول أنّ الالتزام قديم من حيث استعماله اللّغوي، بحيث يقتضي هذا المفهوم تطورا فكريا وثقافيا واجتماعيا وحتى سياسيا، وقد بني الأديب موقفه على الصّراحة واليقين والصدق والوضوح. بالإضافة قد يرتبط الالتزام بالعقيدة وخاصة إذا انبثق من الإيمان الصادق وعلى هذا الأساس يعد الفكر الملتزم فكرا موضوعيا في حدّ ذاته يقوم على الاختيار لا التخيير، وعلى الحرية لا التقيد، وعلى المطلق لا الإجبار.

وقد أضاف الدكتور كذلك قائلاً أن:«الالتزام شيء، والالتزام شيء آخر فالالتزام يعني حرية الاختيار، وهو يقوم على المبادرة الايجابية الحرة من ذات صاحبه، مستجيبا لدوافع وجدانية نابعة من أعماق نفسه وقلبه،«فالحرية شرط أساسي من شروط الالتزام، وليس ملتزما من كنا التزامه صادرًا عن قسر أو مجاراة أو ممالاة أو نفاق اجتماعي».

 موقف الالتزام والإلزام من الأدب:

قد يعتمد الالتزام على حرية الاختيار، فالأديب يعبر عن واقع مواطنيه و أحوالهم وظروفهم ومواقفهم لكن بطريقة مطلقة دون تقيد، على خلاف الإلزام الذي قد يفضي بصاحبه إلى التقيد والإجبار، فيكون الأديب مقيدًا بموضوعه ويشغل حيزًّا فيه، لكن قد يكون عن إكراه أو تكلّف.

ويرى كذلك أنّ:«الملتزم هو الذي يتبع الالتزام حرًّا من قلبه وبيئته، وعقيدته، يقوم به عن وعي واقتناع واختيار حرّ دونما تكلّف أو إكراه».فالأديب الملتزم إيمانه المطلق وصدقه نابع من قلبه وموجود كذلك حتى في بيئته، وقد يكون نهجه القويم أو سريرته اليقظة الناتجة عن وعي، واقتناع وحرية.

وهناك من الكُتَاب من منح الالتزام في الفكر والأدب كالكاتب جان بول سارتر، الذي أوضح مقوماته وأرسخها، فالكلمات على حد تعبير بريس باران عبارة عن مسدسات عما. بقدائفها، لهذا لابد عليه أن يحسن التصويب والتسديد وذلك إلى هدف خاص لا عن طريق المصادقة لأجل سماع الدوي الخاص بالطلقة.

وهكذا فإن:«الالتزام ليس مجرد تأييد نظري للفكرة، وإنّما هو سعي إلى تحقيقها». ويضيف أحد الكُتَاب في مفهوم الالتزام أنّ«الفكر ليس منفصل عن العالم الذي يحيا فيه، ولا هو مستقل عنه، بل العكس من ذلك هو غارق فيه وموجود وفاعل وحاضر، وليس العالم بالنسبة إليه مجرد مشهد يمّر أمام ناظريه مستقل عن فعله، إنّ العالم مسرح فعل، ومكان للنشاط العلمي، وليس المفكر مجرد مشاهد أو متفرج على ما يدور فوق هذا المسرح، بل هو مشترك في التمثيل، يمثل دوره في مأساة الكون الموجود فيه».

 قد يرتبط الالتزام بالعالم ارتباطًا وثيقًا ومحكمًا بحيث يعّد العالم كمسرح خاص تلقى فيه المشاهد على اختلافها، وكلّ له دور خاص فالأديب هو الممثل لهذه الأدوار كلّها.

ويرى أحد الكُتَاب كذلك أنّ:«الالتزام يقوم على تحديد علاقة الإنسان بالآخرين مع ملاحظة أنّ هذا التحديد تضمنه مجموعة من القيود تقلّل من مجال هذا الاختيار فالإنسان مثل لا يختار مولده ولا أسرته ولا بيئته، ولكن هناك التزامات في موقف يتبعه إدراك واع لكثير من القيم الإنسانية والاجتماعية، ثم يتجاوز المرء هذا الموقف ليعمل على تغييره إلا ما هو أفضل».
يتحد الالتزام بعلاقة الإنسان مع غيره، ويكون على أساس الاختيار، وكذلك مدى إدراك الواقع المعاش وأيضا الاعتماد على مجموعة من القيم المثلى التي تصل به إلى الهدف المنشود.
ويضيف كذلك أنّ:«الالتزام قائم على فكر واع غامص داخل أوضاع الفرد أو أوضاع المجتمع مع اختلاف نوعية الالتزام ومساره لدى كلّ فنّان وترى(دوريس نسج)أنّ مشكلة الالتزام تتحدد في مفهومها أنّ الكاتب يجب أن يخضع بإرادته الفردية لإدارة المجموع الذي يعيش فيه مع ملاحظة أنّ هذا الاستسلام لإدارة المجموع يجب ألا يكون كامل فعليه أن يصدر حكمه الخاص قبل كل عملية استسلام يقوم بها وهي في الوقت نفسه تهاجم أدب (سارتر)و(كاسو) لما يحتويه من عناصر اليأس وتراه مجرد هروب الإحالة من البراءة المصطنعة».

هناك من الكُتَاب من يرى أنّ الالتزام قائم على الإدراك والوعي الخاص بالفرد والمجتمع معًا، وهناك من يربط الالتزام بالفردية لكن على حساب المجموع مع مراعاة مجموعة من الضوابط الخاصة بكل ملتزم أو أديب أو شاعر.

وهكذا فإنّ أكثر مواضيع الأدب الملتزم تناول الكُتَاب مشكلة الحريّة، من حيث الشكل والمضمون وخاصة قد تتعلق هذه الأمور بنظرية الأدب والتي تقوم أساسا على أفكار معقدة نوعا ما لكن قد تضفي إلى نتائج معتبرة في الأخير، لقد تأثرت ظاهرة الأدب الملتزم بمختلف التيارات الفكرية في المغرب العربي، لكن رغم تعدّد الآراء لم تبرز هذه الظاهرة بشكل واضح، والسّبب هو عدم اهتمام الكُتَاب بهذه الرُّؤى وما عاناه الوطن كذلك من أزمات فكرية حادة، لكن هذا لم يمنع من وجود بعض الكتابات التي أصدرت والتي بعثت في النّفوس الطمأنينة وأهم الكُتّاب أمثال:«عبد الكريم غلاب» الذي يضع آفة الأدب الملتزم محل التقليد أو الفرض بحيث لا داعي للتأثير بالأدب الملتزم سواء في أوروبا الشرقية أو الغربية أو الهند أو حتى أمريكا اللاتينية، لكن المهم أن يكون الإنسان ملتزما حقا وأن يكون نابعا من النّفس لا عن تقليد غير وقد أوضح المفهوم كذلك عبد الله الركبي حين أعطى الفرق بين الإلزام والالتزام بحيث يرى أنّ الأدب الملزَم هو أدب محض خالص يختص بإيديولوجية، أمّا الأدب الملتزم قد يرتبط ارتباطا وثيقا بالقيم الإنسانية وقد كان مواكبا للفكر وتاريخه عبر العصور القديمة، وكذا نابع من أعماق النّفس البشرية. لكن كلّ هذا موجّه للإنسان ذاته للتعبير عن طبائعه وتوجهاته وتطلعاته، وهكذا فالأدب الملتزم يختص بالحرية لا تعبيرية محاكاة أو سلطة.

 وهناك من الكُتاب من يضيف أنّ «الأدب الملتزم هو الأدب الذي يسعى إلى توجيه الجماهير إلى واقع اجتماعي وأدبي أفضل لمسايرة الثورة الاشتراكية والخلاص الوحيد للأمة من الجهل والمرض والتخلق، مع العلم بأنّ محمد مصايف اعترف بأصالة الكاتب وحريته».

وظيفة الأدب الملتزم هو مسايرة أوضاع الأمة وتوجيهها إلى سبل النّجاح وتخليصها من آفات عدّة كالجهل أو التخلّف أو ما يعيق نشاط الأمة ونجاحها.

يعدّ الأدب الملتزم أدبا هادفا حيث يقف إلى جانب الإنسان لا فردًا، وإنّما قد يمثل الإنسانية جمعاء، فهدفه الوحيد هو الوصول إلى الهدف الأسمى، والمتمثل في الحرّية، فيسود الاستقلال والعدل وتنعدم آفة التمايز التباين بين طبقات المجتمع، وهكذا يتخلص الإنسان من ظلمه وعبوديته، لكن يبقى الحفاظ على التراث والأصل هو المبدأ الوحيد الذي تحافظ على كيانها حتى تستمر في أحسن الظروف وأبسطها.

 وقد أوضح(ديدرو)أنّ:«الالتزام هو ربط العمل الأدبي أو الفنّي بالحياة الاجتماعية، وتشديده على أهمية المضمون الاجتماعي والفكري والخلقي، واعتباره أنّ الخالي من المضمون الفكري لا يعتَدّ به من وجهة النّظر الاجتماعية ولو اشتمل على قيمة فنية كبرى، فالفنّان مطالب بأنّ يجعل الفضيلة محبَّبَة، والرّذيلة منكرة، وبأن يختار موضوعاته ويبدع بفرشات لوحات جديرة بأن تحرّك المشاعر وتهدّب النّفوس».

قد اتصل الالتزام بالعمل الأدبي اتصال محكمًا كما ركز على مجموعة من المواضيع الاجتماعية والفكرية والخلقية فركّزَ على العمل الفنّي وعلى مضمونه، فالفنّان له حريّة الاختيار إمّا يجعل الشيء محبّبا مبجلا عظيما أو يجعله منكرًا رذيلاً، فهو الوحيد الذي يسّير شؤون أعماله الخالدة ويرسمها بدقة لكي تكون أكثر تأثيرًا في النفوس البشرية.

وهكذا كانت مواقف الالتزام على مرّ التاريخ تتعدد، وفكره الالتزام تتطور يومًا بعد يوم، منطلقة من المبادئ الخلقية، شاملة معها الجوانب السياسية والاجتماعية والدينية.

وما يمكن قوله في الختام، أنّ موقف الالتزام والإلزام في الأدب كان موقفا صريحًا، بحيث استطاعا توضيح الصورة الفعلية للعمل الأدبّي ورسما حدوده، واتصلا بالمواضيع الاجتماعية والفكرية وغيرها اتصالا محكما، فكانت الدراسة الأدبية من خلالهما دراسة خصبة، وثمرة نجاح للعمل الأدبي.

المصدر و المراجع:

1/ الالتزام في الشعر العربي، أحمد أبو حاقة، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، 1979.

2/ الالتزام في القصة القصيرة الجزائرية المعاصرة في الفقرة ما بين 1931-1976، أحمد طالب، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائرية.

3/ الثقافة والثورة، محمود أمين العالم، دار الآداب، بيروت 1970.

4/ حول الإلزام والالتزام، عبد الله التركيب، جريدة الشعب 16 سبتمبر1970.

5/ فلسفة الالتزام في النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، رجاء عيد، منشأة المعارف بالإسكندرية 1988.

6/ قاموس المفضل، عزة عجان، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر ط1 2003.

7/ معجم مقاييس اللّغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء بتحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت ط1 1991.

8/ معجم الوسيط إبراهيم أنيس، عبد الحليم منتصر ، عطية الصوالحي ، محمد خلق الله أحمد إشراف على الطبع حسن علي عطية، محمد شوقي أمين ج2 دار الفكر.

9/ منجد الطلاب، فؤاد أفرام البستاني ، دار المشرق، رياض الصّلح ، بيروت لبنان ط48،2001.

10/ موسوعة العالمية ج6.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى